شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة المصرية تجاه السودان (3-3)
نشر في الصحافة يوم 13 - 11 - 2010

o نُشرت هذه الدراسة فى العدد الثانى من سلسلة « بدائل» التى يصدرها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام، سبتمبر 2010، والتى تسعى إلى توسيع وتعميق النقاش العام حول القضايا ذات الاهمية الخاصة للسياسات والمصالح المصرية .
o الباحث يشغل موقع رئيس تحرير ملف الاهرام الاستراتيجى ورئيس برنامج دراسات السودان وحوض النيل بمركز الاهرام للدراسات، وكذلك مقرر لجنة السودان بالمجلس المصرى للشئون الخارجي .
* المواقف والسياسات المصرية تجاه الازمة السودانية
1- جنوب السودان
ظلت مصر على الدوام تتحفظ على الموافقة على منح حق تقرير المصير لجنوب السودان كوسيلة لانهاء الحرب الاهلية فى الجنوب، لإدراك القاهرة أن هذا المسار سوف يعرض السودان لتداعيات بالغة الخطورة قد تؤدى إلى انفصال الجنوب وربما إلى حدوث تداعيات إخرى فى الشمال سوف لن يكون من السهل السيطرة عليها، الأمر الذى ثبتت صحته بشكل واضح طبقا للتطورات الحالية. وكانت الرؤية المصرية للحل تقوم على أساس إرساء مبدأ المواطنة والمساواة التامة بين كل المواطنين دون تمييز بسبب اللون أو العرق أو المعتقد، وقد إنعكست هذه الرؤية فى بنود المبادرة المشتركة التى قدمتها مصر بالاشتراك مع ليبيا والتى جاءت خالية من أى إشارة إلى حق تقرير المصير كخيار مطروح على مائدة المفاوضات، غير أن توقيع بروتوكول ما شاكوس فى 20 يوليو 2002 بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، والذى كان يحوى الموافقة على حق تقرير المصير لجنوب السودان بعد فترة إنتقالية قدرها 6 سنوات ، جعل الموقف المصرى يتحول إلى التعامل مع الأمر الواقع ويسعى إلى تبنى أهداف جديدة، تتمثل فى المساعدة على جعل الوحدة جاذبة، عبر الإسهام فى تنمية إقليم جنوب السودان وتشجيعه على البقاء فى السودان الموحد.
وقد قامت مصر بالفعل بالمضى قدما فى هذه السياسة، كاستمرار لسياسة مصرية ثابته منذ عهد الرئيس السادات فى تقديم يد العون والمساعدة لابناء جنوب السودان، وتم افتتاح مكتب اتصال لحكومة اقليم جنوب السودان بالقاهرة، وقامت مصر بتقديم 300 منحة تعليم جامعى مجانا لأبناء الجنوب وإنشاء فرع لجامعة الاسكندرية فى جنوب السودان ، بدأت الدراسة به فعليا فى العام الدراسى 2009 -2010 تمهيدا لنقل الدراسة فى العام الذى يليه إلى الموقع الذى تم تحديده فى أراضى الجنوب بالإتفاق مع حكومة الإقليم الجنوبى . فى السياق نفسه قامت مصر ايضا بإنارة خمسة مدن جنوبية بالكهرباء على النفقة المصرية وإنشاء مركز طبى فى جوبا وعدد من المدارس والمنشأت، فضلا عن إفتتاح قنصلية مصرية فى جوبا للمزيد من التنسيق والتعاون.
وقد بدا واضحا أن السياسة المصرية تعمل على توطيد الصلات والعلاقات التعاونية مع الجنوبيين ، لتحقيق هدف الوحدة الجاذبة، ومن أجل تقديم صورة ايجابية لطرف عربى يمد يده للجنوب بالمساعدة والتعاون كبديل عن الصورة النمطية السائدة لدى الجنوبيين والتى تتسم بالسلبية، عبر الحروب المستمرة مع الشمال، وفى الوقت نفسه فان اتباع هذه الاستراتيجية يمكن مصر من حرية الحركة فى حالة اختيار الجنوبيين للانفصال كما هو واضح حاليا، فدولة جنوب السودان ستكون ذات أهمية خاصة بالنسبة لمصر لاسيما فيما يتعلق بقضايا المياه، حيث تقع العديد من المشروعات المقترحة لزيادة حصة مصر وشمال السودان من مياه النيل فى أراضى الجنوب، كما يمكن ملاحظة أن الأزمة المترتبة على توقيع دول المنابع لإتفاقية عنتيبى قد جعلت من موقف جنوب السودان أكثر أهمية بسبب حالة الاستقطاب السياسى التى نشأت عن هذا التوقيع المنفرد، فضلا عن أن انفصال الجنوب سيتبعه تزايد النشاط والوجود الاسرائيلى هناك الأمر الذى يقتضى عدم ترك الساحة خالية لإسرائيل للتأثير فى سياسات ومواقف الدولة الجديدة وتوظيفها لخدمة أهداف الإستراتيجية الاسرائيلية المعروفة فى تفتيت السودان وحصار مصر من الجنوب والضغط عليها عبر السعى الى تهديد مصالح مصر المائية فىحوض النيل.
