لقد بذل الرجل جهداً طيباً من أجل أن يدهش الناس.. كانت أعماله الفنية تتميز بالأصالة والتجديد، وظل قطاع كبير من مواطنيه ينتظرون أعماله بحفاوة حميمة، وزاد عدد معجبيه وصار رقما محسوبا إذا عدَّ الناس أهل الإبداع في وطنه. وحاول أن يستمتع بصيته وشهرته، ولكن زوجته البدينة المميزة بجضومها الضخمة ردته على أعقابه بعبارة محبطة حين قالت له شن فائدة شهرتك وأولادك ما قادرين يدفعوا رسوم المدرسة؟ وبين الحين والآخر كانت بعض الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني تحتفي به وتقيم له حفلات التكريم، فيرتدي جلباب المناسبات ويضع على رأسه عمامته الوحيدة بعد أن يفلح في إخفاء الأجزاء المهترية منها بجدارة تدل على حذقه في تحسين الأمور بالغة السوء ويخرج... وتأمل زوجته البدينة ذات الجضوم الضخمة في أن يعود لهم بهدية قيمة أو مبلغ من المال يسد (فرقة) في ميزانية الأسرة التي هي فارقة منذ أن تزوجت هذا المشهور المفلس.. ويعود الأستاذ في آخر الليل بعد أن أطعم تمرا وفولا وشيئاً من الفشار الذي لا يحبه.. ويعود وقد امتلأت جوانحه بثناء أجوف، فمنهم من قال عنه إنه فلتة زمانه، وآخر وصفه بالعبقري الذي قلَّ أن يجود الزمان بمثله.. وتأتي لحظة التكريم فيتقدم رجل متخم هو في الغالب الرئيس الفخري للنادي ويعلق على كتفه خرقة لامعة سمَّاها أهل الزمن او ربما أزمان غابرة «الوشاح»... وفي حالات أخرى يسلم خرقة بيضاوية الشكل اسمها الشعار لا تخلو من كلمات مسطحة مراهقة مثل «لقد كنتم دائماً تنشرون الفرح وتعطرون حياتنا بالعديل والزين».. مرت كل هذه الصور بخاطره وهو يدلف الى حجرته حيث ترقد زوجته البدينة التي ترفع رأسها قائلة: «أدوك شنو؟!! وشاح؟» فتمصمص شفاهها في غيظ وتشيح بجسمها المترهل نحو الحائط، ويسأل الأستاذ في عشاء؟ وترد باقتضاب في فول ...!! ذات مرة اختلفت عن سابقاتها كانت الشركة الداعية لتكريمه مع آخرين شركة فرضت اسمها (بحرفنة) صاحبها، كانت بطاقة دعوة التكريم فاخرة.. والكلمات التي عليها كتبها مراهق حاذق المفردات... ولكن الأستاذ تجاوز عن ذلك بعد أن قرأ أن التكريم يتم برعاية الوزارة الكبيرة ووزيرها السخي. في تلك الليلة كانت المرأة البدينة متفائلة وواثقة بأنه سيعود بظرف يغير الظرف الأسري على الأقل لمدة يومين. لم يعد الأستاذ بظرف، فقد عاد بكرتونة تحمل بعض المواد التموينية.. مصمصت البدينة فمها الضخم وقالت: «ده تكريم مبدعين ولا إغاثة نازحين»..؟!