القول الشائع «ان العالم أصبح قرية صغيرة بسبب ثورة الاتصال»... وهذا القول في تقديري غير دقيق.. فالعالم كان منذ قديم الزمان قرية صغيرة تناقلت المعرفة عبر الصحارى الشاسعة والمحيطات الواسعة ولكن بوتيرة أبطأ عما نشهده اليوم. فكيف نفسر التشابه ما بين أهرامات حضارة وادي النيل قبل عدة قرون وأهرامات حضارة الإنكا في أمريكا الجنوبية على الرغم من البعد الجغرافي الشاسع بين القارات؟ لقد حاول عالم الآثار السويدي ثور هايدرال إثبات هذه العلاقة بين الحضارتين، عندما صمم في السبعينيات مركبا فرعونيا بنفس مواصفات حقبة الفراعنة، وحاول أن يبحر به من شواطئ مصر عبر الأطلسي قاصداً أمريكا الجنوبية، ليثبت تواصل حضارات الإنكا هناك مع حضارة الفراعنة في وادي النيل. ومن المأثورات الشعبية لدينا في السودان وأيضاً في مصر وبعض الدول العربية، استعمال الكمون لمنع الحسد و«كف العين»... ولا أدري لماذا الكمون دون سواه من التوابل؟ ولكن الذي أدهشني أن الأمريكان يتفقون معنا في هذا الموروث، ومازال كثير منهم حتى اليوم «يعتقد» في الكمون لنفس الغرض الذي نعتقده فيه.. ترى كيف انتقل هذا الموروث الشعبي ما بين قارتين؟ وهناك فيلم أمريكي شهير في السبعينيات يدعى «الرجل الحصان» أو (A MAN CALLED HORSE)، والفيلم من بطولة الممثل البريطاني ريتشارد هاريس، وهو يحكي عن رجل أوروبي وقع في أسر قبائل الهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا. وظن الهنود أن هذا الرجل الأشقر من سلالة الحصين لذلك أطلقوا عليم اسم «الرجل الحصان»، لكنهم أخيراً اقتنعوا بآدميته وزوجوه من إحدى بنات القبيلة. واستعرض الفيلم تراث الهنود الحمر المتعلق بالزواج، والذي أوقفني في هذا الجزء من الفيلم هو دخان العروس لديهم، فالعروس عند الهنود الحمر تقوم بجمع الحطب ذكي الرائحة مع صاحباتها من الغابات والأحراش، ثم تعتكف مع دخانه في خيمتها قرابة الشهر قبل الزواج. والأمر شبيه تماماً بالموروث السوداني وطقوس العرس في السودان. أو لم نقل أن الكون منذ قديم الزمان كان أشبه بالقرية.. وإلا كيف نفسر حكاية الأهرامات والكمون ودخان النساء..؟!