٭ عام على رحيل الأديب الراحل وعبقري الرواية الأستاذ الطيب الصالح، الذي رفد الادب السوداني بأروع الروايات والكتابات التي انتشرت على مستوى العالم، وترجمت لأكثر من «65» لغة، فجعل من الأدب السوداني منارة علمية سامقة يهتدي اليها أدباء العالم، ولا عجب أن تقرأ للناقد التونسي توفيق بكار وهو يقول: «إن نصوص صاحب «عرس الزين» لا تحمل رؤية للمجتمع العربي فحسب بل للوجود الانساني أجمع». ٭ علينا أن نعتز بكتابات الطيب صالح لأنه صاحب تجديد أصيل في الرواية العربية، وجعل من الكتابة بحثاً عن «كسر» حاجز الوعي ما بين العزلة والجذور، نحن كنا نتمنى من الدولة تخليده في ذكراه الاولى التي مرت علينا الاسبوع الماضي بنشر كتبه ورواياته وتوثيق كل شهادات رصفائه من الكتاب والادباء، حتى تستفيد منها الاجيال القادمة، لماذا نحن هكذا دائماً نتحسر بعد وفاة المبدعين، فننسى أن أديباً بقامة الطيب صالح عاش بيننا لما يقارب الثمانية عقود، وقدم سفره الروائي الخالد خلال أربعين عاماً شهد له فيها الكل بغزارة ثقافته ومعرفته وحبه لوطنه، وعمق تجربته في الحياة التي اكتسبها من داخل الوطن وخلال التسفار والتجوال والاطلاع الواسع على كل أنواع المعرفة بلغاتها المختلفة، وعمل مع كثيرين من أجل إرساء إعلام عربي رائد. ولكن وكما يقول الراحل في روايته بندر شاه «الحياة يا محيميد ما فيها غير حاجتين اتنين الصداقة والمحبة». وبالفعل فقد ورث الراحل محبة فائقة من قرائه ومعجبيه المنتشرين في بقاع المعمورة بمختلف لغاتهم وثقافاتهم، فله الرحمة والمغفرة من رب العالمين، ودعناه في نفس الأسبوع من العام الماضي.. ودعناه يومها وكأننا نقرأ لكاتب كان بطريقة أو بأخرى يكتب سيرة بطل روائي تشبه ربما سيرته الشخصية حينما نقرأ له: ٭ «دفناها عند المغيب، كأننا نغرس نخلة، أو نستودع باطن الأرض سراً عزيزاً سوف تتمخض عنه في المستقبل بشكل من الأشكال.. محجوب قَبَّل خدها.. وأنا قبلتُ جبهتها، وكاد الطريفي يهلك من البكاء، وحملناها برفق نحن الستة، ووضعناها على حافة القبر.. أسمع ذلك الصوت يجئني من بعيد مثل ناي سحري، في غلالة من أضواء الأقمار في ليالي الصيف، ولمع الشعاع على سعف النخل الندي، ووهج النوار في حدائق البرتقال.. تقول وهي تجر عمامتي من رأسي: «نسكن البندر.. سامع؟ البندر.. الموية بالأنابيب، والنور بالكهرباء، والسفر بالسكة الحديد. فاهم؟ اتمبيلات وتطورات.. اسبتاليا، ومدارس، حاجات وحاجات.. البندر.. فاهم؟ الله يلعن ود حامد.. فيها المرض، والموت، ووجع الرأس.. أولادنا كلهم يطلعوا أفندية فاهم». «بندر شاه- مريود» [email protected]