وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    السلطات السعودية تستدعي قائد الدعم السريع    راصد الزلازل الهولندي يحذر مجدداً: زلزال قوي بين 8 و10 مايو    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    "الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة المصرية تجاه السودان (1)
نشر في الصحافة يوم 11 - 11 - 2010

o نُشرت هذه الدراسة فى العدد الثانى من سلسلة « بدائل» التى يصدرها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام، سبتمبر 2010، والتى تسعى إلى توسيع وتعميق النقاش العام حول القضايا ذات الاهمية الخاصة للسياسات والمصالح المصرية .
o الباحث يشغل موقع رئيس تحرير ملف الاهرام الاستراتيجى ورئيس برنامج دراسات السودان وحوض النيل بمركز الاهرام للدراسات، وكذلك مقرر لجنة السودان بالمجلس المصرى للشئون الخارجي .
* الاوضاع الحالية فى السودان:
يمر السودان منذ مطلع الألفية الثالثة، وبالتحديد منذ التاريخ الذى بدأت فيه عملية التسوية السياسية لانهاء الحرب الاهلية فى الجنوب، بحالة من إعادة الصياغة لهياكل السلطة والثروة ، وإمتدت حالة اعادة الصياغة هذه لتشمل شكل النظام السياسى وطبيعة الدولة السودانية وحدود ترابها الوطنى. فبعد العديد من التطورات والمفاوضات الصعبة التى إستغرقت أكثر من عامين ونصف العام فى كينيا، تم توقيع اتفاقية نيفاشا فى يناير 2005 ، بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السوادن، وقد نتج عن هذه الاتفاقية عدة متغيرات رئيسية، يمكن الاشارة إلى أبرزها على النحو التالى:-
1- بدلا من كونة دولة موحدة ذات نظام فيدرالى تتكون من 26 ولاية، تحول السودان إلى دولة تتكون من اقليمين: أحدهما شمالى ويتكون من 15 ولاية (بعد دمج ولايتين فى ولاية واحدة) ، والثانى جنوبى يتكون من 10 ولايات .
2- يُحكم الاقليم الجنوبى بنظام قانونى مختلف عن المعمول به فى الشمال ( الذى يعمل طبقا لقوانين مستقاه من التشريع الاسلامى )، ويستند الجنوب على القوانين التى يقرها برلمان وحكومة إقليم الجنوب، والذى يسير نظامه الاقتصادى وفقا للقوانين المصرفية العادية وتخضع لغرفة خاصة ( بمثابة فرع مستقل ) من البنك المركزى السودانى. بالاضافة الى حصول الجنوب على حق تقرير المصير بعد فترة انتقالية قدرها 6 سنوات تنتهى فى عام 2011 ، وذلك عبر إستفتاء يختار فيه الجنوبيون بين البقاء ضمن السودان الذى أفرزته إتفاقية نيفاشا، وبين الانفصال فى كيان ودولة جديدة.
3- كما أن طبيعة العلاقة بين الاقليمين الشمالى والجنوبى التى أفرزتها اتفاقية نيفاشا يسودها قدر من عدم التوازن، بسبب وجود أربعة مستويات للحكم فى الإقليم الجنوبى (هى المحليات وحكومة الولاية ثم الحكومة الاقليمية وأخيرا الحكومة القومية )، فى حين أن الشمال لايوجد به مستوى الحكم الاقليمى (المحليات وحكومة الولاية ثم الحكومة القومية مباشرة).
4- بينما تتولى الحركة الشعبية لتحرير السودان حكم الإقليم الجنوبى بصلاحيات كاملة سياسية واقتصادية وأمنيه، كما يشارك الإقليم الجنوبى أيضا فى الحكومة القومية بنسبة 34% وكذلك فى الأجهزة الأمنية ومؤسسات الخدمة المدنية على المستوى القومى، فإن الحكومة القومية تكاد تكون بلا صلاحيات تجاه الاقليم الجنوبى، سوى تقرير حصته من إيرادات النفط المنتجه من آبار الجنوب، وكذلك حصته من الميزانية القومية بنسبة الثلث طبقا للاتفاقية .
كل هذه المتغيرات أفرزت حالة من السيولة الهائلة فى الاوضاع العامة فى السودان ، حيث أصبح من الواضح أن السودان المعروف الذى كان قائما منذ إستقلال السودان فى أول يناير 1956 ، فى طريقة للاختفاء ليحل محله سودان جديد بناء على الأسس التى أرستها اتفاقية نيفاشا، وما ينتج عن ذلك من أبنية ومؤسسات سياسية ودستورية جديدة مستحدثة لم تأخذ فرصتها لاكتمال البناء والتأثير.