2- ازمة دارفور
اما الموقف المصرى من ازمة دارفور فقد تبلور فى سعى مصر باستمرار لتعديل واحتواء الاجواء الاقليمية غير المواتية التى أحاطت بأزمة دارفور وساهمت فى تعقيدها وتصعيدها، ويمكن التدليل على ذلك بالعديد من الشواهد، مثل مشاركة مصر بألفى جندى فى القوات الدولية المشتركة المرابطة فى دارفور بالتعاون بين الامم المتحدة والاتحاد الافريقى، والمشاركة فى كل المؤتمرات الإقليمية على المستوى الرئاسى وحرصها فى كل الاحوال على بناء نوع من الوفاق الذى يقود إلى الحل الساسى السلمى، كما أن مصر لعبت دورا أساسيا فى احتواء وتجاوز القرار 1706 الذى كان يتضمن بنودا تخل بسيادة السودان على أراضية، وبعد ذلك دعمت القرار 1769 الذى قبلته كل الأطراف فى أزمة دارفور.كما لعبت القاهرة دورا أساسيا فى إسناد السودان فى مواجهة أزمة المحكمة الجنائية الدولية، فضلا عن الجهود المصرية المستمرة فى التواصل مع حركات دارفور المسلحة وتشجيعها على التوحد وبناء مواقف مشتركة .
إلا أننا يجب أن نأخذ فى الإعتبار أن الدور المصرى تجاه ازمة دارفور ظل لفترة من الوقت، وكأنه يتعمد أن يأخذ شكل محدودية الظهور أو التأثير تاركا موقع الصدارة للسياسة الليبية وللعقيد القذافى لفترة طويلة من الوقت دون تحقيق أى تقدم عملي، الأمر الذى أدى إلى محاولة سعودية فاشلة للتدخل عبر عقد ما عرف باسم «صلح الجنادرية « بين السودان وتشاد، ثم إلى ظهور منبر الدوحة وتطلع قطر للعب دور للوساطة فى دارفور ثبت أنها لاتمتلك الخبرات والمقومات اللازمة لإنجاحه عبر عمليات تفاوض عقيمة مازالت قائمة ومتواصلة رغم عدم تحقيقها لأى اختراق حقيقى نحو الحل .
وتجدر الاشارة هنا إلى أنه من الواضح أن المصالح والأهداف المصرية تجاه الأزمة السودانية بتجلياتها المتعددة، تختلف عن المصالح والأهداف الليبية أو القطرية، إن كانت تتلاقى او تتوافق جزئيا مع المصالح السعودية، ومن ثم فان محاولة مصر التساوق مع هذه السياسة أو تلك لم تكن أمرا موفقا أو مناسبا لمصالح مصر منذ البداية، حيث كان ينبغى على مصر أن تحرص على إظهار دورها فى قيادة وتكتيل الجهود العربية وتعبئة الموارد لمساعدة السودان على تجاوز أزمته الداخلية، وليس فقط الإكتفاء بمحاولة القيام بهذا الدور بطريقة غيرمباشرة. و بناء على ذلك فقد يكون الوقت ملائما لمصر لتغيير توجهاتها فى هذا المجال، والتحرك للأمام لمحاولة شغل هذا الحيز، من أجل تحقيق هدفين: هما الحد من التدخلات الخارجية بأنواعها، بما فى ذلك التدخل الإسرائيلى ، والهدف الثانى هو زيادة مساحات الحركة أمام الدور المصرى، للحفاظ على تماسك الدولة فى السودان، ولحماية المصالح المصرية وتعزيز الدور الاقليمى لمصر .
وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنه فى حالة إنفصال الجنوب فإن الأطر والاتجاهات العامة لأزمة دارفور، قد تشهد انتقالا الى مرحلة جديدة، تسير فيها على خطى المسار الذى اتبعته قضية الجنوب، فنتيجة لاستطالة أمد الأزمة وتعثر أو إستعصاء التسوية السياسية، من المتوقع أن تاخذ المطالبة بحق تقرير المصير لدارفور مساحات أوسع بمرور الوقت.
