ظلت المرأة دوماً تحت الرصد والمتابعة، وإن إدعينا المساواة وان تظاهرنا باعطائها كامل حقوقها، ولو رفعنا شعارات الرجل نصير المرأة وشعارات حقوق المرأة والمساواة وغيرها من الشعارات. وفيما يبدو واضحاً وجلياً مازال الطريق امام المرأة طويلاً حتى تنال كامل حقوقها. ومازالت الكثير من انساء يعانين من تاء التأنيث ويقف امامهن قدر انهن خُلقت نساءً..!! وفيما تعاني بعض النساء من مهن كالهندسة والقانون، ويقفن مناديات مطالبات بالمزيد من الحرية والوعي بدورهن، فيما هن ذلك تقف بعض الكاتبات على حافة الجنون حول ما يكتب عن جرأتهن لتناولهن بعض المواضيع واسترسالهن وايغالهن في الكتابة. وإذ يرفل الرجل تحت عباءة المناصحة والتغاضي وغض الطرف وينظر الى كتاباته كأنها أمر عادي يقبله المجتمع ولا يحاسبه عليه، اذ هو كذلك تطلق النار على بعض مما تكتب المرأة، كأن المجتمع يولومها على هذا البوح، أو تلك المساحة من الحرية التي ظل قلمها يبحر فيها. فهل الكتابة إلا أفكار ورؤى وتجليات تراود خاطر كاتبها، تغالبه وتعاوده، واحياناً تلح عليه بالخروج..!! انها كما المخاض معاناة ورهق تعب وامعان واسترسال. افكار تتقارب وتتباعد تنصهر وتتزاوج، لتخرج في آخر الأمر عملاً يرى النور، وقد يخلب الألباب، وسحرها يسافر بها إلى سموات من الروعة، يقدم حلاً، يدعم فكرة، يزيل بعض اللبس أو الغموض، يصحح بعض الاخطاء، يضع الامور وفق نصابها، يوجه المجتمع، ينير أمامه الدرب، إن الكاتب مرآة مجتمعه وبوصلته ومصحح اخطاءه، انه الموجه والمدبر. والكلمات حينما تراود الذهن وتعاود الكرة مرة ومرتين وثلاثاً، حينما تشغل ذهن كاتبها، انها تريد بذلك الخروج والتعبير، غير مغرقة بين الانامل التي خطتها والعقل الذي صاغها، رجلاً كان أم امرأة. انها الافكار اذاً... وانها الرؤى وانه الفكر الخلاَّق والعقول التي لا تنضب. ولكن إلى متى نصنف الاعمال، بل وزد الى ذلك إلى متى نظل نعتب على الانثى جرأتها في تناولها ومعالجتها لبعض المواضيع المطروحة خلال عمل روائي أو مجموعة شعرية أو غيرهما؟ وكأنما عليها كأنثى أن تمر على المشكلات والمواضيع مرور الكرام. لا تتوغل فيها ولا تسبر أغوارها، لا تلبس الصراحة رداءً ولا تعري الحقائق وتطهرها..!! نطلب منها ذلك، وكأننا بذلك نتجاهل ما نحن عليه في عصرنا هذا من انفتاح!! متجاهلين هذه السماوات المفتوحة والحريات المتاحة. إننا في عصر اليوم كل شيء فيه جرئ وفاضح ومكشوف!! فكيف للكتابة ان تستتر؟ وكيف للكاتبة أن تتوارى خجلاً؟ لقد تغير كل شيء الآن إذن..!! وتلك الكتب التي كنا نتناولها في سرية ونقرأها في كتمان وبعيداً عن الأعين!! ويتحدث النقاد عنها بحذر، بل ويكتبها كاتبها في خوف ووجل، إنما حدث ذلك لأنها كانت في زمان كل شيء فيه بسيط وغير موغل في الجرأة والحرية، بل حتى الحياة نفسها كانت بسيطة وهادئة. وفي الوقت الذي كانت تحدث فيه كل الاشياء بتستر وفي خفاء وقليل من حياء وخجل، كان على الكاتب وعلى الأديب والمبدع أن يتناولوها بذات الهدوء والحياء!! وذات الخجل!! إنه قانون لكل فعل ردة فعل...الخ. ولكن!! الآن وفي يومنا هذا.. في عصرنا هذا، لقد تبدل كل شيء وتغير!! زادت حدة الفعل، فهل يظل رد الفعل على حاله؟ زاد الفجور وزاد العبث والجنون، زاد التفسخ والمجون، فكان لا بد أن يقابل بردع أكبر، يوازيه ويقابله بل يساويه. وهل الكتابة إلا تسليط الضوء والاشارة إلى نقاط الضعف؟ بالتلميح والايحاء وغيرهما من الطرق التي يلتمسها الكاتب؟ فيدلف إلى عوالمه حاملاً أدواته، حافراً في البعيد موغلاً.. فإذا كانت الكتابة كذلك، فلا بد إذن أن تترك للكاتب مساحته ليلونها كيفما اتفق، وليدعو من خلالها إلى ما يردع ويمنع ليبدع ويحلق بلا قيود. وأعود لأقول إن المرأة والرجل في ذلك سواء، لا فرق بين حكم خطت كلماته امرأة وآخر وقع بين يدي رجل لينحت به بعضاً من افكاره. وإذ تعاودني الأفكار وتنوشني إزاء بعض ما يوضع من عقبات أمام الكاتبات «أحياناً»، أذكر مقولة للروائية السودانية القديرة بثينة خضر مكي في لقاء لها بقناة «الشروق» الفضائية، أجرته معها المذيعة نسرين سوركتي، من خلال برنامجها «فن وسياسة» قالت الروائية بثينة خضر مكي أثناء محاورة المذيعة لها وحديثها معها عن جرأتها الواضحة في أعمالها الروائية، قالت إنها تشتري قلمها الذي تكتب به أعمالها من ذات (الدكان) الذي يشتري منه الرجل، ثم اضافت: «قلمي عادي، لا لابس توب ولا محنن». بهذا أرادت الروائية بثينة خضر مكي أن تقول إن الكاتب يجب ألا يحاسب بجنسه كونه رجلاً أو امرأة..!! معللة بأن الكاتب هو الكاتب. والقلم لا يفرق بينهما في الجنس! وإذا كانت ثمة محاسبة فيجب أن تكون في تقييم العمل، ذلك ان الافكار لا تختار جنس كاتبها!! فهي كما تناوش الرجل تجتاح الأنثى، تحاصرها، تغالبها، محاولة الخروج والتدفق. والكتب التي يقرأها الرجل الكاتب قد تكون هي ذات الكتب التي تلتهمها المرأة، والتعليم هو ذاته، فلماذا يُقبل فكر الرجل وجرأته وتوغله في (المسكوت عنه) بينما يرفض ذلك من المرأة!! نحاسبها على ما يخط يراعها.. نذكرها بأنها امرأة وانها مختلفة. ثم لماذا يُنظر لكل عمل خطته المرأة كأنها البطلة الحقيقية لعملها ذلك؟ ثم نظل نبحث عنها بين أبطالها؟ وننسب إليها من نشاء من البطلات؟ بل نردد أحياناً بأن العمل ليس إلا قصة حياتها؟ بل لماذا أحياناً ننسب بعض الأعمال الرائدة التي كتبتها نساء إلى رجال؟ كما فُعل من قبل بالكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، وكما فُعل مع الكاتبة الكويتية ليلى العثمان..!! وليلى العثمان أيضاً قالت في لقاء لها على قناة «أبو ظبي» في برنامج «مثير للجدل»: «اتهموني قبل سنوات بأن زوجي هو من يكتب ليَّ. وأنا الآن منفصلة عنه ومنذ عدة سنوات، ومازال عطائي متواصلاً. مازلت أكتب!! فهل مازال زوجي السابق يكتب لي ونحن منفصلان؟». لماذا نبخس المرأة أشياءها؟ ولماذا نحاول تجريدها من أسلحتها؟ لماذا تساورنا الشكوك حول ما تكتب المرأة؟ هل نريد لها العودة للعصور الأولى؟ هل نريد لها الخنوع والركون بعد سنوات حاولت فيها المرأة أن تثبت ذاتها وأن تحقق نجاحاتها؟ وان تقتحم أشد المجالات خطورة، وتناضل من أجل أن تكون إلى جانب الرجل..!! لكن أقول: دعوا الأعمال الجميلة ترى النور. ودعوا الأقلام المبدعة تخط أجمل ما صاغه الخيال. واتركوا للخيال العنان ليحلق في سماوات الروعة، افتحوا الدروب والابواب، اشرعوها في سلام ليمر الجميع، ولا تنظروا أبداً إلى اليد التي حملت القلم ان كانت مخضبة أم لا. ولكن انظروا إلى الكلمات التي خطها القلم وتمعنوا فيها، عيشوا بين الأسطر، ودعوا الكتَّاب يشيرون بكلماتهم وأقلامهم وبإحساسهم المبكر إلى مواطئ النقص في المجتمع بنظراتهم البعيدة وتحليلهم الدقيق، وسبرهم لغور الاحداث، ووضعهم للحلول.. فإن وُجد مثل هذا الكاتب، في زمان مثل زماننا هذا، كاتب مبدع يعالج شطط المجتمع، ويبحث عن حلول لكل ما جدَّ أمامنا من معضلات.. أقول إن وُجد فدعوه يرسم الحلول جرأة وإيغالاً في «المسكوت عنه» فلا شيء على أيامنا هذه مسكوت عنه.. على أيامنا هذه كل شيء مباح.. لقد أدخلت التكنولوجيا الحديثة كل شيء إلى كل «حتة» من منازلنا. لقد وصل الخطر حتى مخادعنا..!! والآن، اليوم بإمكان طفل في العاشرة، بل السابعة من عمره، أن يضغط على زر في جهاز هاتف سيار أو جهاز تلفزيون أو حاسوب، بإمكانه وفي غفلة من الجميع أن يشاهد ويسمع أضعاف ما تكتب يد كاتب جرئ.. فهل عاد الآن في كوكبنا أمر «مسكوت عنه»؟ وهل العالم اليوم إلا غرفة صغيرة؟ فلندع المرأة إذن تبدع وتكتب وتبحر في سماوات من الدهشة.. ولنتغاضَ عن النوع والجنس و(الجندر) قليلاً فقط!! ونبحث عن حلول أعمق لمشكلات استشرت وازدادت وتجذَّرت وتعمقت في مجتمعاتنا. ولنفتح الباب لهنَّ كاتبات، مبدعات، يبحرن في عالم الخيال بلا خوف من أن يسمعن ذات همس بكلمات مفادها: إنه نص امرأة، أو إنها رواية كاتبتها امرأة أو شعر خطته يد امرأة..!! ولنتلذذ بطعم ونكهة الكتابة، نبحر مع الكلمات، نسافر، نستخرج العبر والحكم.