السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرزيقات جعلوا من القبيلة مادة ثقافية تستوعب الجميع
عرض كتاب.. العلاقات بين الرزيقات ودينكا ملوال (1 - 3)
نشر في الصحافة يوم 28 - 09 - 2010

رغم ان صاحب هذا الكتاب استهله بامنيته ان يكون (هدى لبنيان وحدوي قوي يساعد في وحدة السودان بأكمله)، الا اننا في (الصحافة) ننشره ليكون عاصما من قواصم انفصال الجنوب الوشيك، وذلك للترابط بين ما يتناوله الكتاب وارتفاع الاصوات المحذرة من ايلولة منطقة جنوب دارفور حيث يتداخل الرزيقات ودينكا ملوال لأن تصير بؤرة أخرى للنزاع شبيهة بمنطقة ابيي، فالبحث المقدم لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإجتماعي من جامعة أم درمان الإسلامية في عام 2007 عن (العلاقات بين الرزيقات ودينكا ملوال) يتناول تفاصيل هذه العلاقة في بعديها الاجتماعي والجغرافي بعمق لما تتيحه المعرفة والمعايشة للمؤلف محمد عيسى عليو ابن المنطقة ورئيس هيئة شورى قبيلة الرزيقات.
ومثلما قدم الكاتب كتابه في ثلاثة فصول فاننا نلخصه في ثلاث حلقات نعرض في الأولى قبائل الرزيقات وكيفية استقرارهم في منطقتهم الحالية مع التركيز على أقسام القبيلة وإدارتها، والمشاكل التي تعيشها. كما نعرض للردود على المزاعم التي اتهمت القبيلة ببعض الممارسات الخاطئة، وفي الثانية نتناول مراحل استقرار قبائل جنوب السودان مع التركيز على قبيلة الدينكا وبالأخص دينكا ملوال، والمشاكل التي وقعت بين الرزيقات والدينكا، والقيم الاجتماعية عند دينكا ملوال والرزيقات. وفي الثالثة نعرض للحديث عن قيم التمازج في القبائل السودانية، واشارات المؤلف إلى التمازج في دارفور، مع التركيز على التمازج والانصهار أحيانا عند الدينكا والرزيقات.
عرض: التقي محمد عثمان
في الفصل الأول (الرزيقات المجتمع والقبيلة)، يحدد الكاتب موقع دار الرزيقات بالمنطقة التي تقع بين خطي عرض 8.60 و11.40 شمالاً وخطي طول 25.50 و 27.95 شرقاً تحدها شرقاً قبيلتا الحمر والبرتي وغرباً قبيلة الهبانية، وشمالاً مقدومية الفور والبرقد وجنوباً قبيلة دينكا ملوال والجنوب الشرقي قبيلة المسيرية. حيث تبلغ مساحة دار الرزيقات تقريباً 46 ألف كلم2 وتمتد جنوباً حوالي 14 ميلا بعد بحر العرب، وتتكون المنطقة من أراض رملية ناعمة في الشمال تنمو عليها أشجار الهشاب والجوغان والليون ويزرع فيها الدخن والذرة والفول السوداني والسمسم والكركدي. وفي الجنوب تختلف حيث الأراضي الطينية وتكثر فيها أشجار الطلح والسنط والعرديب وتكثر فيها الأمطار إذ يتراوح متوسط هطول الأمطار بين 500- 700ملم. غالبية أفراد هذه القبيلة يمتهنون الرعي مع الاحتفاظ بالمزارع الصغيرة للاستهلاك الأسري.. أما عاصمتهم الضعين فتعج بالسكان من شتى القبائل وتشتهر بالتجارة لأنها ملتقى طرق ما بين جنوب السودان ودارفور شمالاً وما بين العاصمة الخرطوم، ومن ثم كردفان إلى وسط وغرب دارفور وبها خط السكة حديد الذي ينتهي في نيالا التي تبعد عن الضعين غرباً 180 كلم.