وقد بدا لبعض الوقت أن حالة المراوحة المتطاولة لأزمة دارفور والتى تعود إلى التعقيدات المرتبطة بها من تدخلات خارجية وتشرذم للحركات المسلحة واختلاف وتباين المطالب بين هذه الحركات- مع رفع سقف هذه المطالب من مرحلة إلى إخرى- والعجزعن تكوين وفد تفاوضى موحد، أو تبنى رؤية مشتركة للتفاوض، قد تصب فى نهاية المطاف ( فى حالة بقاء السودان موحدا ومكونا من اقليمين ) فى اتجاه إعادة تقسيم إقليم شمال السودان من الداخل إلى مجموعة من الاقاليم المتجاورة تربطها بالمركز علاقة هشة، وببعضها البعض علاقات صراعية أو تنافسية فى أفضل الاحوال، إذ أن مجمل مطالبات الحركات المسلحة الدارفورية تركزت لوقت طويل فى الحصول على اتفاق شبيه باتفاقية السلام الشامل التى حصل عليها الجنوبيون، وبمعنى أدق وباستخدام التعبير الشائع فى هذا الخصوص (الحصول على نيفاشا ناقصة حق تقرير المصير). وبالنظر الى أن أى اتفاق سوف تتم الموافقة عليه بالنسبة لاقليم دارفور سوف تتم المطالبة به من قبل الاقاليم والجهات الاخرى تبعا لنظرية الأوانى المستطرقة السائدة فى السودان ، فمن الطبيعى توقع ظهور مطالبات مماثلة بأقاليم إخرى بنفس الترتيبات والأوضاع، وهى أقاليم الشرق والوسط وأقصى شمال السودان، الأمر الذى يعنى من الناحية العملية تقسيم الاقليم الشمالى الى أربعة اقاليم متجاوره.
إلا أن الانفصال المتوقع للجنوب قد يؤدى الى إعادة توجيه مسار أزمة دارفور، إذ أن ارهاصات المطالبة بحق تقرير المصير لدارفور قد بدأت فى الظهور من الآن ، حيث شرع عبدالواحد محمد نور ( المرتبط باسرائيل والمدعوم من فرنسا) فى وضعها كشرط أساسى لقبوله الاشتراك فى المفاوضات الهادفة إلى تسوية الأزمة، وقد بدأ موقف حركة العدل والمساواة فى التطور فى نفس هذا الاتجاه هذا الإتجاه، بسبب الموقف الصعب الذى تعانى منه الحركة اثر انسحابها من منبر الدوحة، وتعرضها لحالة من الحصار وتضييق الخناق على تحركات قائدها خليل ابراهيم، لاسيما وأن حركة العدل كانت قد لوحت فى السابق ابان مفاوضات ابوجا باللجوء الى خيار المطالبة بحق تقرير المصير وأوردته فى مقررات مؤتمرها الرابع ، ثم عادت بعد ذلك لتصمت عنه . هذا يعنى بشكل واضح أن السودان قد يتجه عقب الانفصال الى التفكك الى ثلاثة دويلات ، الاولى فى الجنوب والثانية فى الغرب والثالثة تشمل المساحة المتبقية فى الشمال والوسط.
وهكذا يبدو واضحاً للعيان أن السودان يمر فى الوقت الحالى بمرحلة مخاض صعبة ذات نهايات مفتوحة، الامر الذى يطرح عدة سيناريوهات اولها الانقسام الى دولتين شمالبة وجنوبية مع ما يواجه هذا الوضع من تحديات، والثانى هو التحول الى ثلاث دويلات، والسيناريو الثالث ينصرف إلى الانزلاق الى حالة من الفوضى أو التفكك.
والشاهد أن البيئة الداخلية في السودان وطبيعة التفاعلات السياسية فيه أدت إلى تهيئة المسرح للتدخلات الخارجيه واسعة النطاق، وخلقت المناخ الذي يسمح للآخرين باستدعاء الذرائع ، وساعد على ذلك أيضا تبني معظم القوى السياسية السودانية لأجندات ضيقة تدور حول الصراع على السلطة والمكايدات السياسية ، ولا تعطي المصالح الوطنية العليا ما تستحقه من أولوية، وإنما تسعى وراء أهداف محدودة قصيرة الأجل لا تستصحب معها الأبعاد الاستراتيجية المتعلقة بالحفاظ على وحدة السودان وتماسكه كوطن لجميع أبناءه على قدم المساواة، وبما يجعله قادرا على تحقيق نهضة تنموية تعتمد على موارد السودان الهائلة وصولاً إلى بناء هوية سودانوية مشتركة بعيدا عن الاستقطابات الدولية والسياسات المفروضة من الخارج .
