أورد أصحاب السُنن في حديث صححه الترمذي «الا تبع ما ليس عندك» كما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم «بيع الدين بدين» وعن بيع «الكالي بالكالي» أي الدين بدين في حديث صحيح. ففي عبارة وجيزة بليغة اللفظ كثيفة المعنى أوجز الرسول صلى الله عليه وسلم بنفس البلاغة ينهي عن بيع العينة. وهذه المُنهيات الثلاثة وغيرها ممن حرم الدين هى تلخيص في غاية الدقة للأزمة العالمية. فبيع الدين بالدين تارة يسمونه توريق وتارة استبدال الدين، والعينة يُصطلح بها في السودان بالكسر، وبيع ما ليس عندك البيع على الهامش يؤدي الى التعسر. وهذه المشكلة يُعاني منها العالم وليس السودان استثناءً. وتطالعنا المجلة الامريكية نيوزويك بعنوان بارز «كيف تسقط القوى العظمى»، الديون المفرطة والنمو البطيء والانفاق الكبير تؤدي الى انهيار الامبراطوريات، وقد تكون امريكا هى الضحية التالية. وها هو البنك الاحتياطي الامريكي مهدد بفقدان استقلاله. ويجتمع قادة العالم السياسيون والماليون والاقتصاديون للتفكير في إنقاذ الموقف، فيزدادون بأساً وقنوطاً. والاسبوع الماضي انفض سامر القوم في دافوس، ويزداد الغضب في دول الغرب الغنية، مما ادى الى المزيد من القوانين التنظيمية وإعادة النظر في التجارة الحرة، فالرئيس الامريكي وضع خطة جديدة للقطاع المصرفي، وبريطانيا حدت من أجور المصرفيين، والرئيس الفرنسي صرح الاسبوع الماضي بأن من الواجب أن يتجه العالم الى حقبة يتحول التركيز فيها من المؤسسات العالمية الى المواطنين العالميين وها هم يتخبطون تماماً. ولذا حرمت كل الشرائع السماوية الربا، وحتى المذاهب الوضعية حرمت الربا كما جاء في كتاب الاقتصاد السياسي لآدم سميث، وكما تحدث عنها كارل ماركس في نظرية فائض القيمة، ووصفها بأنها استغلال الغني للعامل الفقير في حساب قيمة العمل. فقد عرف ماركس فائض القيمة بأنها القيم المنتجة بواسطة العمل البشري والتي تنقسم بين الرأسماليين الذين يحصلون على جزء من تلك القيمة، وذلك في صور ثلاث هى أرباح على مشاريعهم الانتاجية والخدمية، أو فوائد على ودائعهم وقروضهم البنكية، أو ريع على عقاراتهم، وبين العمال الذين يحصلون على أقل من قيمة ما أنتجوه فعلياً من قيم في صورة أجور. أى الزيادة التي تطرأ على رأس المال بالنسبة لما كان عليه قبل التبادل. والحكمة في مشروعية البيع وتحريم الربا هى بلوغ الانسان حاجته مما في يد أخيه بغير حرج ولا مضرة. فتعريف النقود في الفقه الإسلامي أنها وسيلة للتبادل وليس سلعة تباع وتشترى، وهنا اقترح بعض الفقهاء إدخال الدينار الذهبي كعملة قابلة للسداد بدلاً من الدولار الذي فقد مصداقيته منذ عام 3791م على يد الرئيس نيكسون عندما تضاعف الصرف على حرب فيتنام، وعودة الاقتصاد الاوروبي للمنافسة الدولية. وتراجع التجارة الامريكية. ومن المعلوم أن إمام الراشدين عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد عرف النقود بأنها رؤوس أموال وجدت ليُتجر بها لا فيها، أى أنها وسيط للتبادل ومعيار لتقويم السلع والخدمات، وهذا لا يبعد عن تعريف النقود في العصر الحديث، بل هى أكثر إحكاماً ودقةً. وما دام الأمر بالامر يعتبر فقد ذكرت الصحف البريطانية أن سبعة بنوك امريكية قد افلست، ليصبح عدد البنوك المنهارة في أكبر اقتصاد في العالم «041» مصرفاً، مضافاً اليها مصدرو السندات الذين تخلف عدد كبير من هذه الشركات عن الوفاء بسداد المستحقات. فهذا معناه أن العالم يمر بعاصفة اقتصادية كبيرة. وكما أنهار النظام الاشتراكي فها هو النظام الغربي يتهاوى. ولذا بدأ العالم في التفكير في صيغة أخرى. وفكر الناس في جدوى الصكوك الاسلامية أو على الاصح الصكوك اللا ربوية وصيغ التجارة الاسلامية كالسلم والمرابحة والمشاركة المتناقصة وغيرها، ودافع عنها حتى كبير أساقفة الكنيسة البريطانية الكنتربري مصرحاً «ان تضمين بعض بنود الشريعة الاسلامية في القوانين واللوائح البريطانية قد يكون امراً لا مفر منه» والبنك الدولي وبعض المصارف الالمانية والانجليزية، فاذا بعض الاقلام تهاجم الصكوك الاسلامية قائلة بأنها سبب الازمة الاقتصادية في دبي. والواقع ان سبب الازمة المالية في الولاياتالمتحدة كان سببه التدخل الحكومي وتسهيل عملية الإقراض العقاري من جانب بنوك الاقراض، دون النظر الى قدرة المقترض على السداد، أى تمويل صغار المستثمرين. والأمر نفسه ينطبق على دبي، حيث أن التدخل الحكومي سواء عن طريق إنشاء شركات حكومية، أو عن طريق إصدار قوانين تدعم هذه الشركات أو التدخل الحكومي لصياغة أسواق الصكوك الاسلامية، هو السبب الرئيسي للأزمة، أى أن السبب الرئيسي هو التدخل الحكومي، والأزمة تتعلق بالقدرة على الدفع وحدوث أزمة سيولة كبيرة. إن بعض النماذج التي كانت مستخدمة من قبل لم تستطع تطبيق المعايير الصحيحة في حين كان يعاني البعض منها قصوراً، إذ كانت بعض الشركات تمارس دور الاستشاري المقيم في الوقت نفسه، ولقد عقدت ورشة عمل في مبنى «سلطة مركز دبي المالي العالمي» تناولت «مؤشرات الضعف المالي واختبارات الضغط للبنوك» وكيفية استفادة البنوك من مؤشرات الضعف لتقييم قدرتها على الصمود في الظروف الاقتصادية الصعبة، كما تناولت أفضل السبل لتوظيف «اختبارات الضغط» من قبل البنوك لتقييم مواردها المالية في الأحوال الطارئة والعادية على حد سواء، حيث يمكن استخدام مؤشرات الضعف المالي واختبارات الضغط للبنوك «الضبط المؤسسي» في مجموعة من التطبيقات، ابتداءً من رصد الإشارات التحذيرية المبكرة، ووصولاً إلى تصنيف الجدارة الائتمانية. * بنك الثروة الحيوانية قسم الأسهم