إلا أن المتغير الأكثر خطورة كان هو حق تقرير المصير للاقليم الجنوبى، الذى خلق حالة من عدم الاستقرار الهيكلى ، الناتج بدورة عن الغموض الكثيف ، وعدم القدرة على التوقع ما إذا كان الجنوب سيبقى فى السودان الواحد الكبير ام سوف ينفصل فى كيان جديد، الأمر الذى انعكس سلبا على مجمل التفاعلات السياسية فى السودان بعد التوقيع النهائى على اتفاقية نيفاشا، وساعد على تعميق الفجوة بين شريكى حكومة الوحدة الوطنية التى تم تشكيلها بناء على الإتفاقية ، وهما حزب المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية لتحرير السودان ، وأدى ذلك -نتيجة لهذا العامل وعوامل إخرى ? إلى احتدام الخلاف بينهما على العديد من القضايا ، التى كان على رأسها الخلاف حول منطقة ابيى، وترسيم الحدود وكيفية إحتساب عائدات البترول، وأخيرا الخلاف حول نتائج الاحصاء السكانى والقضايا المتعلقة باجراء الانتخابات الرئاسية والولائية والمحلية والتى كان مقررًا لها أن تتم تحت رقابة دولية فى النصف الثانى من العام الحالى 2009 ، طبقا لنصوص نيفاشا، إلا أنها إجريت فى ابريل عام 2010 بعد شد وجذب طويلين حول الاجراءات المفضية اليها والموعد المناسب لاجرائها .
بالإضافة إلى ماسبق فقد أوضحت الأزمات المتوالية بين شريكى حكومة الوحدة الوطنيه طوال ما يزيد عن خمسة سنوات ونصف من عمر المرحلة الانتقالية، ان قضية الوحدة لم تكن تشغل ذهن القادة الجنوبيين، بل ان الحديث عنها بين وقت واخر كان من اجل توظيفها فى الصراع السياسى مع حزب المؤتمرالوطنى. هذا التوظيف كان فى كثير من الحالات يأخذ شكل الإبتزاز الساعى الى حشد نوع من التعبئة لصالح الحركة الشعبية ضد حزب المؤتمر عبر تحميله مسئوليه عدم بذل الجهد الكافى من أجل الوحدة، فى الوقت الذى قامت فيه الحركة بالعديد من السلوكيات التى توضح نيتها فى الانفصال منذ وقت مبكر مثل تخصيص كود دولى مستقل للاتصالات الهاتفيه يختلف عن الكود المعمول به للسودان ، وتغيير مناهج التعليم وجعلها باللغة الانجليزية، والسعى الى توقيع اتفاقيات منفردة للتنقيب عن البترول- بالمخالفة لاتفاقية نيفاشا- بعيدا عن الحكومة القومية ومفوضية البترول التابعة لها .
كل ذلك بالاضافة إلى تقارير تشير إلى إنجاز مسودة الدستور للدولة الجنوبية المنتظرة بواسطة معهد ماكس بلانك الألمانى، بالاضافة الى الدراسات الخاصة بمشروع خط للسكة حديد للربط مع كينيا، بغرض التواصل التجارى والاقتصادى ولاتخاذ ميناء «مومباسا» الكينى كمنفذ للتصدير والاستيراد، وأيضا لتصدير النفط الجنوبى فى المستقبل.