غير أنه من الواضح أيضا أن مسألة الأجندات المحدودة هذه ترتبط بقضية إخرى أكثر جوهرية، تتعلق بفشل الحكومات الوطنية المتعاقبة فى السودان -منذ الاستقلال وحتى الآن- فى إستكمال مشروع بناء الدولة الوطنية أو على الأقل تبنى إستراتيجية واضحة للسير على هذا الطريق، ومما زاد الطين بله أن إنقلاب النقاذ الوطنى فى يونيو 1989 الذى أتى بالجبهة القومية الاسلامية التى يقودها الترابى إلى الحكم ، استصحب معه مشروعا ذا طبيعة اسلامية إقصائية، تتجاهل التكوين التعددى للمجتمع السودانى، وتحاول أن تفرض مشروعها للتغيير الاجتماعى والاقتصادى والسياسى بالقوة، الأمر الذى نتج عنه إرتداد المجتمع والقوى السياسية المختلفة إلى مرحلة الانتماءات الاولية، أى إلى الجهة والعرق والقبيلة، والتى كان السودان يطمح إلى تجاوزها عبر عملية ممتدة ذات طبيعة تنموية وتحديثية .
* السودان والامن القومى المصرى
يظهر ارتباط الامن القومى بما يحدث من تطورات فى السودان بشكل واضح ويتجلى بأشكال عديدة، ولعل الذاكرة المصرية لا تنسى عملية نقل الكلية الحربية المصرية والمتبقى من طائرات سلاح الجو إلى منطقة وادى سيدنا بالخرطوم فى أعقاب هزيمة 1967، لكى تكون بعيدة عن متناول قوات العدو الاسرائيلى، إلا أن الأمر لايقتصر على هذا البعد المباشر ، بل يمتد إلى ما هو أعمق من ذلك خاصة فى هذه المرحلة التى يمر فيها السودان بظروف صعبة ودقيقة، فسيناريوهات التفكك أو الإنزلاق إلى حالة الفوضى تحمل فى طياتها مخاطر عديدة، ويمكن أن نشير الى أهمها على النحو التالى:
1- ان تجزئة السودان أو تفككه أو تحوله الى الفوضى سوف يؤدى الى إعادة صياغة التوازنات الاستراتيجية فى المنطقة الممتدة من الحدود الشمالية للسودان مع مصر وليبيا وصولا إلى منطقتى البحيرات العظمى من ناحية ومنطقة القرن الافريقى من الناحية الاخرى، ولايخفى اهمية هذه المناطق بالنسبة لمصر وارتباطها الوثيق بقضايا مياه النيل وأمن البحر الأحمر وتامين قناة السويس. فضلا عن تاثيرها على الأمن المباشر لمصر ودورها ومكانتها فى الاقليم . وفى ظل الاوضاع الحالية فان عملية إعادة الصياغة قد تتم خصما من مكانة مصر ومن قدرتها على التأثير والتدخل لحماية مصالحها الحيوية، لصالح قوى وأطراف اقليمية ودولية إخرى ذات تواجد فعلى فى هذه المناطق وتسعى بقوة لتوسيع نفوذها.
2- يؤثر هذا أيضا على ملف أزمة المياه، والذى يحتل اولوية متقدمة فى التفكير الاستراتيجى المصرى فى المرحلة الحالية وفى المستقبل، فمسألة البحث عن موارد جديدة من المياه ، تكاد تعتمد بشكل رئيسى على مبادرة حوض النيل المشتركة، وظهور دويلة جديدة فى جنوب السودان أو إستمرار عدم الاستقرار، سوف يؤدى إلى خلق الكثير من التعقيدات فى هذا المجال، كما سوف يفسح المجال لخلق أدوات جديدة للضغط على مصر، عبر إستغلال الاوضاع فى الجنوب وفى أنحاء إخرى من السودان.
3- ترتبط الازمة السودانية أيضا بظهور تهديد اخر من نوع جديد على الامن القومى المصرى، كاحد تداعيات ما يحدث قى السودان، وهو ظهور ما يسمى بحركة «كوش» التى تنادى بتحرير اراضى النوبة فى شمال السودان وجنوب مصر من «الاحتلالين « المصرى والسودانى وإعادة إحياء دولة النوبة القديمة، وهذه الحركة وان كانت ما تزال «انترنتية» ولم تستطع القيام بأى نشاط فعلى بعد، إلا أن معظم النار من مستصغر الشرر، ويجب أن تُقرأ هذه التحركات التى ترعاها دول معينه، مع ما يتم الترويج له من حديث عن النوبة بإعتبارهم أقلية مضطهده، ومع محاولة ربطهم بقضايا أقباط المهجر. وقد كانت عملية اختطاف بعض السياح الغربيين فى المثلث الواقع على الحدود المصرية الليبية السودانية، جرس انذار مبكر ومثال عملى على التهديدات الامنية التى قد ترد إلي مصر من هذا الاتجاه .
