أحست بأعراض الفتور والارهاق.. مع انها لم تبذل أي مجهود يذكر خلال هذه الايام ولم يقف بها الامر عند هذا الحد فقد اخذت تفقد شهيتها للأكل... وفي المساء بدأت الحمى تسري في جسدها مما أكد لها ان ما بها ليس ارهاقاً عادياً بل هي حالة من الاعياء ولم تذهب بفكرها بعيداً فقد اعتقدت في قرارة نفسها انها مصابة بمرض الملاريا.. نعم هي ذات الاعراض التي انتابتها في المرة السابقة لتتجه إلى اقرب مستوصف طبي وتفحص جزيئات الدم بعد ان فشلت اقراص البندول التي تناولتها في المساء في إزالة الألم إلا في تسكين الألم لفترة يعود بعدها من جديد وبعد فترة من الانتظار أحستها طويلة بحجم الألم الذي كان ينتابها لتأتي بعدها نتيجة الفحص بخلوها من الملاريا.. لترجع وهي تحمل آلامها إلى المنزل لتشد الرحال من جديد ولكنها تقصد هذه المرة معملاً آخر لتبين نتيجة الفحص إصابتها بالملاريا لتقول للدكتور بانها في نتيجة الفحص بالامس لم تتبين إصابتها بالملاريا أم ان تناولها لاقراص البندول كان وراء عدم ظهورها في الدم؟، ولكن كان رد الدكتور لها واضحاً عندما قال لها ان الملاريا لا تختفي إلا بعلاجها، لتضيف سمية عمر العوض بأن ما دار في عقل بالي وقتها بأن الدكتورة التي أجرت لي الفحص الاول ليست بذات دراية أو انها لم تكن دكتورة في الاصل، وتساءلت ولكن لماذا يتركونها تعمل في مستوصف معروف واستبعدت ان تكون المشكلة في هذا المستوصف مشكلة أجهزة. ما قالته لي سمية كان ادعى بأن أبدأ رحلتي من داخل المعامل وبعد رحلة طالت لم استطع ان احصل إلا على ذات النتيجة وهي ان كل العاملين بالمعامل من أطباء تحدثوا عن انهم يقدمون افضل الخدمات وكل منهم كان يرمي باللوم على الآخرين مستبعداً نفسه من دائرة المعامل غير المطابقة للمواصفات، حتى ان أحد اطباء المختبرات الطبية، قد قال لي بأننا لا تتوفر لدينا كل الفحوصات ولكن ما نقدمه من خدمة نقدمه بجودة عالية.. ولكن ما تأتي به نتائج الفحوصات الطبية لم تكن أحاديث مرضى ومرافقين فقط، ففي مستشفى الخرطوم التعليمي ومن المعمل المركزي لأبحاث الدم أو «معمل النص» كما اصطلح عليه تأتي فيه الفحوصات بدون نتائج مزيلة بتقرير كتب عليه «أعد الفحص» كل هذا يتم بدون مراعاة لظروف المرضى وتتم اعادة الفحص برسوم جديدة ، وفي هذا علق أحد الأطباء بأن القائمين على أمر المعمل لا يهمهم إلا الرسوم، وطالب عندها المريض باعادة الفحص خارج المستشفى بعد ان جاء تقرير المعمل ولمرتين على التوالي باعادة النتيجة مستبعداً أن لا تظهر أي نتيجة من فحص تمت اعادته لمرتين... وبالفعل ما هي إلا مدة من الزمن لتخرج فيها النتيجة بما توقعه الطبيب.. وفي حوادث مستشفى الخرطوم سمعتها من أحد نواب الاختصاصيين بالحوادث يطلب منها اعادة الفحص عندما جاءت نتائجه مخالفة للاعراض التي كانت على المريض، فقال من المفترض أن تأتي النتيجة بغير هذا ولكنه عندما نظر إلى رأس الصفحة وجدها تحمل اسم المعمل المركزي بالمستشفى ، طلب منها أن تعيد الفحص في الخارج قائلاً بأن نتائجه غير معتمدة، ليبقى السؤال الذي يفرض نفسه حضوراً هذه اللحظة: ما الهدف من وجود ها المعمل؟؟! وهل