منذ استقلال السودان في عام 1956 وان وحدة السودان تعيش في حالة من القدسية والاجلال لكونها أحد أهم مرتكزات الأمن القومي السوداني وما كان لأحد طيلة فترات الحكم السابقة سواء كانت مدنية أو عسكرية مهما طالت قامته أو قصرت يجرؤ على ان يمس أو يحاول مس وحدة السودان بأي سوء حتى لو كان لفظياً. 2- قدسية الوحدة في الحاضر بعد ان اطلت على الساحة السياسية السودانية نيفاشا - بقدرة قادر من اهل الخارج - وبكل ما تحمل هذه الاتفاقية في احشائها من الخبث الاستخباري ورهن الوحدة بتقرير المصير لابناء الجنوب، هانت الوحدة وأهينت بفعل الابتزاز السياسي ووصلت الاهانة بها إلى حد التعامل بها بين الشريكين مرحلة «المهر» الذ يقدمه من لا يملك لمن لا يستحق من البشر في هذا الزمان. 3- خذلان النخبة للوحدة من المؤسف حقاً بان ظهرت في السطح السياسي المعاصر ثلة من ابناء هذا الوطن شماله وجنوبه بكل ما لديهم من قدرات ومؤهلات علمية واكاديمية وسياسية وعسكرية، كان حصادها من اموال الشعب السوداني وبعضهم كان في يوم ما على القسم لحماية تراب هذا الوطن والبعض الآخر كان يرفع علم السودان ويدافع عنه في المحافل الدولية - واليوم - نجدهم على منابر مراكز الابحاث المتعددة يتحدثون عن انفصال الجنوب قبل اجراء الاستفتاء - كأمر واقع - ويعلمون بان ما يذهبون إليه في أحاديثهم ضد توجهات الدولة. 4- الوحدة في رأي منبر السلام العادل أخذ بعض هؤلاء المتحدثين ينادون بما ينادي به ابناء قبيلة منبر السلام العادل. المروج الوحيد - وشبه الرسمي - لفكرة انفصال الجنوب والمسكوت عنه من قبل حكومة الوحدة الوطنية والسماح به عبر صحيفة الانتباهة للترويج بهذه الافكار الضارة بالوحدة وبالأمن القومى السوداني بحسبان ان الوحدة هي أهم مرتكز للأمن القومي السوداني. 5- لعنة البترول وتوطين النوايا الاستخبارية ولدعاة الانفصال من هنا وهنالك نقول ونفصح في القول بان منذ ان أطلت علينا نيفاشا التي أوقفت الحرب ولم تحقق السلام المنشود ونحن عبر تفاعلات وانفعالات الحس الأمني كنا نستشعر بأن هناك مياهاً آسنة الرائحة - تجري من تحت جسر الاوضاع السياسية في البلاد، وبدأ هذا الاحساس يتعاظم حقيقة عندما لمحت الادارة الامريكية بصورة أو بأخرى لهذا النظام الحاكم باستخراج البترول والاستفادة من عائداته وحرمت كلاً من الرئيس نميري والسيد الصادق المهدي من الاستفادة من هذه العائدات وهذه الخطوة من الادارة الامريكية هي نقطة البداية لتوطين النوايا الاستخبارية - غير الحميدة المآلات - مستهدفة بهذه الخطوة النظام الحاكم في البداية والنهاية وان هذا الاستهداف من المحتمل وليس من المؤكد بانه - سيطال السودان بأية صورة من صور - المخاطر التي ربما تكون خطيرة وربما تكون غير ذلك. وحججنا على ما نحن بصدده الآتي: 1- ما كان لهذا النظام ان يستمر في الحكم من دون توفر موارد مالية كافية - (البترول). 2- ما كان لمشكلة الجنوب ان تحل من دون توفر موارد مالية. 3- ما كان للعنة البترول ان تترجم على ارض الواقع كفساد مالي - يعم - الشمال والجنوب من دون توفر موارد مالية. 4- ما كان لأزمة دارفور والشرق ان يطلا برأسهما على الساحة السياسية كغيره من مسألة الجنوب بدون توفر موارد مالية. 