4- ان عدم الاستقرار فى السودان يعنى إستمرار وتزايد احتمالات تهريب الأسلحة عبر الحدود الجنوبية لمصر لاستخدامها فى عمليات عنف فى الداخل المصرى، وقد سبق حدوث ذلك إبان توتر العلاقات بين البلدين فى المرحلة الإولى من عهد نظام الانقاذ، أو لمحاولة استخدام الأراضى المصرية كممر ، كما حدث فى حالة التفسيرات التى طرحت للغارات الاسرائيلية على شرق السودان فى مطلع عام 2009 .
5- من المتوقع أيضا أن تتزايد عمليات الهجرة أو النزوح الجماعى المشروعة او غير المشروعة، بما فى ذلك من بعض الدول الافريقية ذات الحدود المفتوحة مع السودان، الامر الذى قد يخلق ضغوطا اجتماعية واقتصادية اضافية على مصر، إذ أن معظم النازحين لايمتلكون أى قدر من التعليم أو المهارات الفنية ، وليس لديهم ما يقومون باستثماره، ومن ثم فانهم يتسربون إلى أسواق العمالة الطفيلية، ويمثلون عبئا على كل مرافق الدولة والاقتصاد فى ظل حالة البطالة المنتشرة فى مصر. وفيما يتعلق بالتوترات الاجتماعية نشير الى حادثة المهندسين وما نتج عنها من حرج واساءة لصورة مصر، رغم كل الجهود الايجابية التى بذلتها مصر لتحاشى الازمة، بالاضافة الى ظاهرة التسلل الى اسرائيل، بما تحمله تلك الظاهرة من مخاطر أمنية على مصر بأشكال مباشرة أو غير مباشرة.
6- ان كل ما سبق سوف يؤدى الى عزل مصر وحصارها من ناحية الجنوب، وازدياد امكانية فرض ضغوط قوية عليها من الخارج تتعلق بمقدرتها على توفير الامن لمواطنيها وتلبية احتياجاتهم الضرورية ، كما قد يحد من قدرتها على إعادة صياغة دورها الاقليمى ورؤيتها للمستقيل بالتحول نحو حوض النيل كخيار مستقبلى بديل يوفر لها فرصا حقيقية للنهوض والنمو بالتعاون مع بلدان الحوض و من اجل الفائدة المشتركة للجميع.
* السياسة المصرية تجاه السودان:
ومن هنا تظهر أهمية وجود سياسة مصرية قوية ومبادرة تجاه السودان فى المرحلة الحالية، لدرء المخاطر والتهديدات أولا ولمحاولة شق مسار جديد لبناء وحماية المصالح، عبر الحفاظ على الحد الادنى من الاستقرار والعلاقات السلمية والتعاونية بين دولتى الشمال والجنوب فى حالة وقوع الانفصال، والسعى الى تسوية ازمة دارفور . ومن البدهى أن الغياب عن عملية إعادة الهيكلة أوإعادة الصياغة الجارية الان على قدم وساق، سوف ينتج عنه غياب القدرة على التأثير أو حماية المصالح المصرية، الأمر الذى يعنى بدوره انعكاسات سلبية للغاية على المصالح المصرية فى المستقبل، إذ أن القوى التى تقوم بتوجيه العمليات السياسية الرئيسة الآن فى السودان، هى التى سوف تهيمن فى المستقبل وسوف يكون لها تاثير واضح على كل التفاعلات ومسارات الأحداث .
فى هذا الاطار يمكن القول أن الاهتمام المصرى بالسودان قائم وموجود ويمكن ملاحظته فى العديد من التحركات هنا أو هناك, ولكنه غير كاف بالدرجة التى تتناسب مع ثقل مصر وضخامة مصالحها من ناحية، والظروف والتعقيدات التى يواجهها السودان من ناحية أخرى. وبناء على ذلك فإن السياسة المصرية بوضعها الحالى تصلح لمعالجة أو التعامل مع أوضاع مستقرة وليس مع مثل مثل هذه التفاعلات الهائلة التى تهدف إلى الفك والتركيب، حيث تظهر الحاجة الماسة إلى رؤية جديدة متكاملة تنظر إلى ما يجرى، وتعيد تعريف المصالح المصرية فى السودان وتسعى إلى تحقيقها بالوسائل والسياسات المطلوبة.