إدارة الرزيقات:
الرزيقات يقولون أنهم ينحدرون من جدهم رزيق، فرزيق له ثلاث أبناء أكبرهم نائب وأوسطهم محمود وأصغرهم ماهر. وتنحدر على إثر ذلك بطون النوايبة والمحاميد والماهرية ونفس هذه المسميات توجد في شمال دارفور وغرب دارفور، وكانت هناك مؤثرات خارجية دفعت ببدنات الرزيقات إلى الاتحاد تحت ناظر عموم، اضافة الى ان العوامل الضاغطة التي كانت تدفع بالقبيلة إلى الاتحاد مواتية سواء كان سلاطين الفور أو قبائل الدينكا، إضافة إلى خيرات منطقتهم الكثيرة التي جلبت نحوهم كثيراً من القبائل فإن لم يتحدوا ربما تضيع منهم الأرض كلية . عندما قرر الرزيقات التوحد في نظارة واحدة في أواسط القرن الثامن عشر تنافس في ذلك عدة شخصيات من عدة بطون كل منها يريد أن يلبس قيادة القبيلة كبرار أجبر وشارف ولد تكيتك من النوايبة وساقه العبيد من الماهرية بطن أولاد أم أحمد و جماع الكرو وفيما بعد جاء أحد سلالته وهو عجيل ولد الجنقاوي. وأخيراً حاول أن يلحق بالركب المحاميد فبرز الشقيقان جقر وبناني كمنافسين لمادبو وابنه موسى مادبو. وبعد مناورات كثيرة ومواقف متعددة ومتباينة بايعت القبيلة مادبو زعيماً لها وقائداً وناظراً، فدخل بالقبيلة معارك كثيرة سواء ضد الزبير أو معه أحياناً، أو حروبه ضد سلاطين باشا بعد مبايعته المهدي في قدير عام 1882م. هذه الحروب التي خاضها مادبو أكسبت قبيلته شهرة كبيرة وجعلتها أكثر بأساً وأكثر قبولاً عند الآخرين وحافظ بذلك على أرض القبيلة ووحدة أهلها .
مناطق الرزيقات:
تقع الضعين العاصمة وسط دار الرزيقات، غربها «قميلاية» سابقاً عسلاية حديثاً ويسكنها المحاميد. تقع «أضان الحمار» سابقاً الفردوس حديثاً في الجنوب الغربي للضعين ويسكنها النوايبة. أما مناطق الجوغان وأبو جابرة في الجنوب الشرقي وأبو مطارق جنوب الضعين مباشرة فيسكنها الماهرية الذين ينقسمون إلى قسمين أم أحمد ويسكنون أبو مطارق وأم ضحية يقطنون أبو جابرة العاصمة القديمة للرزيقات والجوغان. كما أن في شمال الضعين ما وراء السكة حديد تقع مناطق غزالة جاوزت وكليكل ويسكنها خليط من الرزيقات والمعالية العقاربة وبعض القبائل التي تتبع لإدارة الرزيقات كالبرقد.
التعايش السلمي لإدارة الرزيقات:
البعض يرى أن الرزيقات عرقياً ينتمون إلى جدهم رزيق بن على الرحال بن عطية بن جنيد بن أحمد شاكر بن زبيان المعز بن عز الديان بن عبد الله بن عباس. بينما يختصرهم بعض النسابة إلى الصحابي عبد الله الجهني مباشرة. وهم من قبائل جهينة جاءت إلى السودان من تشاد خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين ومعها قبائل السلامات وأولاد راشد والجهاد والحريكة والجعانتي وخزام والبني هلبة. وهي تنتمي إلى الجنيد بن شاكر بن أحمد الأجزم بن راشد الذي يلتقي نسبه بعبد الله الجهني بن العباس. وهؤلاء هم أبناء عمومة الرزيقات. فالرزيقات والمسيرية والحوازمة أبناء عطيه بينما الهبانية والبني هلبة والتعايشة أبناء مجنود وهم ينتمون لأحمد الاجزم المنتهية نسبته لعبد الله الجهني. ويقول البعض إنهم ينتمون إلى جيوش بن الأجزم بن ذبيان . ويقول البعض الآخر إن جهينة هو بن زيد بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن زهرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بين يشجب بن يعرب بن قحطان وفي البحث الذي قدمه أبو مهند في موقعه الجهني نت لشبكة الإنترنت مشيراً مرجعه حزم الأندلسي إن العرب يرجعون إلى ولد ثلاثة رجال عدنان، قحطان، قضاعة ويقول ابن حزم في قضاعة: أنجب قضاعة الحافي الذي أنجب أسلم وعمرو ومن عمرو ظهرت قبائل بنو حيدان وبنو يهراي وبنو يلي أما أسلم فأنجب سود وأنجب ليث ومنه زيد وأنجب حوتكة بنو حميس وإياس بنو عزرة ومن زيد سعد هزيم وجهينة وهو أول من سكن الصحراء من العرب.
