شهدت مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان في الأيام الماضية خلال الفترة من 13-17/ أكتوبر/2010م الجاري ، فعاليات ملتقى الحوار الجنوبي الجنوبي والذي جمع نخباً سياسية يمثلون الأحزاب الجنوبية حكومة ومعارضة ، بالإضافة إلى أبناء الجنوب الممثلين للأحزاب القومية ( الشمالية ) وقد اجتمع هذا الحشد الكبير المتميز لمناقشة مستقبل جنوب السودان ، وتم تقديم مجموعة من أوراق العمل العلمية وهي: 1- الاستفتاء 2- ترتيبات ما بعد الاستفتاء 3- المصالحات. وتم تقسيم عضوية الملتقى إلى ثلاث لجان حسب الأوراق المقدمة للمناقشة وقد تمت مناقشة هذه القضايا بكل جدية وصراحة وشفافية ، وأكد المؤتمرون على ضرورة إجراء استفتاء الجنوب وأبيي في موعدهما ، وإتاحة الحريات وتمكين المواطن الجنوبي من الاختيار ما بين الوحدة والانفصال بحرية ونزاهة ، وتكوين حكومة إنتقالية قومية تمثل فيها كل الأحزاب برئاسة السيد/ سلفاكير رئيس الحركة الشعبية في حالة الانفصال ، وضرورة لم الشمل الجنوبي وإجراء المصالحات. وتأتي هذه الخطوة الاستباقية من الحركة الشعبية بدعوة جميع الأحزاب السياسية الجنوبية وممثلين من أبناء الجنوب من الأحزاب القومية بالإضافة إلى مشاركة منظمات المجتمع المدني الجنوبية لضمان قيام الاستفتاء في موعده ، لذلك رأت أن هنالك ضرورة قصوى في مشاركة كل القوى السياسية الجنوبية في هذا الحدث التاريخي المهم من تاريخ النضال السياسي لأبناء جنوب السودان ، ورأت أن هذه المرحلة الحرجة تحتاج إلى توحيد الصف الجنوبي ولا تحتمل الانقسام هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تريد الحركة الشعبية أن تثبت وتؤكد للمجتمع الدولي والإقليمي أن قرار الانفصال يعتبر قراراً شعبياً يتحقق بإرادة حرة ونزيهة ، وبشفافية ، وفي جوٍ آمن وديمقراطي لاتاحة حرية التعبير وطرح خياري الوحدة والإنفصال. وتزامن موعد انعقاد الملتقى مع التوترات المتصاعدة بين الشريكين وذلك عبر التصريحات السالبة من القيادتين والحشود العسكرية للجيشين على الحدود وتحديداً في كل من أبيي وونطو (جودة ) بأعالي النيل والنيل الأبيض ، مما أدى إلى نزوح المواطنين من هذه المناطق ، ونتيجة للأوضاع السياسية المتوترة والتحركات العسكرية مع قرب موعد الاستفتاء ولتوقعه حدوث انفلات أمني فقد دفعت كل هذه الأشياء بالسيد/ سلفاكير لتقديم طلب بنشر قوات أممية على الحدود بين الجنوب والشمال وتشكيل حزام أمني دولي وهذا يوضح ما وصل إليه الشريكان من تدهورفي العلاقات بينهما والتي صارت أشبه وصفا بالعداوة، وقد جاء طلبه متسقاً مع تصريحات الرئيس الأمريكي الذي أعلن فيها أن تأجيل الاستفتاء أو عدم قيامه سيؤدي إلى سقوط ملايين من الضحايا وتأكيده أنه سيهتم بالشأن السوداني ويضعه على قمة أعماله. ويرى كثير من المحللين أن هذا الملتقى مسرحية أمريكية تم إعداد سيناريوهاتها في واشنطن في سبتمبر الماضي ، وهي عبارة عن تتويج لما تمخضت عنه اجتماعات الحركة الشعبية مع الطرف الأمريكي والذي يرى أن الإنفصال لا يتأتى إلا باتفاق أبناء الجنوب جميعاً دون اقصاء أحد تحقيقاً لمبدأ إجراء الاستفتاء في بيئة حرة وآمنة ونزيهة والاعتراف بنتائجه. وقد انتقد المؤتمرون الحركة الشعبية وإتهموها بالفساد المالي والإداري والمحسوبية ، واستشراء الانفلات الأمني ، وأن الذين قتلوا بعد توقيع الاتفاقية أكثر من الذين قتلوا في الحرب ، وأن الحركة الشعبية قد مارست أسلوباً قمعياً ودكتاتورياً ضد منافسيها من الاحزاب الاخرى والمستقلين في الانتخابات ، مما أدى إلى رفض الرأي العام الجنوبي لنتائج الانتخابات، والتي دفعت بعض قيادات الحركة الذين ترشحوا كمستقلين لهذه الانتخابات إلى التمرد ، وكذلك اتهمت الاحزاب الحركة الشعبية أنها لم تحقق أية تنمية في الجنوب خلال هذه المدة ، و طالب بعضها بضرورة تحقيق الوحدة مع الشمال نظراً للروابط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتاريخية وكما طالب بعضها بتأجيل الاستفتاء نسبةً لعدم جاهزية المفوضية الآن وطالب بعضها بتشكيل حكومة انتقالية منذ الآن. وقد لعب العقلاء والحكماء من أبناء الجنوب في الملتقى دوراً فاعلاً في تقريب وجهات النظر بين المجموعات المختلفة ، و استطاعوا بفضل جهودهم المضنية من توجيه الملتقى إلى بر الأمان وذلك بالوصول إلى توصياتٍ متوازنة كانت محل رضا الجميع ، واضعين نصب أعينهم المصلحة العليا لجنوب السودان ، مدركين لخطورة ومهددات المرحلة،وهي تمثل مرحلة من مراحل النضج السياسي المطلوب لأبناء الجنوب. ويعتبر تكوين هيئة شورى الأحزاب السياسية الجنوبية نقلة نوعية ، وأنها جاءت والجنوب في أمس الحاجة إليها ، وذلك لكي تساهم في حلحلة المشكلات والتحديات التي تواجه الحركة الشعبية على مستوى الجنوب ، وأن تلعب دوراً فعالاً بالتنسيق مع القوى السياسية الشمالية في تهدئة الأجواء المتوترة بين الشريكين والعمل على تنقيتها. ويمكن القول إن توصيات الملتقى قد نزلت برداً وسلاماً على كل القوى السياسية الجنوبية وخاصة الشريكين ، فقد استطاعت الحركة الشعبية أن تكسب إجماع القوى السياسية الجنوبية بالمشاركة في مراحل الاستفتاء ، وتكوين جسم جديد (هيئة الأحزاب) لمساعدتها في معالجة القضايا الكبرى ، في مقابل ذلك تمكن المؤتمر الوطني عن طريق ممثليه في الملتقى إعتماد مبدأ حرية التعبير والتعبئة السياسية في الاستفتاء وإجراء استفتاء حرُُ ونزيه ونختتم هذا الموضوع بالنقاط التالية: 1- إن ملتقى الحوار الجنوبي الجنوبي قد تمكن من توحيد الصف الجنوبي بمختلف إتجاهاتهم السياسية والفكرية والتنظيمية ، لكي يعملوا يداً واحدة من أجل تحقيق أهدافهم وغاياتهم ، واضعين مصلحة شعب جنوب السودان أولاً وأخيراً وهذا يعتبر قمة نجاح المؤتمر. 2- إن تكوين هيئة شورى الأحزاب الجنوبية تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح في بسط الشورى والمشاركة في اتخاذ القرارات ، ويتوقع لهذه الهيئة أن تلعب دوراً مهماً في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي في الجنوب ، وتساهم في تهدئة وتنقية الأجواء المتدهورة بين الشريكين. 3- إن إتفاق أبناء الجنوب يدحض القول السائد لدى بعض المثقفين من أبناء الشمال ، والذين في قلوبهم مرض والذين يدعّون معرفتهم بالجنوبيين ، أن الجنوبيين لا يمكن أن يتفقوا لأسباب تفشي التعصب القبلي والمحاباة الزائدة ، وكأن الذين يقولون ذلك هم ملائكة متناسين أسباب كثرة الإنشقاقات في داخل مؤسساتهم الحزبية و متناسين أسباب الفتنة في دارفور والشرق وجبال النوبة والنيل الأزرق. 4- على القوى السياسية الشمالية مباركة مقررات هذا الملتقى وفتح آفاق التعاون لإيجاد أرضية مشتركة لضمان التعايش الاجتماعي وربط العلاقات الاقتصادية ومد جذور التواصل الثقافي بين الجنوب والشمال. وفي الختام نسجل صوت شكرنا وتقديرنا للحركة الشعبية على إستضافتها ورعايتها لهذا الملتقى ، ونشيد بدور كل القوى السياسية الجنوبية ومنظمات المجتمع المدني التي شاركت في إنجاح هذا الملتقى بفاعلية ووصولها إلى توصياتٍ مهمة ومتوازنة. والله ولي التوفيق.