5- ما كان لتواجد قوات أممية وافريقية في السودان لولا مسألة الجنوب وازمة دارفور. 6- ما كان - للمحكمة الجنائية الدولية بان تتدخل في شؤوننا الداخلية لولا - أزمة دارفور ومآلاتها الانسانية والسياسية والامنية. 7- ما كان لاتفاقية نيفاشا بكل ما بها من مآخذ أمنية واستخبارية ان تنعقد - لولا توفر موارد البترول - لتحريك الاحداث في الاتجاهات المطلوبة منها. 8- ما كان - لوحدة السودان ان تهدد - بهذه الصورة التي عليها اليوم لولا اغراءات الاستحواذ على كل موارد البترول في الجنوب من قبل ابناء الجنوب - «النخبة». 9- ما كان يمكن - لمسألة أبيي التي تكاد ان تنسف الأخضر واليابس - في الساحة السياسية لولا توفر البترول في تلك المنطقة. 10- ما كان - للزراعة والمشاريع الزراعية في البلاد بأن تهمل بهذه الصورة وتنهار لولا - توفر موارد البترول الوفيرة الوفيرة - (والبديلة). 11- ما كان - للعاصمة القومية بأن (تتريف هكذا) - وهي تعتبر رأس الرمح للأمن القومي السوداني «وان الانظمة تسقط من العواصم» - لولا - اهمال وضعف عائدات الزراعة والاعتماد على - موارد البترول. هذه صورة من صور - لعنة البترول - على الاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية على البلاد - والامر الذي يقلق كل مواطن حادب على أمن واستقرار هذا الوطن في هذه الأيام - هو مآلات نيفاشا. ان نيفاشا التي كانت في البدايات تحمل رايات الامن والاستقرار والسلام في هذا البلد و كل مؤشرات النهايات باجماع الخبراء في شتى المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والاستراتيجية تشير بان الاتفاقية وضعت البلاد في حالة أخطر بكثير مما كان الحال عليه حال التهديد والمخاطر في البداية من حرب محدودة وحولته إلى انهيار وتفكك في النهاية، بمعنى ان الاتفاقية التي كان المرجو منها بان تحقق الامن والسلام والاستقرار في السودان أضحت كل المؤشرات اليوم تشير بانها احتلت مكانة المهدد الرئيسي للأمن القومي السوداني. وبدخول اسرائيل السافر في الملعب السياسي الجنوبي نكون قد وصلنا وتوصلنا إلى أخطر حلقة من حلقات التآمر وسوء النوايا الاستخبارية التي حوتها اتفاقية نيفاشا عن طريق الخداع. 12- قيادات الحركة وتحقيق أهداف ومخططات اسرائيل في السودان ان المشهد السياسي اليوم فيه الكثير من التناقضات والضبابية والتعتيم وليس هذا هو مصدر القلق الرئيسي لنا ولأي حادب على هذا الوطن وان مصدر القلق الرئيسي هو ظهور اسرائيل في المسرح - بالواضح - وانسياق بعض قادة الحركة وراء ما تهدف إليه اسرائيل في السودان. وهو معلوم لدى العالم أجمع وقد تأكد هذا الانسياق من خلال تصريح النائب الاول لرئيس الجمهورية - شخصياً - حيث أوضح فيه بأنه عند انفصال الجنوب سيعترف بدولة اسرائيل وأفاد في نفس التصريح بأن اسرائيل عدوة لفلسطين وليست عدوة للجنوب، وقد تزامن هذا التصريح مع وصول وفد البرلمانيين العرب إلى جوبا والذي نفهمه بأن النائب الاول قصد بهذا التصريح ارسال رسالة للعرب عبر هذا الوفد ولكن الذي لا يمكن ان يفهم ان يتلاقح هذا التصريح مع تصريحات كل من وزير الداخلية الاسرائيلي ووزير الاستخبارات العسكرية الذي اوضحا فيه صراحة الاهداف الاستراتيجية في السودان وهي الاضعاف والتفكيك لكي لا يصبح السودان عبر استغلال موارده الضخمة قوة تضاف