رغم هذا النسب الممتد للرزيقات إلا أنهم ومن خلال تطويرهم للتعايش السلمي بين القبائل فقد قبلوا الآخر بسرعة فائقة وجعلوا من القبيلة مادة ثقافية تستوعب الجميع.. فقوانينهم تجيز انضمام أي فرد يأتي من أقصى بقعة في الدنيا في اليوم التالي لوصوله بغض النظر عن عرقه أو دينه، فقط الالتزام بشرط واحد هو الالتزام بأعرافهم والتي في النهاية لا تخرج عن الشرع الإسلامي في الإطار العام. وأهم هذه الأعراف الالتزام بالدية، فعند الرزيقات الدية هي أهم عنصر فبإمكانه أن يجمع أو يفرق. ولا سيما في حالات القتل سواء الخطأ أو المتعمد حيث توزع أموال الدية المتفق عليها بين بطون القبيلة الكبيرة إذا وقعت المشكلة بين الرزيقات وقبيلة أخرى. أما في الإطار الداخلي كل بطن «خشم بيت» يتحمل مسؤولية دفع دية أفراده. وهكذا يدخل الغريب إذا أراد هذا المنوال وفي اليوم التالي لدخوله يحميه البطن الذي دخله كما يحمي نساءه وأطفاله بل يكون مميزاً في أحيان كثيرة والأمثلة هنا كثيرة ومتعددة لشخصيات دخلوا هذا العرف واستفادوا منه كثيراً.
أما الجماعات والبطون الداخلة على القبيلة فيترك لها الخيار إما الذوبان في بطونها أو الاحتفاظ بأسماء بطونها التي أتت بها بمعنى أنه الآن في إدارة الرزيقات عمودية للتنجر وعمودية للزغاوة وعمودية للبرقد وعمودية للمعاليا والمعالية العقاربة وهكذا، كثير من القبائل الأخرى لا تقبل هذا وإنما تقبل الذوبان فيها والتسمي باسمها، أما الرزيقات لا يشترطون ذلك. لهذا كثر عددهم وقويت شوكتهم ولذلك كان التونسي عندما يتحدث عن الرزيقات يقول الرزيقات وأحزابهم. أما سلاطين باشا يقول إقليم الرزيقات وهذه تسمية صحيحة فالإقليم دائماً ما يضم أكثر من عرقية وقبيلة.
هناك رواية تقول إن رزيق هذا له سبعة أبناء وسبعة من العبيد الأقوياء وسبعة من الغرباء الذين دخلوا عليه وفي يوم من الأيام جمعهم كلهم وقال لهم كلكم أبنائي، فتعاون هؤلاء وانتشروا في الأرض حتى عمروها وتوالدوا وتكاثروا حتى سماهم الشاعر عيال رزيق تراب الهين من كثرتهم شبههم بالتراب، والرزيقات يتبادلون النكات فيما بينهم حول أيهم إبناء الغرباء وأيهم أبناء العبيد وأيهم أبناء رزيق الأصلاء فلا أحد يعرف.
الاحتكاكات الحربية:
في السابق كانت تقوم مشاكل في الجهة الجنوبية ولكن خفت حدتها بعد توافر كثير من العوامل منها- كثرة جلسات الجوديات المفضية لوجوب التعايش السلمي وحاجه الناس لبعضهم البعض، تميز العلاقات الشخصية بين قادة القبيلتين- توقيع اتفاق الجنوب بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية، توفر بعض الآبار الارتوازية والذي يجعل كثير من الرزيقات يوقفون ترحال بهائمهم إلى بحر العرب صيفاً مما قلل التزاحم عليه وكان في السابق سبباً مباشراً للمشاكل..انشغال كثير من الرزيقات بمهن أخرى غير الترحال- توفر حد أدنى للتعليم مما جعل الناس يقضون قضاياهم بالحكمة أكثر منها بالانفعال القتالي. توفر مواقع الشكوى كنقاط الشرطة، واللجان الشعبية، وإنشاء العموديات وتقصير الظل الإداري.
