ما تزال مشكلة القضاة المفصولين للصالح العام تراوح مكانها، رغم مرور قرابة العامين على القرار القاضي باعادتهم للخدمة، فهذا القرار اعترف صراحة بعدم مشروعية الفصل المسمى زوراً وبهتاناً بالصالح العام، فقد اصدر السيد رئيس الجمهورية قراره القاضي باعادة كل مفصولي الصالح العام للخدمة عدا الذين تجاوزوا سن المعاش، واستناداً لهذا القرار تقدم المفصولون بطلباتهم، منهم من اختار العودة، ومنهم من طالب بتسوية معاشه من تاريخ الفصل وحتى تاريخ الاعادة، فالذين طلبوا باعادتهم للخدمة لم يتم اعادتهم حتى كتابة هذه السطور، اما الذين طالبوا بتسوية حقوقهم المعاشية، فقد تم التعامل مع طلباتهم بصورة غريبة، حيث تم حساب المدة المعاشية منذ تاريخ صدور قرار الفصل وحتى تاريخ قرار الاعادة للخدمة مع خصم مدة عشر سنوات، دون مبرر أو مسوغ قانوني يقتضي ذلك، فالذين اختاروا تسوية حقوقهم لم يبدوارغبتهم في العودة قد تنازلوا عن الجانب الذي يزعج القائمين على امر السلطة القضائية، والمتمثل في عدم اعادتهم للخدمة، وقد تم الالتفاف حول هذا القرار بحجة عدم وجود شواغر تمكن من اعادتهم، ولعلم معظم القضاة المفصولين بعدم امكانية الاعادة، وان القائمين على الامر سيفعلون المستحيل للحيلولة بينهم والعودة للقضائية، اختار هؤلاء طريق تسوية الحقوق، ظناً منهم انهم بتنازلهم عن حق العودة قد اعفوا القضائية من مشقة عودتهم، وكفوها مؤونة الحرج الذي سيترتب على اصرارهم على العودة، ولكن المفاجأة كانت تلك السنوات العشر التي تم استقطاعها واسقاطها من حقوقهم المعاشية، دون مبرر او سند قانوني، فالقضاة المفصولون قد تجرعوا كؤوس الظلم مرتين، عند فصلهم ابتداءً وما ترتب على هذا الفصل من تشريد لهم ولاسرهم ومحاربتهم في ارزاقهم، فمنهم من ركب الصعب واختار المنافي والاصقاع القصية لتوفير لقمة العيش الكريمة لاسرته، ومنهم من اعتصرته ظروف الحياة القاسية، وجرفه التيار وفشل في توفير لقمة العيش الكريمة لاسرته، فقد غادر ابناؤهم مقاعد الدراسة واقتحموا سوق العمل دون مؤهلات سعياً وراء مساعدة أسرهم واعانة آبائهم المفصولين في تربية اشقائهم، وهنالك من اقعده المرض، وليس له من حطام الدنيا ما يوفر له العلاج ويقيه مذلة السؤال والالحاف، وقد سعى بعض الزملاء لمعالجة الموقف وعلاج الحالة، وقد كانت الحصيلة بائسة ودراهم معدودة لا تفي بمنصرفات وجبة واحدة عند بعضهم!! الرجوع للحق فضيلة والحق احق ان يتبع، فما تم يمثل الظلم في اعلى مراتبه، والجشع وسوء الكيل فهذه الشريحة افنت زهرة عمرها في اداء رسالة العدالة السامية بمنتهى التجرد والامانة والاخلاص وتم انتزاعها من اداء واجبها عنوة واقتدارا، ويجب عدم تعرضها للظلم وان تتم معاملتها بعطف وعدالة تامة، وايفاء الكيل لها عسى ان تخفف مرارة الظلم والاحساس بالقهر وقلة الحيلة. فالفرصة ما زالت مواتية لاعادة الامور لنصابها، وذلك باعادة من اراد العودة، وحساب المدة المستقطعة، حتى تنطلق هذه الشريحة المهمة في لعب دورها المنوط به في ظل التحديات التي تواجه البلد وتكاد ان تعصف به ولن يتم ذلك الا بازالة الظلم، فالاحساس بالظلم احساس قاسي وفظيع لا يعرف طعمه الا من كابده، والملف السوداني المعقد وبالنظر للنتيجة التي آل اليها من تدويل وتدخلات عالمية واقليمية، يحمل بين طياته توصية واضحة وصريحة من لجنة الاتحاد الافريقي لمعالجة ازمة دارفور برئاسة ثاوث امبيكي الرئيس الجنوب افريقي السابق، يقضي باعادة القضاة المفصولين، والاستعانة بخبراتهم في تشكيل المحاكم المختلطة للخروج من ازمة المحكمة الجنائية الدولية، هذا المحكمة ذات الاختصاص التكميلي والتي لا ينعقد لها الاختصاص الا عند عجز القضاء الوطني وعدم تصديه نتيجة لعدم قدرته او رغبته، وأثار التقرير والتقارير المتابعة لعدم قدرة القضاء السوداني على محاكمة الجرائم المرتكبة في اقليم دارفور وولائه للسلطة التنفيذية وعدم مقدرته على محاكمة ما اغترفته من جرائم، واشارت هذه التقارير لولاء القضاء السوداني لآيديولوجية السلطة الحاكمة وانتماء قادته للنظام الحاكم، بعد ان تم ازاحة جميع العناصر المعارضة في اكبر مجزرة يشهدها القضاء السوداني على مر تاريخه، الامر الذي ادى لتفريغ القضاء من الخبرات المؤهلة للعب دور بارز ومقدر في هذه المرحلة الفاصلة، والتي اتضحت معالمها وبانت نتائجها التي ستؤدي بالوطن وتعصف بكينونته. فالله ينصر الدولة العادلة وان كانت كافرة ويهزم الدولة الظالمة وان كانت مسلمة. هذا الموضوع سبق وان تطرقنا له ولا نعتقد ان هنالك ما يحول وتنفيذه فهذا حق وما ضاع حق وراءه مطالب، اضافة لهذا الطلب فهناك مطالب ترتبط به ارتباطاً وثيقاً فلا بد من تحسين العلاقة بين القضاة المفصولين والسلطة عبر منحهم بطاقات القضاة المعاشيين وهي تمثل حقاً ادبياً ومعنوياً يؤكد للقاضي المفصول ان سنين خدمته بالقضائية لها اعتبارها واحترامها وتجعل هنالك آصرة تمتد بينها وبينه. كذلك يجب السماح للقضاة المفصولين التمتع بامتيازات وتسهيلات القضاء استناداً لمساهماتهم في بناء هذه الدار بالاستقطاعات التي تمتد من مرتباتهم آناء سنين خدمتهم وهذا الامر ينطبق على الاتحاد التعاوني حيث انه قد قام على اكتاف هؤلاء عندما كان فكرة وحتى رأى النور، هذه حقوق اساسية وجوهرية وليست منحاً او اكراميات، وانها العطاء لمن يستحق، نرجو صادقين ان يتم تشكيل لجنة تقوم بالجلوس مع القضاة المفصولين واعادة الامور لنصابها وتنفيذ هذه المطالب قفلاً لهذا الملف وعلاجها لهذا الجرح الذي لم يندمل.