٭ قبل يومين سيّر حزب التحرير موكبا جماهيريا طاف مناطق الخرطوم والخرطوم بحري وام درمان، وسبقه لقاء حاشد ومخاطبة جماهيرية بميدان المولد بالخرطوم لمنع «جريمة فصل جنوب السودان» طبقا لمفهوم ورؤية الحز ب. وقبل شهر رمضان الماضي شهد ذات الميدان تنفيذ الحزب لعملية اعتصام شاركت فيه عضوية ومنسوبو حزب التحرير في كافة انحاء السودان. ٭ حسنا.. فالنشاط والحراك الذي يقوم به الحزب في السودان يعد مفارقة كبرى نظرا لما يعانيه حزب التحرير من تضييق وخنق لنشاطه وملاحقة أمنية لقادته في أغلب دول العالم الإسلامي حتي في دولة المؤسس له «علي النبهاني» في الأردن ..!!حيث يلاحق ويطارد مسؤول التنظيم العالمي في الاردن «الامير» عطا ابو الرشد الذي يعمل ويدير حركة الحزب تحت الارض وفي الخفاء، ومحل إقامته غير محدد أو معلن لظروف ودواع أمنية، وذلك لحماية وتأمين حياة «الأمير». ٭ بينما نجد أن نشاط الحزب محظور في مصر وسوريا وتركيا وفلسطين حيث تعتقل غالبية قيادته ورموزه إلا في دول محدودة من بينها السودان وباكستان.. وربما يكون حظر ومنع نشاط الحزب يعود ال« ما يتردد ويحوم حول حزب التحرير من اتهامات وشبهات، فتارة يوصف الحزب بأنه حزب انقلابي، وتارة أخرى بأنه كيان تكفيري وارهابي ودموي.. إلا انه من الواضح والمعلوم ان الحزب يعمل ليل نهار لاستعادة أمجاد الخلافة الراشدة ولا شيء غيرها. ٭ وعودا على بدء فإن حزب التحرير في السودان وحتى فترة قريبة لم يكن يمارس نشاطه ودعوته بهذه الكثافة والحرية والحضور الطاغي بهذه الصورة في الساحة السياسية السودانية، ففي مرحلة سابقة لم يكن الحزب معترفا به من قبل السلطات، والي وقت قريب كان قادته أمثال الشيخ حسن بشير ومحمد يوسف وعلي سعيد وابراهيم أبو خليل نزلاء وضيوفا في زنازين الحكومة، بل تم الحكم بالاعدام على قائده «أبو يوسف» ولكن خفّف الحكم بالسجن المؤبد..!! وكان النشاط يمارس حينها بصورة سرية غير معلنة، ولا يظهر للحزب غير لافتة سوداء كتب عليها «لا إله إلا الله» على باب داره بالخرطوم شرق، وبيانات مطبوعة على جانبي الورقة بتوقيع وختم الناطق الرسمي ابراهيم عثمان ابو خليل يتم توزيعها عبر سيارة التاكسي على وسائل الاعلام. ومع ان الحزب يصنّف على أساس انه يقف في مربع وخانة المعارضة، إلا ان ادبياته ومنشوراته تشير الى أنه «لا حكومة ولا معارضة» أي خاطف لونين. ويرى الحزب أن الحكومة والمعارضة وجهان لعملة واحدة !! غير أن له رؤى معلنة وبلغة حادة حول كثير من قضايا الساحة السياسية، يأتي على رأس ذلك تحفظه على اتفاقية جبال النوبة 2002م وما تبعها من دخول قوات أجنبية في تلك المنطقة، ثم وقوفه ضد اتفاق نيفاشا للسلام الشامل 2005م، ورفضه كذلك للاستفتاء وفصل الجنوب عن شمال السودان، وانتقاداته لما يجري ويدور في إقليم دارفور.. ويعتبر الحزب أن تقسيم السلطة والثروة وكأنها ملك للمعارضين والحاكمين أمر غير سليم، باعتبار أن السلطة ليست مغنما «إنما مسؤولية لخدمة الامة» وان الثروة والمال العام «ملك للامة».. كما ان الحاكم أو الوالي يجب انتخابه