بينما ينظر شعب جنوب السودان الي ماتبقي من وقت يفصلهم عن التاسع من يناير القادم موعد تقرير المصير المضروب ، بين عقارب الساعة ذات العد التنازلي المنصوبة بعاصمة الجنوب ، تنصب محاولات مراكز البحوث والدراسات وجهود الاكاديميين في البحث عن حلول ومقترحات قبل انقضاء ال37 يوما المتبقية ، فحساب ماتبقي من وقت بعدد الايام شمالا ، وذات الشئ بلغة الدقائق جنوبا يبين وبشكل جلي ما وصل اليه حال البلاد ، لكن يبقي الامل معقودا ليس في قلب القراءات الحالية لتصب نحو البقاء في الدولة الحالية لكن في ايجاد طريق اكثر امان لمستقبل الايام القادمة . فمجموع الاوراق التي حظيت بالنقاش داخل ورشة كلية القانون بجامعة الخرطوم في قاعة الشارقة للمؤتمرات طوال ساعات يوم امس الاول ، جاءت في مجملها حاملة لافكار جديدة ومنبهة للعديد من المخاطر التي لابد من التوقف عندها الا ان تسارع الوقت نحو التاسع من يناير يترك باب المخاوف والتوتر مشرعا على مصراعيه ، فبعد ان قمنا برصد ما جاء في ورقتي استفتاء جنوب السودان والنتائج المتوقعة والحلول المقترحة التي اعدها الدكتور ابوالقاسم محمد ابو النور وورقة زعيم حزب الامة الصادق المهدي الاستفتاء واثره على المياه ، نواصل اليوم عرض ماجاء في الاوراق الاخري المتبقية . فتحت عنوان قواعد المواطنة في السودان ومشكلات مابعد الانفصال جاءت ورقة الباحث بمعهد الاخدود العظيم نصر الدين عبدالباري ، وفصلت في مفهوم المواطنة بالسودان في ضوء دستوريي السودان وجنوب السودان الانتقاليين والقوانين ذات الصلة ، والقت الضوء على جملة من السيناريوهات المحتملة حال اختيار شعب جنوب السودان الانفصال واقامة دولتهم ، كما قدم عددا من الدلائل التي توضح ان بعض القواعد القانونية المنظمة للجنسية في السودان وجنوبه لا تتسق مع المبادئ العامة لها ، محذرا من ان الامر يعتبر أزمة حقيقية ويصعب امكانية تجنب حدوث انتهاكات تحدث في العادة مابعد الانفصال وقدم امثلة علي ذلك متخذا مماترتب عقب انفصال ارتريا عن اثيوبيا ، واقترح نصر الدين على جميع القوى السياسية الرئيسية بحكومة الوحدة الوطنية العمل علي تجنب وقوع مثل تلك الانتهاكات وضمان اقامة علاقات ودية وسلمية ، لافتا الي ان التصريحات التي تخرج من الجانبين وتتحدث عن عدم امكانية حدوث عمليات طرد او مشكلات لا تعتبر ضمانات مستقبلية، محذرا من عمليات طرد جماعي يمكن ان تتم وهو ما يعد حرمانا من المواطنة واكثر انتهاكات حقوق الانسان شيوعا في مرحلة مابعد الانفصال ، واوضحت الورقة بعض الحجج والاسس التي يمكن ان يستند عليها لطرد الافراد ، عن طريق اصدار قرارات سياسية دون ان تسندها اسس قانونية من اجل طرد الافراد او المجموعات حسب عرقيتهم ، وكما ذكرنا انفا فان الورقة قدمت النموذج الاثيوبي الارتري لمقاربة الاوضاع المحتملة بالبلاد بعد ان قامت السلطات الاثيوبية بابعاد الاثيوبيين من اصول ارترية بحجة ان المقيمين في اثيوبيا صوتوا لصالح الاستقلال بنسبة 99.5% بجانب ان القوانين لا تسمح بازدواجية الجنسية، لافتا الي ان الحالة الاثيوبية لايمكن للسودان استخدامها لان القانون يسمح بازدواجية الجنسية، وان اقدمت علي طردهم لن تجد أي ارضية قانونية لذلك ، وعلي العكس من ذلك تماما فان قانون السودان الجديد يمنع الجنسية المزدوجة مما يتيح الفرصة امام السلطات بجنوب السودان من طرد وترحيل كل الشماليين المقيمين بالجنوب على هذا الاساس او على اساس انهم لاينتمون الي أي من المجموعات الاصلية بجنوب السودان مالم يكونوا قد ولدوا او يقيموا في المناطق الجنوبية في او قبل الاول من يناير 1956م . الورقة التي جاءت في مجملها مادة قانونية دسمة شرحت الصعوبات التي يمكن ان تنشأ بسبب قانون الجنسية ومفهوم المواطنة ، ووضعت خارطة طريق للخروج من الطريق الذي قد يقود الي نفق مظلم للغاية ، كشفت عن ان قانون السودان الجديد للجنسية لعام 2003 اذا تم اقراره بشكل رسمي عقب الانفصال سيحرم الالاف من الشماليين من الجنسية الجنوبية ووضعت الورقة مقارنة بين القانونين أي قانون الجنسية المعدل في العام 2005م والذي لا يقوم على الاسس العرقية والقبلية عكس قانون السودان الجديد الذي يقوم على ذلك ويتحيز بشكل صريح تجاه المرأة، لكن نصر