كان هذا المعمل من مجمل ما عنته جمعية حماية المستهلك عندما صوبت بانتقاداتها الحادة لضعف التدريب والمناهج بكليات الطب والمختبرات الطبية والتي ارجعت تضارب نتائج الفحوصات إلى ضعف التدريب وعدم ثقة المريض في المعامل السودانية وأكدت عدم وجود معمل في السودان معترف به عالمياً.. وكانت اختصاصية أمراض الدم الدكتورة أنوار الكردفاني قد تحدثت في ملتقى جمعية حماية المستهلك والذي جاء عن حقوق وواجبات كوادر المختبرات الطبية فقالت ان هناك مشاكل في عدم توفر البيئة الملائمة للعمل وتحدثت عن ان معظم الدراسات التي تقدم للطلاب دراسات نظرية لا تخدم في شئ وان كليات المختبرات الطبية تفتقر لأبسط الاجهزة والمعدات الطبية لذا تخرج طلابا فاشلين لا تتوفر لهم فرص عمل فيضطرون إلى اللجوء إلى الدراسات العليا، ولم يذهب مدير ادارة الجودة بوزارة الصحة الاتحادية الخاتم الياس في خطابه للملتقى بعيداً عندما أكد بأن كليات المختبرات الطبية تحتاج لتدريب متخصص وان المعامل تعاني من عدم وجود الصيانة الدورية.. وعن مشاكل المناهج والمعامل في كليات المختبرات الطبية كانت لنا زيارة إلى كلية علوم المختبرات الطبية بجامعة الخرطوم ولكن موظف الاستقبال رفض ادخالنا إلى الكلية بحجة انهم تضرروا من سابقة نشر صحفي بدأ متردداً بادئ الأمر إلا انه ساق لنا عذره أخيراً وما بدا لي انه تلقى توجيهات بعدم دخول الصحفيين للكلية ولكن نجد ان ما أقرت به وزارة الصحة الاتحادية تجاه أمر المعامل كان واضحاً عندما ذكرت بأن معظم المرضى السودانيين يتلقون علاجهم خارج البلاد بسبب التشخيص الخاطئ لتقيم برنامجا لضبط معايير ومؤشرات قياس الجودة بكافة معامل المستشفيات الاتحادية لضمان سلامة نتائج الفحص والتشخيص حتى ان وكيل وزارة الصحة الدكتور كمال عبد القادر قد تحدث الاسبوع المنصرم عن ضرورة الاهتمام بكيفية شراء الاجهزة والمعدات المعملية وتنظيم تشغيل المعامل والاهتمام بالكوادر الطبية في مجالها. وفي الوقت الذي اعلن فيه رسمياً عن فشل المعامل في تأدية واجبها وفشل كليات المختبرات في تخريج كوادر مؤهلة نجد ان بعض الدول الاجنبية قد انتبهت للأمر وعلى ما يبدو مبكراً فأقامت استثمارات في مجال المعامل على شارع الاسبتالية والذي قل ما تجد ان يكون العابر من خلاله اما مريضاً أو مرافقاً أو زائراً، دخلت أحد المعامل الذي وضع شعاره الجودة والدقة والسرعة فوجدت مجموعة من المواطنين في انتظار نتائج فحوصاتهم قد يكون ما جذبهم تمتع تلك الدولة بسمعة طيبة في مجال الخدمات الطبية وعلى بعد خطوات كان هنالك معمل أجنبي آخر أكثر ما يميزه النظام ومظهره الذي لا يوحي لك بأنك داخل معمل للفحوصات الطبية فكل ما فيه يشير إلى ان هنالك جهدا حقيقيا مبذولا من قبل القائمين بالامر ولكن هل وجود هذه المعامل الاجنبية شكل من الاستثمارات أم خدمات طبية يقصد بها المواطن. وعن الابعاد الاقتصادية لوجود المعامل الاجنبية تحدثنا إلى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير والذي قال في بادرة حديثه لنا انه تلاحظ في الفترة الاخيرة وجود بعض المعامل من الدول الاجنبية والتي تعمل في