أذكر أنَّ قيادياً بحزب المؤتمر الوطني ونافذاً في الحكومة هو الدكتور أمين حسن عمر كان قد قال قبل نحو عامين يزيدان ولا ينقصان في معرض تعليقه على إحتجاجات القوى السياسية على محاصرة قوى الأمن من شرطة وغيرها لنشاطها السياسي السلمي ومنعها من تسيير أية تظاهرة سلمية ما لم تحصل أولاً على تصديق منها، ثبت عملياً أنها لن تحصل عليه أبداً، قال هذا القيادي وفي لحظة تجلٍ عقلاني ما معناه أن على السلطات الأمنية المعنية بمنح التراخيص للندوات والاحتجاجات السلمية أن تتحلى بسعة الأفق والموضوعية عند تعاملها مع مثل هذه الطلبات ودعاها لأن لا تغلّب الاحترازات والاحتمالات عندما تنظر فيما يردها من طلبات باقامة المسيرات أو عقد الندوات باعتبار أن الاحترازات التي تتحجج بها هذه السلطات مقيدة للحريات ومنها بوجه أخص حرية التعبير.... الآن ما أحوجنا للموضوعية وسعة الأفق للتعامل مع النشاط السياسي لمختلف الأحزاب والتنظيمات وخاصةً تلك المنخرطة في العملية الانتخابية ذلك أن الندوات والمخاطبات الجماهيرية والليالي السياسية تعد بكل المقاييس إحدى أهم مقومات الانتخابات التي لا تقوم لها قائمة بدونها ،اللهم إلا إذا كانت انتخابات سكوتية تتم من سكات أو بكماء على النحو الذي كان يجري طوال عهد الانقاذ وإلى ما قبل اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي اللذان اشتملا على عبارات واضحة تنص بقوة على حرية التعبير، هذا فضلاً عن حزمة المقررات والوثائق والمواثيق المحلية والاقليمية والعالمية الداعية بشدة إلى حرية التعبير والسودان كدولة وحكومة جزء منها بتوقيعه على أغلبها إن لم يكن جميعها، ولكن ورغم هذا التقدير الكبير لحرية التعبير الذي حواه القانون الأعلى الدستور والاتفاقية الحاكمة والمتحكمة في المشهد الوطني إلا أن كل هذا التقدير قد عصفت به قوانين أخرى أقل منها قامة وشأناً وقيمة وهي القوانين التي وضعت النشاط السياسي تحت رحمة الجهات الأمنية بدعوى الحفاظ على الأمن، وكأن النشاط السياسي السلمي نشاط متفلت وضد الأمن وهو عند هذه الأجهزة متهم إلى أن يثبت براءته خلافاً لما تقول به القاعدة القانونية الشهيرة المتهم برئ حتى تثبت ادانته، رغم كل ذلك نقول انه لو جاز تطبيق هذه القوانين المحجمة للنشاط السياسي والتي ترهن تحركات القوى السياسية لتقديرات الجهات الأمنية فيما مضى من وقت، إلا انه لا يجوز الاحتجاج بها في الوقت الذي تجري فيه انتخابات يراد لها قولاً لا فعلاً أن تكون انتخابات شفافة وحرة وعادلة ونزيهة، فرغم وجود هذه القوانين كان يمكن للجهات صاحبة السلطة للتصديق للاحزاب والتنظيمات بممارسة نشاطها السياسي الطبيعي أو منعه أن تتحلى بأعلى قدر من سعة الأفق والموضوعية التي تحتاجها الآن مع دوران عجلة الانتخابات أكثر من أي وقت مضى ،فلا تتدخل بأية صفة لتقييد النشاط السياسي مع احتفاظها بكامل الحق في مراقبة هذا النشاط وحراسته وتأمينه تحسباً لأي انفلات لا ان تفترض الانفلات ابتداءً فتقدر البلاء قبل وقوعه، ثم كيف تتحقق عدالة الانتخابات ونزاهتها إذا كان الولاة والمعتمدون يقفون على رأس الجهات التي تصدق للأحزاب أو تمنعها من ممارسة حقها السياسي الطبيعي، وهم جميعاً منتمون لحزب سياسي ينافس بضراوة في الانتخابات بل وفيهم كثير من المرشحين تحت لافتة هذا الحزب فهل يجوز أن يكونوا الخصم والحكم في آنٍ معاً....