من الواضح ان قضية الوحدة والانفصال قد تم حسمها من قبل الحركة الشعبية باتجاه الانفصال عبر اتخاذ مواقف غامضة من الوحدة، والامتناع عن تاييدها علنا، بل تَعمُد إعطاء اشارات عديدة ومتكررة على ان نتيجة الاستفتاء ستكون دعما للانفصال. هذه الطريقة فى الاقتراب من قضية الوحدة كانت تتحاشى الإعلان عن التوجه نحو الانفصال بشكل صريح بالنظر إلى أن اتفاقية نيفاشا تنص على أن يعمل الطرفان على أن تكون الوحدة جاذبة، والشاهد ان كل تحركات ومواقف الحركة الشعبية ظلت تتمحور، بشكل او بأخر، حول تهيئة الأوضاع المناسبة من اجل الوصول بسلام وبدون صعاب أو معوقات الى الموعد المحدد للاستفتاء على حق تقرير المصير فى 9 يناير 2011، حتى يمكن الحصول على المشروعية القانونية للدولة الجديدة ، حيث ان المخاوف الرئيسية للجنوبيين تتركز فى الخشية من وقوع اضظرابات كبيرة او إنفلات أمني نتيجة لأى أزمة هنا أو هناك. فالأزمات قد تخرج عن السيطرة ، وقد يتم اتخاذها وسيلة لعدم إجراء الاستفتاء أو المطالبة بتأجيله. وفى هذه الحالة فان انفصال الجنوب لن يكون مشروعا من الناحية القانونية ، حتى لو كان قائما من الناحية العملية أو بسياسة الأمر الواقع، حيث يبقى بإمكان حكومة الخرطوم أو القوى السياسية السودانية المتمسكة بالوحدة القول بان الجنوب لايزال جزءا غير منفصل من السودان، الأمرالذى قد يفتح العديد من الابواب التى يمكن لكل طرف أن يستغلها أو يوجهها أو يكّيفها كما يشاء.
غير ان هذه المخاوف نفسها قد أخذت فى التراجع أيضا بعد التصريحات العلنية المباشرة التى أطلقها الرئيس البشير فى الاحتفال بالذكرى الخامسة لتوقيع اتفاقية نيفاشا فى يناير 2010، وتعهد فيها بالاعتراف الفورى بالدولة الجنوبية الجديدة اذا إختار الجنوبيون الانفصال، فيما بدا انه تسليم بالامر الواقع او انتصار للقوى المؤيدة لانفصال الجنوب داخل حزب المؤتمر الوطنى نفسه، او ترجمة لما قيل انه صفقة غير معلنه تم التوصل اليها بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر، عقب الضغوط السياسية العنيفة التى قامت بها الحركة الشعبية فى نهايات عام 2009 (قبيل بدء الانتخابات السودانية ) عبر ما عرف باسم «تحالف جوبا»، ثم التهديد بزعزعة الاستقرار فى الخرطوم من خلال التظاهر فى الشارع، وذلك بالتجاوب مع مطالب الحركة الشعبية بِشأن بنود قانون الاستفتاء على حق تقرير المصير، وعدم استخدام نصوص القانون لتعويق الانفصال أو جعله صعبا، فى مقابل عدم اعتراض الحركة الشعبية على قانون الامن الوطنى وعدم تعطيل عملية الانتخابات.
* الإنتخابات السودانية وإعادة إنتاج الإستقطاب
أجريت الانتخابات السودانية على مدى خمسة أبام فى الفترة من 11 إلى 15 إبريل 2010، وشملت التصويت على ثلاث مستويات تنفيذيه لانتخاب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة اقليم جنوب السودان وولاة الولايات السودانية الخمسة والعشرين ، بالاضافة الى ثلاثة مستويات تشريعية لاختيار اعضاء البرلمان القومى واعضاء برلمان اقليم جنوب السودان واعضاء المجالس التشريعية للولايات.
وقد مرت عملية الإقتراع التى تمت تحت رقابة واسعة النطاق خارجية وداخلية بهدوء، حيث لم يعكر صفوها أى احداث شغب أوعنف، وتميزت بنسبة مشاركة مرتفعة تزيد على 60 %.
وقد أدى ذلك إلى إحياء الأمل فى أن تحدث هذه الانتخابات نوعا من الإختراق للدائرة المغلقة للأزمات السودانية التى تعيد إنتاج نفسها باستمرار.. غير أن هذا الأمل سرعان ما تبخر من جديد مع إعلان النتائج. حيث إُعلن فوز الرئيس البشير بنسبة إجمالية تقترب من 70% من إجمالى أصوات المشاركين فى الاقتراع، غير أنه تجدر الإشارة إلى أن فوز البشير كان كاسحا فى الشمال فى الوقت الذى جاء ترتيبه فى الاقليم الجنوبى تاليا لمرشح الحركة الشعبية (المنسحب) ياسر عرمان. وقد ترافق مع ذلك هيمنه كاملة لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى الشمال بفوزه بمناصب ولاة الولايات فى 14أربعة عشر ولاية من إجمالى خمسة عشر ولاية في الشمال، وكذلك غالبية مقاعد البرلمان القومي والمجالس التشريعية في الولايات بفارق شاسع. وفي المقابل فازت الحركة الشعبية لتحرير السودان بمواقع الولاة فى الولايات العشر لاقليم جنوب السودان ومعظم مقاعد برلمان الإقليم ومجالس ولاياته والمقاعد المخصصة للجنوب في البرلمان القومي.
