الدعوة التي وجهها وزير المالية والإقتصاد الوطني السيد علي محمود للمواطنين بالعودة للكسرة والعواسة لم تأتِ من فراغ . وربما جاءت من كون الكسرة هي الأمل الوحيد المتبقي للخروج من المسقبة والجوع . ولنقل الخروج من الأزمة المالية السودانية وهي أزمة خاصة فبينما تخلص العالم كله من الأزمة المالية العالمية التي كادت أن تعصف بإقتصاداته وموارده وإستثماراته وفقدت العديد من الدول والأفراد مدخراتهم بسبب هذه الأزمة الطاحنة ظل السودان بعيداً عن هذه المعمعة أو هكذا خيل لرجال الإقتصاد عندنا والذين حسبونا في مأمن من الأزمة، وبعد أن إنطلق الإقتصاد العالمي نحو التعافي بدأت الأزمة السودانية المتمثلة في ندرة العملات الحرة وإرتفاع قيمة الدولار الأمريكي في الأسواق وإرتفاع التضخم وغلاء السلع الضرورية والإستهلاكية . وملخص كل هذا المشهد هو عدم تمكن وزارة المالية والإقتصاد الوطني حتى اليوم من إعداد الموازنة العامة للدولة والإنتظار والإنشغال بالإستفتاء وتقرير المصير للجنوب وهو المتهم الأول بعدم وجود رؤية إقتصادية تتجاوز الكسرة والعواسة إلى التخطيط والتدبير المالي الذي يشكل المطلب الأول والأخير للشعب وهو يتطلع للخدمات والتنمية والرفاهية ، ونحن على مشارف عام جديد وكان المأمول أن نرى موازنة ذهبية نسبة للذهب و وزير التعدين يتحدث عن مستقبل السودان من هذا المعدن الذي يعتبر أهم من البترول كما أن الشعب السوداني يتطع لميزانية نفطية قوامها النفط لأن البترول في السودان لا يمكن أن يذهب بين عشية وضحاها ويروح شمار في مرقة لأن الجنوب إنفصل مثلا فأين بترول الشمال وكيف يخرج بترول الجنوب من الموازنة العامة كالشعرة من العجين وأين الصادرات غير البترولية وعلى رأسها الثروة الحيوانية التي زاد الطلب عليها في الأسواق العالمية بصورة مذهلة ،والحديث عن اللحوم السودانية وجودتها على كل لسان ، بل إن الذرة التي تصنع منها الكسرة نفسها نحن نقوم بإستيرادها من الخارج وهناك شعوب كثيرة من حولنا تفتح أفواهها للذرة المنتجة في السودان والتي يبشر خريف هذا العام بالإنتاج الوفير منها والتي تتطلب من وزارة المالية تشجيع المزارعين ودعم المنتج والمحافظة على الإنتاجية وبهذا المنطق فإن الكسرة لن تكون هي الغذاء الأرخص حتى لو كانت الأوفر اللهم إلا إذا كان وزير المالية يتحدث عن العودة للجذور ولا يتحدث عن الإقتصاد لأن هجر المستهلك السوداني للكسرة والزحف نحو الرغيف عملية إقتصادية محضة لكون الخبز مهما زاد ثمنه فهو أرخص وأيسر من الكسرة وسهل الإيدام وبقي السودانيون لفترة طويله لا يحبذون الرغيف بذات التحبيذ للكسرة بملاحها الشعبي أم رقيقة كانت أم بامية مفروكة ، أخشى أن أكون جوعت وزير المالية . ولكنني في منتصف التسعينيات ذهبت مع أحد الأصدقاء لقريتهم النائية في شرق السودان وكنت أمني نفسي بغداء من الكسرة إن لم تكن كل الوجبات من الكسرة وكانت المفاجأة أن السفرة التي قدمت لنا لا تختلف عن أية سفرة بالخرطوم وسألت أين الكسرة هل فعلتم ذلك لأننا ضيوف عليكم وكان الرد أن الكسرة لا مكان لها من الإعراب في كل القرى وحل الرغيف محلها ومن الصعب العودة لها من جديد إن لم يكن المستحيل ونحن دولة لا تنتج القمح ولا وجود للقمح حتي في موطنه بروسيا التي أدت التغيرات المناخية فيها لذهاب القمح إلى غير رجعة ( في القريب العاجل ) وليس هناك جهة على إستعداد لبيع القمح أو تصديره لنا لأنه غير موجود والخيار الوحيد أمامنا هو زراعة القمح وبالمناسبة أين مشروع توطين القمح في الولاية الشمالية يا وزير المالية ؟ وإذا لم يكن بالإمكان الحصول على الخبز ولا الكسرة فيمكن لوزير المالية أن ينصحنا بأكل الجاتو على طريقة ماريا انطوانيت .