*إختيار ياسر عرمان منزل الشهيد علي عبداللطيف بالموردة لطرح برنامجه كمرشح لرئاسة الجمهورية عاد بي لذكريات عزيزة على نفسي... إذ يعود بي ذلك الحدث السياسي لجولتي في الجنوب بعد ثورة اكتوبر الشعبية عام1964، وقد كلفني بتلك الجولة المناضل الوحدوي عبد الخالق محجوب لطرح خط الحزب الشيوعي وبرنامجه الداعي للحكم الاقليمي لجنوب السودان... ذلك البرنامج الذي توج المعالجات الفكرية والسياسية التي تعامل بها الحزب الشيوعي حيال قضية جنوب السودان... *ويوم وقفت امام ضريح عبيد حاج الامين في واو ذلك الصباح كنت مفعلاً بخطاب المناضل الوحدوي عبدالخالق محجوب في مؤتمر المائدة المستديرة... ذلك الخطاب التأريخي الذي فصل مشروع القوى الوطنية الديموقراطية بصدد ماكان يسمى (بقضية الجنوب)... فقد أرسى ذلك الخطاب القضية على قاعدة متينة من المعالجة (العلمية) لتطور السودان بعد نيل الاستقلال السياسي عام 1956، مؤكدا ً أن الترياق المضاد لدرء كافة المخاطر التي خلفها الاستعمار قنابل زمنية والغام للانحراف بمسيرة السودان يرتكز اساسا ً على قاعدة الديموقراطية السياسية... وتجديد الحياة وفق ماتبتدعه من معالجات اقتصادية واجتماعية تزيل موروثات التخلف الذي جسده واقع الفقر والجهل والمرض الذي زرعه الاستعمار في جسد الوطن السودان... *وكان ولم يزل ذلك النهج العلمي يستوجب استحضار كل ماخطه نضالنا الوطني خلال المراحل التاريخية المتعاقبة... وقد كانت ثورة 1924 صفحة مضيئة في تاريخ النضال الشعبي... في وجه سياسات المستعمر التي سعى لفرضها بقوانين (سلطوية قهرية)... قانون المناطق المقفولة وضريبة الدقنية على مواطني الجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق.. لتقنين سياسة فرق تسد.. *وقد كانت ثورة 1924 تمثل أول اختراق لهذه السياسات... حيث وحدت قياداتها بين من ينتمون لشتى مناطق واقاليم السودان في حركة وطنية معادية للاستعمار باسم السودان وشعب السودان بمختلف انتماءاته القبلية... وهي الحركه التي وضعت الاساس للوحدة القومية لهذا البلد... الاساس لحركة سياسية تقود السودان للتحرر الوطني من ربقه الاستعمار وتوحد كافة عناصره نحو الوحدة القومية.. *وفي ذلك الصباح الرطيب وانا اقف امام قبر المناضل عبيد حاج الأمين في الطرف الشمالي لمدينة واو ظللت اردد عدة مرات ماكُتب في الشاهد: قف دون رايك في الحياة مجاهدا ً .. إن الحياة عقيدة وجهاد ... وقد انطبعت في ذاكرتي الصورة بما تعني في وجداننا الوطني من قيم خالدة هي ذخيرتنا لبناء السودان الموحد ارضا ً والمتحد شعبا ً بحكم التاريخ وآفاق المستقبل.