مقالتان اوحتا اليّ هذا المقال.. احداهما: مقال لدكتور الطيب زين العابدين صدر بصحيفة الصحافة الغراء العدد (6241) بتاريخ 5/12/2010م بعنوان: هل اخطأت الجماهيرية الليبية..؟! قدم فيه عرضا لملابسات عدم حضور الرئيس لمؤتمر القمة الافريقية الاوربية الذي عقد في العاصمة الليبية طرابلس 29 - 30 نوفمبر يقول فيه: (من الافضل لحكومة السودان ان توطن نفسها علي قبول الحقيقة السياسية المرة وهي ان الدول الغربية مصرة على مقاطعة الرئيس في كل المحافل الدولية وهي حقيقة مضرة بالسودان)..! اما الفقرة الاخرى يقول فيها: (وقد رفضت الحكومة بحماقة الصفقة التي عقدها مولانا دفع الله الحاج يوسف والاستاذ علي كرتي قبل ثلاثة او اربعة اعوام مع مدعي المحكمة اوكامبو في النرويج وليس هنالك سبيل لخروج السودان من المأزق الداخلي والخارجي الذي تورط فيه والذي يقدر بالمزيد من المشكلات بعد انفصال الجنوب الا عبر ثلاثة خيارات: ٭ الاول : معالجة قضية المحكمة مع الاعضاء الدائمين في مجلس الامن وبتطبيق العدالة على مرتكبي الجرائم في دارفور بواسطة محاكم مختلطة كما اقترحت لجنة ثامبو امبيكي او بنظام الحقيقة والتعافي والمصالحة نمط المغرب وجنوب افريقيا.. ٭ الثاني: الاتفاق على السياسي الواسع علي مشكلة دارفور بمشاركة كل القوى السياسية ، والمدنية ، والفصائل الدارفورية المسلحة وتعميم ذلك ليشمل كل قضايا السودان الاخرى ،التحول الديمقراطي، المشورة الشعبية لجنوب كردفان، العلاقات الدولية والمشكلة الاقتصادية، ويتطلب ذلك تنظيم انتخابات جديدة عقب انفصال الجنوب تحت حكومة قومية تشترك فيها كل القوى السياسية الكبرى. ٭ الثالث: ان يفدي الرئيس البشير الشعب السوداني من العقوبات الدولية القائمة والمتوقعة بالتنحي عن السلطة وان يؤسس وضعا انتقاليا قوميا قبل عقد الانتخابات الجديدة في الشمال يتفق عليها بين كل القوى السياسية بعد فترة من استقرار الاحوال)... انتهى... لقد قدم د. الطيب وصفة متكاملة كاملة وحدد الدواء، كما انه قدم معلومات قيمة وجديدة لم نسمع بها من قبل عن لجنة مولانا دفع الله والاستاذ علي كرتي وسعيهما لطي ملف الجنائية عكس ما كان ينادي به بعض المستشارين بل وزراء عدل سابقون وتصريحات اضرت بالبلاد والعباد منها علي شاكلة (يموصو ويشرب مويتو) هؤلاء يجب ان يسألوا؟ ومن كان منهم في السلطة يجب ان يعزل ويذهب غير مأسوف عليه، لأنه ان كان يعلم خطورة الامر ويتمادى في تبسيط الامر والتضليل ، فهذه مصيبة وان كان لا يعلم فالمصيبة اكبر.. ننفذ للخيار الاول وهو خيار معقول ومقبول سيما الجزء الثاني منه المحاكم المختلطة كما جاء في اقتراح لجنة ثامبو امبيكي وفيه: رغم ان الحبل سيجر عددا كبر من المسؤولين إلا انها تنقذ السيادة الوطنية وتحقق مقدارا من السلام والعدالة، ثم اذا كانت مؤلمة فهي ليست اكثر ايلاما من الانفصال؟! ان الذي يجعلنا نقبل بالانفصال بمراراته وتبعاته اهون من المحكمة المختلطة، اولا لأنها في ارض السودان وهذه تعني حفظ السيادة... ثانيا: الخلطة تعني مشاركة القضاء السوداني والشرطة السودانية وداخل ارض السودان ومحاطة بكل مظاهر سيادة الدولة.. كما ان العرف الاسلامي يقبل ان يجلس امير المؤمنين في محكمة مدعي او مدعى عليه - سيدنا علي مع اليهودي، وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد، كما انه لا كبر علي القانون .. يبدو ان الامر كمقترح مقبول لدى الغرب لأنه اتى من لجنة امبيكي، اما الخيار الثالث: هو ان يفدي الرئيس الشعب السوداني من العقوبات الدولية القائمة والمتوقعة بالتنحي عن السلطة؟ وهذا خيار فيه بعد وتترتب عليه اسئلة كثيرة..!! السؤال لاستاذنا د. الطيب: هل تنحي الرئيس لوحده يطوي ملف الجنائية؟! ثم هل نضمن الا يلاحق الرئيس بعد تنحيه؟! ثم من يخلف الرئيس المنتخب والذي ستنتهي ولايته في عام 2014م، ثم هل يسمح المؤتمر الوطني الحزب الحاكم بذلك؟! بل هي سيناقش الحزب مثل هذا المقترح؟ وهل سيتم تغييره عقب الانفصال؟ وهل سيغير الدستور والقانون! بانتهاء اجل الدستور وقانون 2005م، ؟ الانتقالي؟ وهذا يقودني الى سؤال آخر مهم... هل هذا اتجاه بدأ يبرز عبر الوسائط الاعلامية خاصة الصحف، اسوق الدليل الثاني والذي نشر بصحيفة الاهرام اليوم العدد (346) بتاريخ الاربعاء 8 ديسمبر 2010م، اي بعد ثلاثة ايام من مقال د. الطيب زين العابدين، وهي مقابلة مع القيادية التاريخية في الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني والمجلس الوطني الدكتورة/ سعاد الفاتح البدوي، اجابت فيه على اسئلة كثيرة من المحررة سوسن يس التي ادارت الحوار.. قالت في احدى الاجابات: (الرئيس قال لنا: «استقالتي في جيبي... أنا لا اريد ان احكم.. الحكم شيلوهو»!! .. وكما هو معلوم في سيرتها الذاتية انها اول امرأة تصل الى مركز القيادة بالحركة الاسلامية ، واول امرأة تتقلد منصب عميد كلية جامعية، ونائبة برلمانية في مجالس نيابية متعددة وهي الآن عضو بالمجلس الوطني وعند المفاصلة انحازت الى صف القصر ضد المنشية - وقد زاملت د. حسن الترابي بجامعة الخرطوم، وكانت من المعجبات بأفكار الشيخ وكسبه في السياسة والدين..!! اما د. الطيب انه من قيادات الحركة الاسلامية.. مفكر .. يؤمن بالعمل السلمي ضد العنف مع الوسطية وحوار الاديان ضد الانقلابات العسكرية بل لم يكن من المؤيدين لانقلاب الحركة الاسلامية في 1989م، لأنه يرى ان الحركة الاسلامية بكسبها السياسي استطاعت ان تنافس الاحزاب التقليدية العتيقة وان تتوسطهم في انتخابات عام 1986م، وتأتي في المرتبة الثالثة وتقود معارضة جادة وملتزمة وانها ليست في حاجة لانقلاب.. من نتائجه تقطيع اوصال السودان والازمات المحلية والعالمية والتي طغت على انجازات الانقاذ... في تقديري انه تناول هذا الموضوع بتجرد شديد قصده الاصلاح ما استطاع الى ذلك سبيلا والرجل مشهود له بقول الحق الذي ربما يغضب الآخرين . واذكر له احد انجازاته التي تؤكد مقدرته على التنبؤ بمآلات السياسة.. جاء الى باكستان مبعوثا من الحركة الاسلامية السودانية لتقديم مشورة سياسية للحركة الاسلامية الباكستانية وكان بصحبته الاستاذ حسن عثمان رزق، المهمة هي معرفة موقف الاحزاب الباكستانية وهي تستعد لخوض انتخابات عامة عقب اغتيال ضياء الحق في حادث الطائرة التي لقي فيها حتفه، مكث د. الطيب والاستاذ حسن رزق شهرين بعد ان طافا على كل اقاليم باكستان واطلعا على كل وثائق الاحزاب الباكستانية وقياداتها، فكانت النتيجة التي خرجا بها ان حزب الشعب الباكستاني بقيادة بنازير بوتو سيفوز بالاغلبية الساحقة وقد كان... اذن ينبغي ان يأخذ برأيه بل يستشار ان لم يكن مستشارا... التحية لك يا دكتور ومتعك الله بالصحة والعافية.. فقد نصحت ... فهل من سامع مجيب..؟ ونواصل..