وغنى عن القول أن حجم الفرص والمخاطر فيما يتعلق بملف السودان يحتاج إلى إحداث التفاتة كاملة فى التوجه الاقليمى لمصر، وذلك كأولوية استراتيجية واضحة، وهذا لايعنى بطبيعة الحال إهمال الأولويات الاستراتيجية الحالية لمصر ، ولكنه يعنى رفع الاهتمام بالشأن السودانى من ناحية الترتيب ووضعه على قدم المساواة مع ملف الصراع العربى الاسرائيلى وتسوية القضية الفلسطينية، على أن يعمل هذا التوجه الجديد من خلال أداتين أساسيتين هما :
أ- الشراكة الاستراتيجية بين مصر والسودان .
ب - محاولة التواجد بقوة على مسرح التفاعلات السياسية الداخلية من خلال المساعدة على بناء وفاق وطنى داخلى فى دولة شمال السودان، والسعى الى، وتشجيع علاقة تعاونية بين السودان الشمالى والدولة الجنوبية المنتظره.
* توجه اقليمى جديد: نحو السودان وحوض النيل
لاشك أن مصر تستمد الكثير من قدرتها على التأثير والحركة فى المحافل الدولية من دورها الإقليمى فى المنطقة العربية أو ما يعرف بإقليم الشرق الأوسط، إذا أن هذا يفتح لها مساحات أوسع للحركة كما يمنح سياستها الخارجية قدراً أكبر من الفاعلية، ويعطى لها الثقل اللازم لحماية المصالح المصرية السياسية والاقتصادية، ويدعم إدراكها لنفسها كدولة اقليمية كبرى لها دورها فى حفظ الاستقرار والتوازن فى المنطقة.
وغنى عن القول أن مصر قد اهتمت طوال الخمسين عاما الماضية بالصراع العربى الاسرائيلى، وركزت أنظارها على الشمال الشرقى ومنطقة المشرق بشكل عام، فى الوقت الذى فتر فيه الاهتمام الى حد كبير بالسودان وأيضا ببلدان حوض النيل والقرن الافريقى، عدا بعض الفترات فى عهد الرئيسين السادات ومبارك مع الرئيس نميرى، والتى لم تترك أثرا يذكر فيما بعد . وكان الانطباع الدائم ان السودان سيظل قائما هناك، وفى ظل عدم وجود متغيرات أو تهديدات رئيسية، لم يكن هناك ما يبعث على إتباع أى تغيرات جذرية فى السياسة أو التوجهات المصرية. إلا أن الاوضاع تتغير الآن بوتائر متسارعة، حيث لم تتبقى سوى اشهر معدودة على استفتاء حق تقرير المصير لجنوب السودان المقرر فى يناير 2011 ، والذى من المتوقع ان يؤدى الى انفصال الجنوب ، ومن ثم سوف نشهد سودان آخر غير ذلك الذى عرفته المنطقة طوال نصف القرن الماضى.
هذه التطورات تفرض على الدولة المصرية أن تحدث نوعاً من الالتفات فى سياستها الإقليمية بالتوجه نحوالسودان ودول حوض النيل، بحيث يصبح هذا التوجه هو مجال اهتمامها وتفاعلاتها ذات الاولوية الرئيسية، وهو الإنتماء الطبيعى والعريق لمصر. على ان يكون هذا التوجة فى اطار البعد الإفريقى لمصر وليس فى اطار الحديث عن دعم أمتها العربية، رغم أنه لايوجد تعارض فى تعدد مستويات الهوية المصرية بأبعادها المختلفة. وتجب الإشارة إلى أن هذا لايعنى عدم الإهتمام بالقضية الفلسطينية او منطقة الخليج وباقى الاهتمامات التقليدية الاخرى لمصر. فالتحدى الذى تواجهه سياسة مصر الخارجية هو تطوير القدرة على العمل بكفاءة واهتمام متساو مع أكثر من جهة وفى أكثر من إتجاه.
وأهمية هذا التوجه لو تم اعتماده تتمثل فى أنه سوف يؤدى إلى تحويل الكثير من المشاكل والسلبيات التى نعانى منها الى مزايا نسبية هائلة، تعمل لصالح مصر دون تكلفة او اعباء اضافية، فالزيادة السكانية سوف تكون ميزة ازاء الندرة النسبية للسكان فى حوض النيل ، وكذلك القدر المتوفر من التعليم والمهارات الفنية والقدرات الصناعية والتواصل مع التكنولوجيا .. الخ، فضلا عن أن الكثافة الحضارية وتماسك الهوية والثقافة الوطنية المصرية ورسوخ تقاليد الدولة فيها سوف يعطى الدور المصرى ايضا الكثير من القوة والزخم.