أما في الآونة الأخيرة فقد وقعت بعض التحرشات والتي أفضت فيما بعد لحرب بين بعض الرزيقات والزغاوة شمالي السكة حديد من جهة والبرقد الذي يتبعون لمقدومية نيالا من جهة أخرى أما بالنسبة للبرقد فالمشكلة هي بسبب المراحيل التي قفلت بسبب المزارع. والمراحيل? هي الطرق الممتدة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب لتمر بها بوادي الرزيقات ومخططة لهذا الشأن منذ ما قبل الاستعمار. ولكن كثرة التعداد البشري واستغلاله للزراعة كمهنة مع قلة المهن الأخرى وزيادة القطعان جعل المراحيل عرضة للتخطيط الزراعي مما يضيق الخناق على البوادي المتنقلة.. ولكن هذه المشكلة في معالجة مستمرة من قبل الإدارات الأهلية.
العلاقات مع القبائل المجاورة
لم يكن استقرار الرزيقات في هذه المنطقة بالأمر السهل، خاصة بعد تحالفهم مع القبائل المحلية الأمر الذي أزعج جهتين عظيمتين ذات بأس شديد. سلاطين الفور من جهة الشمال الذين كانوا يسيطرون على جميع قبائل دارفور ما عدا قبيلة الزريقات التي تجنح دائماً إلى النزعة الاستقلالية، كما أن سلاطين الفور تخوفوا من الانصهار الرزيقي الإفريقي السريع الأمر الذي ربما يهدد دولتهم في الفاشر .
أما من الجانب الجنوبي فإن دينكا ملوال تخوفوا أيضاً من انهيار ممالك النقلقلي والشات والمنضلة والفرتيت السريع واعتقدوا أن هذا الطوفان ربما يمتد حتى يصل ديارهم لا سيما منطقة بحر العرب وهم يسمونه بحر كير الغني بالموارد المائية والسمكية والعشب للأبقار، والغابات الكثيفة التي تحمي الحيوانات المفترسة التي يصطادونها. وعلى كل واجه الرزيقات هذه القوة الضاربة من غير تنسيق فيمابين الخصمين (الفور والدينكا)، فكانت الحروب سجالا ما بين الرزيقات والفور من جهة والرزيقات والدينكا من جهة أخرى..
مزاعم تجارة الرق في غرب السودان:
كتب بلدو وعشاري كتاباً عن الرق في السودان في أواخر عام 1987م يتهمون فيه الرزيقات باسترقاق أبناء الدينكا مستقلين ما يزعم بأنه محرقة الضعين. وفي هذا نستطيع أن نقول أن الرق مرض سرطاني منتشر انتاب البشرية منذ عصرها الأول. ولقد مارسته معظم الشعوب المتحضرة منها والمتخلفة في السابق، وفي العصر الحديث فقد مارسه اليونانيون والهنود والفرس في عصورهم المنصرمة وفي العصور الحديثة مارسه الأوربيون خاصة في القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين.
أما الأمريكان فلم يطوروا دولتهم الوليدة إلا بالأفارقة الذين ملأوا بهم السفن وشحنوهم إلى أمريكا ليستغلونهم في المصانع والمزارع وخدماً في البيوت والمتاجر كعمال سخرة. وكان بعض الرجال البيض يحتقرونهم لا يأكلون ولا يشربون معهم. بل كانت لهم شوارعهم ومساكنهم ومطاعمهم الخاصة بهم. كل ذلك لم يكن بالبعيد فقد كان ذلك في أواسط الستينات من القرن العشرين مما أدى إلى قيام ثورة مارتن لوثر كنج ضد التفرقة العنصرية ودفع روحه ثمناً لثورته إذ اغتيل في أواخر الستينات من القرن المنصرم. أما عند المسلمين فقد انتهى الرق منذ أن أنزل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم فبدلاً عن الرق جاء القرآن بالعتق، وألزم المسلمين عند ارتكاب أدنى جريمة بأن تكون الكفارة عنها بعتق رقبة. وهكذا ضيق الإسلام على المسترقين إلا في حالة الحروب الدينية والتي لها أسبابها التي تختلف تماماً عن الحروب الوطنية الأهلية في القطر الواحد ، مع العلم بأنه لم تقم مطلقاً أي حرب دينية في السودان إلا عند قيام الثورة المهدية والتي قامت أصلا لطرد الغزاة المحتلين للوطن. رغم ذلك لا نستطيع أن ننكر أنه قامت حالات استرقاقية في السودان في القرون المتأخرة ولكن كانت أطرافها سودانية شمالية جنوبية كمنبع وكان الغرب الأمريكي والأوربي مصبا لتجارة الرقيق، رغم أنها كانت مرفوضة ومحاربة من الديانتين المسيحية والإسلامية ومن بعض القيادات الحاكمة سواء الإنجليزية أم السودانية.
