٭ في عام 1967م كلفني المناضل الوحدوي عبد الخالق محجوب ببرنامج طواف في الجنوب... ملكالجوبا واو... كانت البداية في جوبا... اجتماع بأعضاء الجبهة المعادية للاستعمار بمنزل الزميل محمد عبد المجيد العامل في المجال الصحي... وأسفر الاجتماع عن برنامج مبسط... إعداد لافتات بالعربي والانجليزي تطالب بالأجر المتساوي للعمل المتساوي بين الشمال والجنوب... لم يتعد العدد أربع لافتات في منطقة السوق وحي الملكية... ولكن النتيجة كانت كبيرة، فقد اثارت «العملية» مناقشات حية بين سكان المدينة... والاهتمام في القيادة الجنوبية... وقد كانت المعارك في أوجها في شرق وغرب الاستوائية.. وكانت الأمسيات في منزل الزميل المهندس عمر الشيخ موضوعها دائما أخبار المعارك الدائرة هنا وهناك في مناطق المديرية... ثم الخلود للنوم المبكر والالتزام بأوامر منع التجوال. ٭ استضافني في واو ميز الدكاترة... وقد استقبلني في المطار الزميل الدكتور أحمد نجيب بزيه العسكري، الشيء الذي طمأنني بأنني في أيدٍ أمينة في واو... ولكنني في ظهيرة اليوم الأول... وبعد الأمطار الغزيرة التي تهطل كل يوم بعد الواحدة ظهرا ً دخلت عالم الحرب من أوسع ابوابه... كنت وحيداً بالميز.. وفجأة تحول الصمت الذي كان يلف واو الى صخب هائل... طلقات المنفرد.. ثم المجموعات لعدة دقائق... ثم طلقات مدفعية داوية اهتز لها المكان بشدة... وطوعاً للغريزة وجدت مكاني تحت السرير... وبعد ساعة تقريباً هدأت الأحوال وعاد الصمت... وعدت أسمع محادثة بين اثنين بالقرب من الميز... وعبر النافذة رأيت أربعة جنود يفترشون الأرض خلف مدافعهم... سألت احدهم عن الحكاية فأخبرني بأن مجموعة من «المتمردين» امطرت الجزء الجنوبي الغربي من واو برصاصها، وأن ما سمعته هو رد على ذلك... وأن المهاجمين قد انسحبوا سريعا للغابة المجاورة.. والمدهش انهم سحبوا وراءهم كل اسلحتهم لأنهم كانوا يربطونها بالحبال حتى لا يتركونها وراءهم غنيمة للجيش..!! ٭ وأخيراً عاد الدكاترة... وأخذوني مساء الى قرنتي قاعدة الجيش في بحر الغزال... وكانت الونسة مع اللواء محمد الباقر والمهندس حربي صلاح ابراهيم أحمد وتعليقاته.. وأهمها أن الشيوعيين بدأوا الانفتاح على الآخرين لدهشته !! وصباح اليوم التالي أخذني دكتور أحمد نجيب لزيارة ضريح عبيد حاج الأمين.. وهذا حديث ذو شجون غداً.