إلى قوة العالم العربي والاسلامي. أليست مثل هذه المواقف غير الودية من النائب الاول وفي هذا الظرف بالذات تعد خروجاً عن روح اتفاقية نيفاشا. ناهيك عن الاستفزاز لمشاعر الكثيرين الذي انضوى عليه هذا التصريح غير الموفق التوقيت. وعلى العموم لهؤلاء القادة من الاخوة أبناء الجنوب نقول لهم لكم شأنكم فيما تقولون وما تفعلون وما تنوون فعله فمن كان منكم يعيد د. قرنق فان الله اصطفاه واختاره إلى جواره ومن كان يعيد النائب الاول فان النائب الأول حي. ولكن يسعي إلى التمكين ومن كان يعيد السودان الموحد فان السودان الموحد حي وباقي ولن ولم يمت اطلاقاً. وان السودان مهما تكالبت عليه المحن والمصائب ملئ بالرجال من الجانبين وغير الجانبين وفي لحظات تاريخية معينة، تحمل المسؤوليات التاريخية وعظمة ثقلها فان السودان يحتاج إلى رطل واحد فقط ومن دون تحديد الهوية!!! اللهم اني قد بلغت - اللهم فاشهد!!! عيوب الاستفتاء المتوقعة 1- بداية نحب أن نؤكد بأن الحركة الشعبية بقواتها واستخباراتها مسيطرة سيطرة كاملة على - الاوضاع في الجنوب. 2- وان النخبة من قبيلة الدينكا مسيطرة على القرار والمال في الجنوب. 3- ان قضية القبائل متحفزة ولدتها طموحاتها - وميلشياتها. 4- هنالك عدد من اليوغنديين والكينيين والصوماليين والاثيوبيين الأنواك. أبناء قبيلة الأشولي من جيش الرب، المتواجد في الجنوب هؤلاء يمكن أن يشاركوا في الاستفتاء. 5- المجموع من أبناء الجنوب - الشباب الذي هجرت إلى اوروبا وامريكا في وقت سابق عادوا إلى الجنوب وهم الذين يقودون عجلة الكراهية ضد الشمال - بتوجهات خارجية وعناصر في الحركة من الداخل. 6- أبناء الجنوب في الشمال الذين ينوون ترحيلهم إلى الجنوب يتعرضون إلى ضغوط ما - بالاضافة إلى - انهم سيواجهون بظروف كارثية عند وصولهم إلى الجنوب. بلا مأوى وبلا سكن وبلا علاج وبلا طعام وبلا مدارس وبلا أموال وبلا عمل وبلا جامعات. وأخشى عليهم من هذه المصاعب وأخشى ان يصير حالهم كحال أبناء تيمور الشرقية عندما انفصلت برغبة النخبة وواجهوا الواقع بعد الانفصال فبدأ القتال وتدخلت القوات الأممية واستراليا وعاد اغلب التيموريين البسطاء إلى الدولة الأم. وتندلت عقود البترول وهربت الاستثمارات ولم توف الدول الاوروبية بوعودها المالية نسبة لحالة الفوضى التي تعيشها تيمور الشرقية وتحاول اليوم بشتى السبل العودة إلى الوحدة مع اندونيسيا، ولكن دون جدوى. هكذا فعلت النخبة بابنائهم تيمور الشرقية وشعب تيمور الشرقية وحال تيمور الشرقية أفضل بكثير من حال الجنوب - لأن - هولندا والبرتغال رفعا كثيراً من احوال تيمور الصحية والتعليمية والحضارية فهل النخبة من أبناء الجنوب على علم بالمآسي التي قادت إليها نخبة تيمور وبوطنها وشعبها المحتمل اليوم بالقوات الاسترالية والأممية والذي تريد ان يفهم بان الناس بمختلف مستوياتهم على الالمام التام باجواء الجنوب صغيرها وكبيرها وايضاً بالظروف والمناخ الذي يستجري فيه الاستفتاء لشعب الجنوب من دون تأثير النخبة على المواطن ومن دون محاولات اشراك الاجانب الافارقة المتواجدين بكثرة في الجنوب في عمليات الاستفتاء وابعاد الجنوب والسودان من مخططات اسرائيل وغير اسرائيل. وان يضع الجميع خاصة النخبة تجربة تيمور الشرقية نصب الأعين اذا