السودان كنوع من الاستثمار ولكن يجب ان لا يكون الاستثمار في اشياء موجودة بالبلاد إلا اذا ما كانت تؤدي فحوصات لعينات غير متوفرة عندها ستمثل اضافة حقيقية واذا ما كانت اسعارها مناسبة بالتأكيد ستوفر أموالا كثيرة علي المواطن وعملة صعبة غير موجودة أما اذا كانت هذه المعامل تجري ذات الفحوصات التي تجريها المعامل السودانية فلن تكون قد مثلت اضافة إلا في حالة تأديتها لتلك الفحوصات بجودة طبية عالية وهذا مرده يكون لاصحاب الشأن والتخصص.. وعندها يتساءل الناير ولكن لماذا لا تقدم المعامل المحلية ذات الجودة؟؟ فالمعامل الاجنبية الموجودة الآن هي معامل بنت سمعتها على الخلفية الموجودة لدى المواطن السوداني عن الدول القائمة بأمر الاستثمار وتقدمها في مجالات الطب والتشخيص والمعامل مما ساعدها في اقامة استثماراتها وعندها ستكون أي ميزة اضافية لها خصماً على المعامل السودانية الأخرى. وهنا يقع على وزارة الصحة الاتحادية تحديد مدى أهمية هذه المعامل ودورها والعمل على تطوير المعامل السودانية حتى لا تتجه هذه المعامل إلى التمدد وفتح فروع لها في الولايات والوارد ان تقنية الاجهزة والمعامل والعامل النفسي واحساس المواطن السوداني والذي أدرك نقص قدرات الكفاءات الطبية بالسودان جعل من المعامل الاجنبية شكلا من الاستثمار بالبلاد لذا لابد من تأهيل المعامل وتزويدها بأجهزة حديثة قبل فوات الأوان ووصول التمدد الاجنبي لمرحلة يصعب فيها وضع قيود حتى تصل لمرحلة المنافسة. ولكن هل تضارب نتائج الفحوصات هو السبب وراء الاقبال على معامل الفحص الاجنبية أم ضعف ثقة المواطن في الكادر الطبي السوداني؟ عن محاور هذه التساؤلات حدثنا الخبير الاجتماعي الدكتور عبد الرحيم بلال قائلاً ان عدم كفاءة المؤسسات الصحية السودانية كان السبب وراء ميل المواطنين إلى المعامل الاجنبية ففشل المعامل وعدم قدرتها على العمل بمستوى الكفاءة اللازمة هو الذي دعا المواطن السوداني للتمسك بالأجنبي وتدهور السودان عموماً والمنشآت السودانية ناتج من عدم وجود المحاسبة والمساءلة في المجال الصحي والتي من المفترض أن يكون مستوى المحاسبة فيها صارماً جداً. فالتهاون والاهمال وعدم التدريب في المجال الطبي أدى إلى تدني الخدمات المقدمة هذا في الوقت الذي نجد فيه ان كبار الاطباء قد رفعوا أيديهم عن تدريب صغار الاطباء حتى بدأت مستويات الرعاية والتدريب تسير في اتجاه العدم.. وبدأت الجامعات تخرج أعدادا كبيرة من الطلاب وبعض هذه الكليات تنقصها المطلوبات الأساسية وكان المجال الطبي في السابق وحتى بداية الستينات كانت دراسة الطب في السودان من أفضل الكليات ولكن تدهورت البيئة التعليمية في المجال الطبي تدهورا مريعا وهذا يرجع إلى دخول فكرة الاتجار والاستثمار في المجال الطبي في السودان مما كان سبباً وراء تردي وتخلف تجهيزات الكثير من المعامل.. وهنا يأتي دور وزارة الصحة بمحاسبة ومساءلة الجهات باعتبارها المسؤول عن امر تقديم الخدمات للمواطن في هذا المجال. وختم بلال حديثه معنا بضرورة ان يعي المواطن السوداني لحقوقه ويشتكي للجهات العليا التي بيدها الأمر والا يستكين في طلب حقوقه.