أدت هذه النتائج إلى ردود أفعال تتسم بالرفض للعملية الانتخابية والنتائج المترتبة عليها من قبل كل القوى السياسية المعارضه فى الشمال وكذلك فى الجنوب، وهكذا تمثلت المحصله النهائيه فى أن النتائج المعلنه أعادت إنتاج الهيمنة والسيطرة الكاملة لشريكى اتفاقية نيفاشا وهما المؤتمر الوطنى فى الشمال والحركة الشعبية فى الجنوب.. وقذفت بكل القوى المعارضة إلى هامش العملية السياسية.. وهذه النتائج وإن كانت تصب فى صالح الإستمرار فى تطبيقات إتفاقية نيفاشا كما هو مرسوم لها، إلا أنها أشارت أيضا الى حدوث نوع من التكريس الكامل لتقسيم السودان من الناحية العملية وبما يستبق التقسيم الفعلى الذى سيحين موعده فى يناير2011، وبما يعنى أيضا إضعاف مناعة وقدرة الدولة السودانية على مواجهة التحديات الجسام التى سوف تواجهها فى الشهور المقبلة، فضلا عن إهدار أخر فرصة حقيقية لإحداث نوع من التحول فى مسار العملية السياسية فى السودان من الصراع المسلح الى الصراع السلمى عبر قواعد محددة متفق عليها إستنادا الى عملية التحول الديمقراطى التى قبل بها الجميع، وأنها لم تضف شيئا الى الساحة السياسية السودانية، سوى المزيد من الاستقطاب بين شمال وجنوب من ناحية وبين قوى حاكمة واخرى معارضة من الناحية الإخرى .
* الموقف من الوحدة والانفصال
عقب الانتهاء من مرحلة الانتخابات ، بدا من الواضح أن موقف الحركة الشعبية من قضية الوحدة والانفصال قد شهد تغيرا كبيرا فى طريقة الاقترب من هذه القضية أو التعامل معها، حيث اصبحت تصريحات قادة الحركة تتسم بالصراحة والحسم فى القول بان « نتائج الاستفتاء على حق تقرير المصير ستكون لصالح الانفصال بنسبة كاسحة، وأن زمن الحديث عن الوحدة قد ولى « ، كما افصح باقان أموم الامين العام للحركة الشعبية فى مؤتمر صحفى عن استراتيجية الحركة عقب اعلان نتائج الانتخابات واشار فيه الى انه لوحدث تاخير او تعطيل للاستفتاء فان الحركة الشعبية ستلجأ لاعلان الانفصال من جانب واحد من داخل برلمان حكومة اقليم جنوب السودان ، وانه سوف يتم التعامل مع اى وجود شمالى فى الجنوب على انه يمثل احتلالا للدولة الجنوبية، بما يعنى أن الحركة الشعبية قد عقدت العزم على الانفصال فى كل الاحوال، وان البديل لذلك إذا مورست عليها اى ضغوط سيكون العودة الى الحرب. وكان من اللافت ان سلفا كير رئيس الحركة الشعبية ورئيس حكومة الاقليم الجنوبى، كان حاضرا ومشاركا فى هذا المؤتمر الصحفى، الامر الذى يعنى موافقته التامة على تصريحات باقان اموم بالطريقة التى وردت بها. وبذلك خرجت مواقف الحركة الشعبية -المتجهة الى الانفصال- الى العلن بشكل لايحتمل التأويل، بعد ان كانت فى وقت سابق تعطى اشارات يمكن التراجع عنها او اعادة تفسيرها طبقا لمقتضى الحال .
فى هذا السياق أصبح البعد الدولى حاضرا أيضا بقوة فى سياق التوجه لدعم انفصال الجنوب، حيث تتمسك الولايات المتحدة بالتاكيد المتكرر عن أن موقفها هو دعم الخيار الذى سوف يتبناه شعب جنوب السودان، الا ان هذا الموقف ترافقت معه تحركات إخرى تقدم حوافز قوية لانفصال الجنوب، مثل التصريح بوجود خطط معدة سلفا لتقديم مساعدات لانشاء البنية التحتية للدولة الجديدة بقيمة 2 مليار دولار، وكذلك الوعد الذى اطلقة نائب الرئيس الامريكى «جون بايدن» خلال لقائه بسلفا كير وقادة الحركة الشعبية فى نيروبى فى يونيو 2010 ، والذى تعهد فيه بأن واشنطن سوف تعترف على الفور بالدولة لجنوبية اذا جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال. وقد تلا ذلك اعلان كل من بريطانيا وفرنسا عن نيتهما الاعتراف بالدولة الجنوبية فى حالة اختيار الجنوبيين للانفصال، الامر الذى أشار إلى ان القوى الدولية الاساسية المهتمة بما يحدث فى السودان قد صاغت مواقفها بتاييد الدولة الجنوبية قبل ان يتم اعلانها .