ذهب التفكير إلى انفصال الجنوب الذي لا تجد فيه مصلحة للجنوب ولا الشمال والغرب وامريكا ولا دول الجوار ولا مصر كما نود ان نشير بكل وضوح وننبه امريكا والغرب واسرائيل وغيرهم بأن البديل للوحدة في ظل الظروف الحالية والمتوقعة في حالة انفصال الجنوب، سيكون تنظيم القاعدة في السودان وكل متطلبات استقبال تنظيم القاعدة في السودان متوفرة وان امريكا واوربا والتي تعلق على امنها وتضطرب احوالها الامنية لمجرد ارسال تنظيم القاعدة إلى طرد إلى أحد الولاياتالامريكية عبر احدى المطارات العربية وبطائرات قادمة من اليمن كيف سيكون حالها اذا حل تنظيم القاعدة في بلد كالسودان وجواره الصومال واليمن والقرن الافريقي وشمال افريقيا.. أين العقل والحكمة الامريكية في محاولة العبث بزمن واستقرار السودان حتى لو كان هذا العبث من جانب اسرائيل ما هي المصلحة الحقيقية في مثل هذه التصرفات ذات المردودات الخطيرة. وهنا في وقت سابق طرقنا رؤية في شكل «صفقة» لضمان الوحدة المنشودة وأكدنا بأنها لن تكون كسابقتها بل وحدة على أسس جديدة وكانت منطلقاتنا من الفهم المتقدم لمتطلبات الامن القومي لاطراف اربعة هي الولاياتالمتحدة ومصر والسودان والجنوب الذي يستند على تحقيق المصالح لكل الاطراف المعنية بالصفقة. وقد اتبعنا في التحليل المنهج الاستخباري الاستراتيجي لأننا بصدد معالجة «قضية مجموعة» غير وساطة اطراف خارجية لها مصالح في القضية ولها قدرات استخبارية تمكنها من الدس والخداع الاستخباري ما يوصلها في النهاية إلى تحقيق اغراضها أو مصالحها أو مخططاتها عبر هذه الأساليب. ومن المتابعة لاتفاقية نيفاشا وبروتوكولاتها الستة نجد بها قدر كبير من المصاعب التي تتطلب الملاواة بين الشريكين عند التنفيذ وقد تصل هذه الملاواة إلى حد الصدام والاحتكاك - لماذا - لأن المنهج الذي اتبع في نيفاشا من قبل الشريكين منهج سياسي وليس المنهج الاستخباري الاستراتيجي بمعنى ان هنالك فرقاً بين المنهج السياسي الذي يبنى على المساومة والتوافق والتراضي وبين المنهج الاستخباري الاستراتيجي الذي يبنى على الشك ولهذا من البداية لابد من «ضمانة اليقين» وهذا لن يتأتى إلا بضمان الهدف من القضية وهو هنا يكمن في ضمان الوحدة بتأكيد كل الاطراف المشاركة أي اطراف الاتفاقية وبهذا المنهج نطمن لعدم الخداع وعدم الاستدراج الاستخباري وفي هذه الحالة خلاف ضمان الوحدة عند هذا المنهج وضمان الآخرين تعتبر في هذه الحالة مؤامرة أو خداع يستوجب اعادة النظر في الاتفاقية حتى لو أدى الامر إلى الغائها أو تجميدها لأن الخطورة ستكون جسيمة. وفيما يبدو ان السودان ليس هذه الايام - الحالة التي نحن بصددها - خداع أو تآمر استخباري وهنا لأننا اتبعنا النهج الخطأ. وفي النهاية نختم برسالة للذين مازالوا على قناعة من الجانبين الشمالي والجنوبي بأن الانفصال اذا حدث سيكون سلساً وسيكون اخوياً وربما تعود الوحدة بعد تجربة الانفصال. لهؤلاء نقول بأن الانفصال كارثة عظيمة الابعاد الامنية وانصح هؤلاء الاخوة والزملاء بان لا يناموا بدون اغطية كافية لكل الجسم، لكي لا يحلموا بمثل هذه الاحلام التي تدغدغ مشاعر الوحدة الوطنية وتهدد في نفس الوقت الامن القومي السوداني وبالرغم كل الذي ذكر توقعوا المفاجآت وأحسبها سارة. والله الموفق