1/ خارج دائرة الكتمان قرّر (حازم) أنْ يعيشَ ما تبقت له من حياة، حياة تمسُّ حافّة الشمس، وتتوسد أشعتها، ولا تقبل القسمة على أيِّ عدد، تضخّم البسط أو تقيَّح المقام، وفي المساء سينزوي وحده مع القمر ويرسم في وجنتيه وجنتين. 2/ هذا أوَّل قرّار خرج به بعد الاجتماع الذي عقده ليلة البارحة مع نفسه. حضر كُلَّ الأعضاء الذين تمّ دعوتهم، لم تتخلفْ حاسَّة واحدة من حواسِّه الست. بدأ الاجتماع بتقييم جماعي لمجمل تفاصيل أيامه التي انقضتْ من عُمره. 3/ الظلام الذي كان يقود سلوكه أعاق الرؤية، مما جعل الأعضاء يؤكدون على أهمية محور التعويض، وعليه أنْ يقزِّمَ من أناه المتضخمة والمتقيحة قليلاً، وإلا سيظلُّ مجرد عنصر انتقالي حائر بين الأربعين مليون عنصر بشري مشرور في اللفة. 4/ أعتبر (حازم) أنَّ الأمرَّ لا يخلو من إهانة، والملاحظة التي ذُكرَّتْ قاسية جداً، ولا تأخذ في عين الاعتبار خبرته الطويلة، وأنَّه الأكبر سناً بين الأعضاء، لذا سينحاز قريباً لقبيلة الفلزات التي تؤمن بالروابط الأيونيَّة بين البشر، أو في أسوأ الحالات سينتمي لقبيلة اللافلزات، وسيظلُّ تساهمياً فقط مع الجنس الآخر. 5/ صمم مرّة أخرى أنْ لا يكون رهينة لأفكار الأخرين، وأنَّ الآخر مشبوه ويعتبر طابور خامس، ولن تستهويه بعد اليوم أيَّ فكرة ما لم تكنْ من بناتِ أفكاره، وعليه أنْ يبحثَ في الحال عن امرأة تقاسمه هذا التسامي، وتنجب له بناتاً لأفكاره. 6/ انتظر أربعة أيام متتالية حتّى برد الجو ونزل المطر، وصار الطقس ملائماً، استعرض في ذهنه كلَّ عقول الفتيات الجميلات، توقف طويلاً عند البنت التي اسمها (أفكار). ضحك بعمق كمن وجد ضالته.. 7/ (أفكار) بثوبها الحريري الشفاف، وشعرها المسدل والمتمرد على طيات المنديل الطوبي اللون، وبساقيها المتورمتين، كأنهما أنبوبتين من أنابيب مصافي البترول، لا تهتم كثيراً بثقافة الشّد، واللصق، والتلميع، بقدر ما تهتم بالنظافة، وجودة الغذاء، وراحة البال. 8/ سألها بدون مقدمات عن قيمة جاذبية (المعيشة)، لم تردْ عليه..، الصق كتفه بكتفها، وهمس لها بأنَّ دائرة الهلع التي ندور حولها لديها تسارع لا يلتفت للقيمة الفعلية لجاذبية (المعيشة) البالغة 9,8. توترتْ قليلاً، ونهضتْ. 9/ توجهتْ نحو الباب، ركض خلفها حتّى لحق بها في الشارع، دارتْ نصف دورة وبصقتْ، مسح بطيبة خاطر البصاق عن كتفه، أدخل هاتفه المحمول في جيبه وابتسم لها. 10/ استعانتْ بخبرتها وتمهلتْ، عرفتْ أنَّه خارج للتوِّ من دائرة الكتمان، وأنَّ كلَّ ما يبحث عنه هو التعويض، بادلته الابتسام، زجّتْ يدها في جيبه، أخرجتْ الجهاز، سجلتْ أرقاماً فيه ثمّ أعادته إلى ذاتِ المكان وغادرتْ.