يعتقد الكاتب أن كتاب بلدو وعشاري كان خطأً كبيراً ولا يقل جريمة عن جريمة غزو السودان عسكرياً. فقد غزا هذا الكتاب الذي ترجم لعدة لغات صدور كثير من شعوب الدول المتحررة وصور لهم السودان وكأنه يعيش في القرون المظلمة مما تسبب في هجمة شرسة لازال يدفع أبناؤه ثمنها. فقد قالا في كتابهما في ص5 بدأ نزوح الدينكا بطريقة منظمة إلى مدينة الضعين عام 1964م أثناء الحرب الأهلية الأولى.
ويقول أن المرء لا يذهب إلا للمنطقة التي يحس فيها بالأمان وليس العكس. ويقول الكاتبان في نفس الصفحة وبعد اندلاع الحرب الثانية في عام 1983م تم امتداد نشاط قوات الجيش الشعبي إلى منطقة شرق بحر الغزال حول أويل وفي عام 1985م أغارت مراحيل المسيرية ومليشيات الرزيقات المدعومة من قبل الحكومة على المواطنين الدينكا في قرى مريال باي وأشورة ومجوك وقوق مشار وغيرها. في 1986م/ 1987م بعد هذه التطورات انضمت إعداد كبيرة من الدينكا للجيش الشعبي ولكن أعداد أخرى نزحت إلى مدينة الضعين وإلى القرى والمدن الصغيرة شمال بحر العرب.
هذه المناطق المذكورة هي عمق دار الرزيقات، فالدينكا إن لم يحسوا بالأمان، فلماذا ذهبوا إلى دار الزيقات. ثم ذكر الكاتبان في كتابهما الرق في السودان ص31 يتحدثان من محرقة السكة حديد بالضعين أن سبعمائة دينكاوي قتلوا في عربيتين خشبيتين من عربات السكة حديد كيف تسع عربتان سبعمائة فرد؟! وفي ص 51 يقولان: إن شهودهما امراة تبيع الخمر اسمها أكول أكول وطفل يبلغ من العمر 12 سنة. وهما يقولان إن مدينة الضعين يبلغ تعدادها 60000 نسمة. ألم يجدا من كل هذه الأعداد البشرية إلا هذا الطفل وبائعة الخمر؟ الكاتبان لم يقصدا الرق وبتره أو الدفاع عن الدينكا وإنما قصدا قبيلة الرزيقات لتحطيمها مادياً ومعنوياً لاستراتيجيات إقليمية ودولية مع الأخذ في الاعتبار أن معظم المؤرخين أكدوا أن الرزيقات أقوى وأغنى قبيلة في دارفور. وأن الرزيقات هم الذين حفظوا وحدة السودان من ثغرتهم التي هم فيها. وأنهم حاربوا الزبير باشا الذي حاول ضمهم للحكم التركي ودفعوا في ذلك ثمناً من أرواحهم وأموالهم. وإذا علمنا أن حركة قرنق كانت ذات اتجاه يساري والدكتورين في ذلك الاتجاه فلا غرابة أن توجه سهامهما نحو الرزيقات إمعاناً في عدم الانصاف وتجاهل الحقائق والواقع. ومما يؤكد ذلك ففي كتابهما كل ما كان الأمر أمر شناعة وقبح يقولان ارتكب ذلك عرب الرزيقات وعندما يكون الموقف موقف رحمة ودفاع عن الدينكا يقولان حاول بعض المواطنين الدفاع عن الدينكا وحاولوا ترحيلهم ولكنهما عندما أشادا بعبد الرحيم الفضيل الضابط الشجاع وحماد بشار وعلي الرضي بدفاعهم عن الدينكا نسيا أن هؤلاء هم أعيان الرزيقات فحماد بشار عضو محكمة الضعين وعلي الرضي صهر الناظر إبراهيم موسى مادبو وعضو المحكمة والشخصية الثالثة في إدارة الرزيقات. فإذا كان الرزيقات بالإجماع متآمرون على الدينكا فكيف يقف هؤلاء بمعزل عن أهلهم؟ وأن الضابط الشجاع الذي ذكراه في كتابهما عبد الرحيم الفضيل هو أيضا من أبناء الرزيقات من بطون النوايبة.