الدين في الورقة اشار الي ان السلطات بالشمال يمكن ان تلجأ لاتخاذ قرارات سياسية علي الرغم من ان القانون لايعطيها حق حرمان المواطنين على اساس عرقي وقبلي واورد المادة 69 /2 التي قال في حال تفسيرها بشكل حرفي ستؤدي الي منع الجنوبيين من شغل مناصب سياسية هامة في دولة الشمال الجديدة ، وستحرم المواليد الجدد من اباء او امهات شماليات / جنوبيين او العكس من اكتساب المواطنة والجنسية ، وسيترك الامر على السلطة التقديرية للجهات المسؤولة ، ونادت الورقة للعمل على تسوية الخلافات السياسية بين الشريكين والانخراط في حوارات عميقة بعيدا عن النظر لشكل الخلافات ، وطالبت بحذف الاحكام المتعلقة بالمواطنة على اساس عرقي وقبلي من قانون السودان الجديد حال تم اقراره عقب الانفصال ، مما يساعد على حل المشكلات المتعلقة بالجنسية التي قد تواجه الشماليين المقيمين منذ او قبل 1956 م بجانب ضرورة التوصل لاتفاق سياسي حول وضعية الشماليين والجنوبيين بالشمال والجنوب واقترحت التوقيع على اتفاقية مشابهة للحريات الاربع ، طالبت ايضا بتطبيق قواعد الجنسية المتعلقة بخلافة الدول . وتبحرت ايضا الورقة في العديد من النقاط ذات الاهمية مستندة على جملة من القوانين ومدعمة بوجهات نظر مختلفة بجانب امثلة لقضايا مشابهة ، وفصلت في قضايا السكان غير الاصليين ،وافردت المساحة لقواعد دولة الجنوب وقانون خلافة الدولة وقواعد التوريث ، وامرا اخر كان اضافة للورقة هو التبويب والترتيب الذي خرجت به . «2» علي الرغم من اختلاف وجهات النظر بين المواطنين حول ما ستؤول اليه الاوضاع بالبلاد اذا اختار الجنوبيون الانفصال الخيار الاكثر قربا للواقع الان بعد ان اظهرت الساحة السياسية الجنوبية والمزاج العام بالشارع الجنوبي نزوحهم نحو الانفصال وعزوفهم عن البقاء ضمن السودان الحالي ، الا ان كل ثلاثة من اصل اربعة اشخاص تحدثت لهم «الصحافة» توقعوا ان تكون الاوضاع بالبلاد اكثر كارثية عقب الانفصال وان فداحتها ستلحق الضرر على الجانبين شمالا وجنوبا ، الا ان الساحة السياسية في الشمال والجنوب علي ضوء ما طرحته الورقة التي اعدها الدكتور حسن حاج علي ستتأثر بشكل مختلف علي ماهو عليه ، واعتبرت الورقة خروج الحركة الشعبية التي وصفتها بالعمود الفقري للمعارضة الشمالية يعني استمرار النظام التعددي تحت هيمنة حزب واحد حتي قيام الانتخابات القادمة التي توقع ان تشهد تحالفات جديدة عقب الوصول لحل لأزمة دارفور ، وعلى العكس تماما ستواجه الحركة الشعبية تحديا لبسط سيطرتها لتحقق الاستقرار دون اللجوء لوسائل قسرية في الجنوب بسبب حالة الرفض المحتمل بروزها عقب فترة وجيزة بعد الانفصال من قبل قوي اجتماعية وسياسية مختلفة اوردتها الورقة ، وتوقعت الورقة ان تكون علاقات الجنوب الخارجية اكثر ميلا تجاه شرق افريقيا وليس القرن الافريقي والساحل والصحراء والعمل على ان يكون لها حليف استراتيجي دولي ورشحت الورقة الولاياتالمتحدةالامريكية داعمة ترشيحها ، ببعض الخطوات التي قامت بها الادارة الامريكية وتعيينها لدبلوماسي بدرجة سفير ليعمل على ترتيب الاوضاع الانتقالية بالجنوب ، وتخطيطها بان يكون لها وجود في كل الولاياتالجنوبية العشر ، وقللت من تأثر السياسة الخارجية للشمال حال انفصل الجنوب، لكنها اشارت الي ان الاهتمام الامريكي بالموارد النفطية يهدد المصالح الصينية ، لكنها اعتبرت المصالح الاقتصادية بين الشمال والجنوب من معززات الترابط الامني بسبب النفط المورد الاساسي والمساهم الفعلي في ميزانية الجنوب والتجارة والحركة البشرية كلها ذات صلة بالشمال ، وعملية التحول نحو شرق افريقيا تكلفتها المالية واللوجستية باهظة ، ورشحت الجنوب للانضمام لجماعة شرق افريقيا التي تسعي لتكوين كونفدرالية ، الامر الذي تدعمه مؤشرات قوية تفيد ان دولتي اوغندا وكينيا تعملان على انفصال الجنوب باسرع وقت لاسباب اقتصادية وسياسية وفقا للاحصائيات التي تبين ان يوغندا حصدت ماجملته 260 مليون دولار في العام 2009م أي ما يساوي ثلاثة ضعاف ثلاث مرات في ثلاثة اعوام ، وهو ما يشكل 13% من صادرات يوغندا ، اما كينيا فقد وصلت تجارتها مع الجنوب الي 12 مليون شلن كيني بحلول العام 2009م فانها تتوقع فوائد اقتصادية اكبر بعد الانفصال .