من قبل الامة ليحكمها بالكتاب والسنة، وتتم محاسبته من قبل الشعب الذي وافق على اختياره. ٭ والشاهد أن حزب التحرير ومنذ سنوات بدأ قيادة وإدارة نشاط ملحوظ طغى عليه طابع الامتداد الخارجي، عبر عقد مؤتمرات عالمية وملتقيات دولية شارك فيها وحضرها ضيوف من خارج البلاد، مثل مؤتمر الخلافة الراشدة الذي عقد بقاعة الصداقة بالخرطوم في عام 2003م، والمؤتمر العالمي للاقتصاد في يناير 2009م، وذلك بأرض المعارض ببري، كما شارك قادة الحزب بالسودان في مؤتمرات عالمية مماثلة كالمؤتمر العالمي الذي عقد في استاد جاكرتا باندونسيا في عام 2007م، وذلك بحضور الآلاف من عضوية الحزب بمختلف دول العالم. وكان آخر الأنشطة العالمية مؤتمر بيروت منتصف العام الجاري، حيث تمت دعوة عدد من قادة القوى السياسية بالبلاد من بينهم حزب المؤتمر الشعبي والأمة القومي والاتحادي الديمقراطي والحركة الاسلامية وبعض الجنوبيين. ٭ وعلى ذكر الجنوبيين فإن الحزب، وحسب ما يقوله لي ابراهيم عثمان ابو خليل الناطق الرسمي باسم الحزب ولاية السودان يعتبر ان الجنوب هي أرض «إسلام» لا يمكن بأية حال التنازل عنها او التفريط فيها لاية جهة. ويفسّر ابو خليل وطبقا لرؤيته مصطلح «الارض» في الفقه الاسلامي ويقول هي «أرض فتحها المسلمون او حكموها ولو لساعة» وتصبح أرضاً «خراجية» تابعة للمسلمين لا يجوز التنازل عنها لاحد او لجهة ما... وتكون «رقبتها» ملكاً لبيت مال المسلمين إذا كان هناك بيت مال، وتبقي منفعتها لأهلها «كفارا» كانوا او «مسلمين»، وكذا الامر بالنسبة للجنوب من «الرنك» وحتى «نمولي» فتحها العثمانيون الاتراك في عهد محمد علي باشا، ثم حررها الامام المهدي، وحكمت بعد الاستقلال من قبل أبناء المسلمين، ولذلك فإنها «أرض إسلامية» يعد التنازل عنها «جريمة» باعتبارها ملكاً لكل المسلمين في العالم. ويعود أبو خليل ويشدّد على ضرورة توضيح الفروقات وعدم الخلط بين ما اصطلح على تسميته «دار الإسلام» و «أرض الإسلام» ويقول لا توجد في كل العالم الآن دار للاسلام. ويعرف دار الاسلام بأنها كل منطقة يحكم فيها بالاسلام ويكون «أمانها بامان المسلمين». ويضيف بالقول ان الشرط الاول والاساس وهو الحكم بالاسلام، أضحى غير موجود في كل العالم، وقد يكون الشرط الثاني «أمانها بأمان المسلمين» به «مشكلة»، ويضرب مثلا بالسودان ويقول إن فيه قوات أجنبية من دول غربية كافرة، وهذا يؤدي الى ان «أمان» السودان ليس كله ب «أمان» المسلمين، إنما هناك قوات «كافرة» موجودة في أرض السودان. ويمضي أبو خليل الى أكثر من ذلك حينما ينعت في حديثه معي نظام الحكم في البلاد بأنه لا يحكم بالشرع الاسلامي، إنما هو نظام رأسمالي ديمقراطي لا علاقة له بالشريعة. ويقول إن تطبيق بعض الاحكام الشرعية لا يعطي النظام صبغة إسلامية..!! ٭ ربما.. لكن بعد كل هذا فإن حزب التحرير ولاية السودان حجز لنفسه مقعدا مريحا في الساحة، لدرجة تنظيم المسيرات والمواكب.. وفي وقت يحظر نشاطه خارج البلاد... ألا تتفقون معي في أن الحزب سيكون «دقة» أو «موضة» جديدة في عالم السياسة..؟!