يقول الكاتبان: إن العمدة محمود خالد عمدة الفردوس والعمدة فضل النبي سالم عمدة أبو مطارق قاما بحماية الدينكا. هذا صحيح ولكن الأصح أن كل القرى الرزيقية قامت بحماية الدينكا ما عدا الضعين، وهذا وحده دليل على براءة الرزيقات من تهم بلدو وعشاري لأن القرى التي حول الضعين يتواجد فيها الرزيقات بنسب تفوق 90%، أما الضعين فنسبه الرزيقات تقل فيها عن 25% لأن الضعين ليست مدينة رزيقية. فيها معظم القبائل السودانية والدليل على ذلك فإن معظم الذين كانوا يفوزون داخل مدينة الضعين في معظم الانتخابات ليسوا من أبناء الرزيقات وما ذلك إلا لتواجد الآخرين في محيط هذه المدينة الكبيرة.. ومما تأكد لنا مؤخراً أن أناس من خارج الرزيقات كانت لهم ثارات مع بعض الجنوبيين بسبب قتلاهم في الجنوب هم الذين قاموا بذلك العمل الشنيع.
ويقول انه مما يزيد القناعة بمحاولاتهما استهداف الرزيقات حشرهما الزغاوة حشراً في موضوع الرق في السودان. إذ قالا إن الرزيقات اعتدوا على الزغاوة في سوق الملابس بحجة أنهم يصعدون الأسعار، فهذا استهداف من جانبهما فهما لم يعرفا كم عدد الموتى في هذه الحادثة الشنيعة ولم يشيرا إلى أنهما زارا مقبرة المتوفين التي دفنوا فيها ومن خلال قياس مساحة الأرض يمكنهما معرفة العدد الحقيقي للقتلى.
إن حادثة الضعين شيء مأسوف له، ونقول إن الحكومة ارتكبت خطأً كبيراً في عدم اعتقال المشتبه فيهم وفتح تحقيق في ذلك بل كان يمكن أن يزور المنطقة وفد حكومي كبير لا سيما أن وزير الداخلية وقت وقوع الحادثة كان بنيالا عاصمة المحافظة. إن السبب الحقيقي لهذه المأساة هو أن الجيش الشعبي لتحرير السودان هجم على منطقة بحر العرب وقتل كل أعضاء المحكمة الشعبية مما جعل الناس يتحركون نحو البحر. وفي الضعين احتفل بعض أعضاء الحركة الشعبية في نفس الكنيسة التي وهبها لهم الناظر محمود مادبو مما أوغر صدور بعض المواطنين بالغضب وقامت المناوشات في أطراف الأحياء الجنوبية لمدينة الضعين. ومن ثم تجمع بعض أفراد الدينكا في مكاتب الشرطة خوفاً من الاعتداء عليهم، وتخوفت الشرطة من عدم تمكنها من حمايتهم ففكرت مع آخرين في ترحيلهم إلى نيالا وذهبوا بهم إلى محطة السكة حديد وفي مثل هذه الحالات العارمة من الفوضى والغياب الأمني وذهاب معظم عقلاء المدينة إلى بحر العرب للوقوف قريباً من الأحداث التي فجرتها الحركة الشعبية تدخلت أيادي الفوضى لتعبث بأرواح الأبرياء وقام الغوغاء بإشعال النيران في عربات السكة حديد وناوشهم البعض بالحراب وكان ما كان. ويعتقد الكاتب أنه لازال الوقت مناسباً بقيام تحقيق شامل لهذه الحادثة فمعظم الشهود لازالوا أحياء حتى نزيل عن هذه القبيلة الكبيرة هذا الإتهام الباطل عن جبينها الوضئ المضياف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.