وقد اعقب لقاء نيروبى مع بايدن ترتيب زيارة خاصة لباقان أموم الامين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان الى الولايات المتحدة، خاطب فيها اجتماعا لمجلس الامن الدولى فى نيويورك، قبل ان يتوجه الى واشنطن لمخاطبة الكونجرس الامريكى، حيث أكد ان الجنوب مقبل على الانفصال وانه يحتاج الى الدعم والمساندة، وهو امر تمت مناقشته ايضا على نطاق واسع فى زيارة سابقة لسلفا كير الى واشنطن اجتمع خلالها بعدد من القيادات فى وزارة الدفاع الامريكية. وقد اشارت بعض التقارير الى وجود ترتيبات عدة ? بعضها بدأ يشق طريقة الى التنفيذ بالفعل ? لإقامة قاعدة امريكية فى جنوب السودان ستكون مقرا لقيادة « أفريكوم» فى السودان .
وفى المقابل بدأ حزب المؤتمر الوطنى عقب الانتخابات، فى منح قضية الحفاظ على الوحدة اهتماما غير مسبوق، حيث جرى الاعلان عن تحويل الهيئة القومية الداعمة لانتخاب عمر البشير رئيسا للسودان ن الى لجنة قومية لدعم الوحدة، كما تم الاعلان عن دراسة عشرات المشروعات العاجلة سريعة التنفيذ والتى تقدر تكلفتها بمئات ملايين الدولارات لاشعار المواطن الجنوبى باهمية وجدوى البقاء فى السودان الموحد. وقد ترافق مع ذلك تدشين حملة إعلامية وتعبوية واسعة النطاق من اجل الحفاظ على الوحدة، وقد كان من اللافت ايضا قيام السلطات السودانية فى الاسبوع الاول من يوليو باغلاق صحيفة «الانتباهة» التى يقودها الطيب مصطفى رئيس منبر السلام العادل الذى كان ينادى بضرورة فصل الجنوب عن الشمال، والذى استمر لعدة اعوام فى شن حملات اعلامية متكررة لم تخل فى كثير من الاحيان من بعض الملامح العنصرية والدعوة الى اثارة الكراهية وتركت آثارا سلبية على اكثر من صعيد. وقد كان ينظر الى هذه الصحيفة باعتبارها ربما تمثل جناحا داخل حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، والا لما استطاعت الاستمرار لهذه السنوات، لاسيما وان رئيس هذا المنبر يمت بصله القرابة للرئيس عمر البشير، الأمر الذى كانت تجرى الإشارة إليه على الدوام فى الإعلام السودانى.
وقد تمثلت ذروة التحركات الداعمة للوحدة فى الزيارة التى قام بها نائب رئيس الجمهورية على عثمان محمد طه الى جنوب السودان فى مطلع يوليو 2010 على رأس وفد ضخم يتكون من أكثر من مائة شخصية قومية، للاعلان عن بعض المشروعات التنموية واطلاق شرارة البدء فى تنفيذ بعضها بالفعل، كما حمل معه اقتراحا للقادة الجنوبيين بالتحول الى نظام كونفدرالى يتم تداول الرئاسة فية بين الشمال والجنوب.
غير ان هذه الزيارة لم تلق ترحيبا من قادة الحركة الشعبية كما أعلن باقان اموم أن اقتراح الكونفدرالية فى هذا التوقيت غير مناسب، وانه مخالف لاتفاقية نيفاشا التى نصت على ان يكون الاستفتاء بين خيارين : الاستمرار فى الوحدة او الانفصال، ولم تشر الى وجود خيار ثالث. واضاف باقان الى انه يمكن النظر فى هذا الخيار فى المرحلة التى تلى الاستفتاء واعلان الانفصال، فيما بدا انه محاولة واضحة للالتفاف على هذا المقترح بدلا من رفضة بشكل كامل، فى تعبير عن نفس الاسلوب الذى كان متبعا من قبل فى الحديث عن الوحدة قبل مرحلة الانتخابات .
{}{


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.