ويمكن القول إجمالا أن هذا التوجه من الممكن أن يمثل الفرصة الاقتصادية البديلة لمصر، حيث ان التوجه جنوباً سوف يوفر فرصاً طبيعية هائلة لاستغلال التكامل فى الموارد، فالسودان لديه أراض ومياه ومعادن وثروات هائلة، وقلة فى عدد السكان فى الوقت الذى يعانى فيه من اضطرابات سياسية وجهوية وإثنية واسعة النطاق جعلت كل القوى السياسية فيه فى حالة من الضعف، وبعض هذه القوى يوجه نداءات متكررة لمصر بالتواجد وتقديم الدعم، الامر الذى يوفر طلبا سودانيا داخليا على الدور المصرى ويخلق قاعدة مناسبة واجواء ايجابية للتعاون والشراكة .
وقد يرى البعض أن مثل هذه السياسة تحتاج إلى حشد إمكانيات وتخصيص موارد واسعة سياسية واقتصادية وإعلامية وثقافية، إلا ان القول بمحدودية الموارد، لا يمكن القبول به فى هذا السياق، إذ أن مصر لها دور تاريخى وثقافى مازال حاضراً فى السودان ككل، ولها أرضية واسعة للحركة، وهناك نداءات متكررة لمصر بالتدخل من جانب أطراف سودانية عديدة خاصة فى الوسط والشمال النيلى، أى أن الدور لا يعتمد على الإمكانيات المادية وحدها، كما أنه يمكن الاستعانة بشكل واسع النطاق بمنظمات المجتمع المدنى والجهود الشعبية والقطاع الخاص، عبر تكثيف التواصل مع كل القوى السودانية، وتبادل الزيارات، وتنظيم اللقاءات مع القيادات السودانية المختلفة.
وتجدر الاشارة الى أن أحد أوجه قصور السياسة المصرية الحالية تجاه السودان، أنها سياسة تعتمد على معالجات قد تصلح فى اوقات السلم والاستقرار، إلا أن الأوضاع الحالية والمتغيرات المتسارعة فى السودان تحتاج إلى استراتيجية أشمل تنطلق من رؤية سياسية شاملة، وبحيث تحشد لها الموارد من كل الاتجاهات، ولذا فإن هذا الوضع يحتاج إلى إنشاء هيئة خاصة بشئون العلاقات المصرية السودانية، تتبع لرئاسة الجمهورية مباشرة، ويقف على رأسها شخصية متخصصة ومتفرغة وذات ثقل، تتولى بلورة الخطط والسياسات والتنسيق بين الأجهزة والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وتكون لها صلاحية خاصة تنبع من تبعيتها لرئاسة الجمهورية.
هذا التوجه نحو السودان وحوض النيل يمكنه أن ينطلق من خلال دعم مصر لوفاق داخلى سودانى، وإعتبار الشراكة الاستراتيجية مع السودان هدفا استراتيجيا، على النحو التالى:
أ- بناء وفاق داخلى فى السودان:
?? تحتفظ مصر فى الوقت الحالى بخطوط اتصال مفتوحه وعلاقات جيدة مع الحكومة السودانية وكذلك معظم القوى السياسية السودانية فى الشمال والجنوب، بالاضافة الى حيازتها لقنوات اتصال نشطه مع الفصائل المسلحة فى دارفور?,? الامر الذي اصبح يمثل مصدرا للقوه النسبيه وأحد مؤهلات نجاح أي تدخل لإنهاء الصراعات القائمة والمساعدة على بناء وفاق داخلى,? كما أنه من المعروف أن مصر هي الطرف الوحيد الذي ليس له مطامع او مطالب خاصه من هذا الطرف أو ذاك ?,? لأن مصلحتها الأساسيه هي الحفاظ علي التماسك والاستقرار?,? وذلك بخلاف الأطراف الإقليميه الاخري التي لعبت أدوارا متباينه في الأزمه السودانية بدءا بالولايات المتحدة وبريطانيا وانتهاء بدول الايجاد وليبيا وتشاد واريتريا?.?
إلا أن ما يجب أن يحظى بالاهتمام فى حالة تحرك مصر فى هذا الإتجاه,? هو الخلفيه والرؤية للاستراتيجية التى ينطلق منها هذا التحرك والمدي والأثر الذي يرمي إليه،? والذى يجب أن يهدف لتهدئة الاوضاع واحتواء ظواهر التشرذم والتفلت، ومن الناحية الاخرى أن يكون هناك دور وتواجد لمصريسعى لمنع الاضرار بأى مصالح مصرية حالية او مستقبلية عب اتدخل فى السودان.
