أورد الإمام الغزالي في الجزء الأول من كتابه إحياء علوم الدين هذه الأفكار المفيدة عن الحج والوقوف بعرفة على طريقته الموسومة بالخصوصية والحلاوة فتعالوا نقرأها معناً ونحن نستلهم المناسبة الكبيرة. قال الله عز وجل: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)، وقال قتادة: لما أمر الله عز وجل ابراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا وعلى كل عبد مصطفى أن يؤذن في الناس بالحج نادى: يأيها الناس إن الله عز وجل بنى بيتاً فحجوه، وقال تعالى: (ليشهدوا منافع لهم) قيل التجارة في الموسم والأجر في الآخرة. ولما سمع بعض السلف هذا قال: (غفر الله لهم ورب الكعبة) وقيل في تفسير قوله عز وجل: (لأقعدن لهم سراطك المستقيم) أي طريق مكة يقعد الشيطان عليها ليمنع الناس منها، وقال صلى الله عليه وسلم: «من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: «ما رؤي الشيطان في يوم أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة» وما ذلك إلا لما يرى من نزول الرحمة وتجاوز الله سبحانه عن الذنوب العظام، إذ يقال: (إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة) قد أسنده جعفر بن محمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر بعض المكاشفين من المقربين أن إبليس لعنة الله عليه ظهر لهم في صورة شخص بعرفة فإذا هو ناحل الجسم مصفر اللون باكي العين مقصوف الظهر فقال له: (ما الذي أبكى عينك؟ قال: خروج الحاج إليه بلا تجارة، أقول قد قصدوه أخاف أن لا يخيبهم فيحزنني ذلك قال: فما الذي أنحل جسمك؛ قال: صهيل الخيل في سبيل الله عز وجل ولو كانت في سبيلي كان أحب إليّ، قال: فما الذي غير لونك؟ قال: تعاون الجماعة على الطاعة ولو تعاونوا على المعصية كان أحب إليّ قال: فما الذي قصف ظهرك؟ قال: قول العبد أسألك حسن الخاتمة، أقول: يا ويلتي متى يعجب هذا بعمله أخاف أن يكون قد فطن؟ وقال صلى الله عليه وسلم: « من خرج من بيته حاجاً أو معتمراً فمات أجرى له أجر الحاج المعتمر إلى يوم القيامة، ومن مات في أحد الحرمين لم يعرض ولم يحاسب وقيل له أدخل الجنة» وقال صلى الله عليه وسلم: «حجة مبرورة خير من الدنيا وما فيها وحجة مبرورة ليس لها جزاء إلا الجنة» وقال صلى الله عليه وسلم: «الحجاج والعمار وفد الله عز وجل وزواره إن سألوه أعطاهم، وإن استغفروه غفر لهم، وإن دعوا أستجيب لهم، وإن شفعوا شفعوا» وفي حديث مسند من طريق أهل البيت عليهم السلام: «أعظم الناس ذنباً من وقف بعرفه فظن أن الله تعالى لم يغفر له» ، وروى إبن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ينزل على هذا البيت في كل يوم مائة وعشرون رحمة ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين» ، وفي الخبر: «استكثروا من الطواف بالبيت فإنه من أجل شئ تجدونه في صحفكم يوم القيامة وأغبط عمل تجدونه» ولهذا يستحب الطواف إبتداءً من غير حج ولا عمرة وفي الخبر: «من طاف أسبوعاً حافياً حاسراً كان له عتق رقبة، ومن طاف اسبوعاً في المطر غفر له ما سلف من ذنبه» ، ويقال: إن الله عز وجل إذا غفر لعبد ذنباً في الموقف غفره لكل من أصابه في ذلك الموقف. وقال بعض السلف: إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة وهو أفضل يوم في الدنيا، وفي حج رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع وكان واقفاً إذ نزل قوله عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ، قال أهل الكتاب: لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناها يوم عيد، فقال عمر رضي الله عنه: أشهد لقد نزلت هذه الآية في يوم عيدين اثنين؛ يوم عرفة ويوم جمعة على رسول لله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة. وقال صلى الله عليه وسلم:» اللهم أغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج» ، ويروى أن علي بن موفق حج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حججاً قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي يا ابن موفق حججت عني؟ قلت: نعم، قال: ولبيت عني؟ قلت: نعم. قال: أكافئك بها يوم القيامة آخذ بيدك في الموقف فأدخلك الجنة والخلائق في كرب الحساب. وقال مجاهد وغيره من العلماء إن الحجاج إذا قدموا مكة تلقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل وصافحوا ركبان الحمر واعتنقوا المشاة اعتناقاً. وقال الحسن: من مات عقيب رمضان، أو عقيب غزو، أو عقيب حج مات شهيداً. وقال عمر رضي الله عنه: الحاج مغفور له ولمن يستغفر له في شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرين من ربيع الأول.