انحسر موسم الفيضان وأزهرت الغابة بعد موسم تحملت فيه أشجار «السنط» مياه النيل الأبيض المتمدد في كل المسحات محولاً «غابة السنط» الى مستنقعٍ عريض، وبعد أن تراجع النيل الى مجراه الطبيعي عادت الحياة الى الغابة من جديد، وأصبحت تضج بالحيوية والنشاط، وهذه الأيام تشهد إياب الطيور والعصافير بجانب الزوار من الأسر والأصدقاء والجمعيات والعاشقين، بعد انقطاع دام طوال موسم الفيضان، بجانب همة المزارعين لتخضير الجروف بعد أن تشربت بالطمي. وتمثل «غابة السنط» منتجعاً طبيعياً تجسدت فيه معالم الجمال في مساحة تقدر بحوالي «1500» هكتار على الضفة الشرقية للنيل الأبيض بالقرب من ملتقى النيلين، وتتمدد غابة السنط كأعرق وأكبر محمية طبيعية في ولاية الخرطوم تم ضمها في عام 1939م إلى منظومة المحميات الطبيعية، وهي عبارة عن نطاق تقليدي حيوي طبيعي، وتتكون معظم أشجارها من السنط الذي يتميز بمقاومته العالية لمياه الفيضانات التي تغمر الغابة في الفترة من يوليو وحتى سبتمبر، بالإضافة إلى بعض الأعشاب والحشائش التي تنمو في أجزاء متفرقة في مسحاتها عقب الفيضان، وتعتبر الغابة مأوى للعديد من الطيور المستوطنة والمهاجرة مثل الأوز، طير البقر، خطاف البحر، أبو منجل، البط، النورس البحري ومالك الحزين، التي في معظمها تعتبر طيوراً نادرة، بالإضافة للعديد من العصافير والطيور المستوطنة في مناطق السافنا الفقيرة «إقليم الغابات السنطية»، كما تزخر الغابة بعدد من الزواحف والحشرات والحيوانات البرية الصغيرة التي في مجملها تثري الحياة الطبيعية وتزيدها حيوية في داخلها، كل ذلك جعل من غابة السنط منتجعاً طبيعياً لسكان الخرطوم وزوارها، فهي تشكل حلقة من حلقات التوازن البيئي في المنطقة، وتساعد في تلطيف الجو وامتصاص العديد من الغازات والسموم التي تفرزها العربات ومداخن المصانع في الجو، بجانب أنها تمثل مكاناً مناسباً للرحلات وقضاء أيام العطلات والأعياد، حيث يتميز ذلك الجزء من شاطئ النيل الأبيض بأشجاره الباسقة المتشابكة التي ترسم مع أمواج النيل وشقشقة العصافير لوحة طبيعية تأسر الألباب وتتيح للإنسان فرصة نادرة للانعتاق من ضجيج المدينة وصخبها إلى سكون الطبيعة ونقائها، كل تلك العوامل والمقومات جعلت من غابة السنط إرثاً طبيعياً يمكن توظيفه لأجل خدمة وتنمية السياحة البيئية بالخرطوم. فالغابة أضحت متنفساً للأسر، حيث يتحلقون تحت أشجارها، فزوارها جماهير غفيرة، أسر من أم درمانوالخرطوم وبحري، نساء ورجال وأطفال، وعربات تصطف في المدخل تنتظر دورها في الدخول، وهي تمتلئ عن آخرها، فتحت كل شجرة تجتمع أسرة وأصدقاء وجيران أو جمعية أو رابطة شباب من الحي او الجامعة، أما ضفة النيل فيقف عندها عدد كبير من الزوار، فتجد الأطفال والشباب يتراشقون بالمياه، والبعض الآخر يتأمل جمال الطبيعة وسحرها، وهناك زوار الغابة الدائمون ب «كوانينهم وصيجانهم» يحمرون اللحم بروائحه الشهيَّة التي تختلط بعبق المكان الفريد، وتنشط الغابة في المناسبات العامة مثل رأس السنة وعطلة الاستقلال والأعياد والجمع والعطلات الرسمية.