? وإذا كان أى تحرك فاعل يلزمه استثمار الكثير من الموارد، فان هذا لايعني ان مصر سوف تكون مطالبة بان تقدم مساعدات قد تعجز عنها اوضاعها في الوقت الحالي?,? حيث انها تستطيع ان تقدم الكثير من مواردها البشريه وخبراتها وثقلها الدبلوماسي ?.? فمصر يمكنها أن تلعب أدوارا عده في دارفور وفى الجنوب والشرق من خلال عمليات إغاثه واسعه وتوفير قوافل طبيه وكذلك بعثات تعليميه وجهد إعلامي وثقافي وتنويري?,? وكل ذلك يتطلب تمويلا إلا ان المكون البشري فيه هو الأكثر كلفه وهو متوافر لمصر?,? وتستطيع ان تشرك فيه الجهد الاهلي من خلال المنظمات والنقابات ورجال الأعمال?,? وسوف يلقي ذلك استجابه هائله طبقا للشواهد القائمة بالفعل,? فضلا عن امكانيه اجتذاب دعم مالى واسع من العالم العربي لهذه العمليه من خلال تحالفات مصر فى العالم العربى ?.? والأهم من كل ذلك ان تنطلق الرويه المصريه من استراتيجيه متعدده المستويات في داخل السودان وعلي المستويين الاقليمي والدولي?,? وهو الامر الحاصل الآن بالفعل?,? ولكن في اطار محاولات التهدئه ولملمه الاوضاع?,? الامر الذي ثبتت محدودية جدواه، ومن ثم فلابد من المبادره بكل قوه وتركيز علي الداخل السودانى الآن لنزع فتيل الانفجار للحفاظ علي كيان الدوله السودانية، قبل أن تصيبه تشققات وصدوع سيصبح من الصعب علاجها?.
ب- الشراكة الاستراتيجية
قد يكون من الأفضل استخدام هذا المصطلح كبديل عن مصطلح التكامل المصرى السودانى الذى يحمل ظلالا سلبية لدى بعض السودانيين باعتبارة عملية كان المقصود منها دعم نظام الرئيس الاسبق نميرى، ناهيك عن أن التكامل السابق لم يترك أثرا يذكر، وليس هناك ما يدعو إلى التمسك به لإعادة إنتاج الفشل، كما أن المصطلح نفسه يقصر عن التعبير عن متطلبات المرحلة الحالية. أما مصطلح الشراكة الاستراتيجية فانه يعنى الندية فى التعامل بين الشركاء والتوازن فى الحصول على المنافع، وهو يخاطب بعض الهواجس السودانية التقليدية التى تشكو من التعالى المصرى أو تخشى أن يكون التعاون بين البلدين لمصلحة مصر على حساب السودان.
والشراكة الاستراتيجية يجب ان تنهض على أساس اقتصادى وظيفى يسعى لاحادث تبادل اقتصادى وتجارى واسع النطاق يشمل كل مراحل العملية الانتاجية والتنموية ، ويسير فى إطار تواصل مجتمعى على المستويات الثقافية والاعلامية والاجتماعية، بحيث تنشط حركة التواصل بين البلدين فى الاتجاهين بما يخدم مصالحهما معا. على أن يكون عماد هذه الحركة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى وحركة الافراد والسلع ورؤوس الاموال، وهدفها المستقبلى أن يكون هناك تكامل اقتصادى حقيقى ينمو ويتطور مع الوقت الى شراكة متكاملة ، مع بقاء النظم السياسية فى البلدين مستقلة تبعا لخصوصياتها السياسية والاجتماعية.
وقد يقول قائل كيف يمكن بناء هذه العلاقة وفق هذا التصور والسودان يمر بمرحلة عدم استقرار وأزمات عدة فى أماكن مختلفة، والإجابة أن هذا العامل يمثل دافعا أساسيا للاسراع بهذه الاستراتيجية الشاملة التى يمكنها أن تساعد على احتواء هذه الازمات واقناع الاطراف المختلفة ببناء الوفاق الداخلى، فضلا عن أن هذا العمل إذا بدأ من الان بالدرجة الكافية من العزم ووضوح الرؤية فانه سيشكل بلا شك احد العوامل الدافعة والساعية الى رأب الصدع عكس الكثير من الادوار الاقليمية والدولية التى تسعى الان إلى الدفع باجندانها الخاصة على حساب وحدة السودان واستقراره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.