لم اكن اتوقع عندما كتبت مقالاً الأسبوع الماضي عن الاهتمام بالدفاع المدني وضرورة أن تكون القوات المسلحة يداً طولى في هذا المجال، تحسبا لتلك التطورات التي تنتج من تداعيات انفصال الجنوب، لم اتوقع ان تكون امكانيات الدفاع المدني بهذا التواضع في بعض الولايات، خاصة في ولاية مثل نهر النيل التي تقع كل محلياتها على النيل، وبهذا يجب أن تكون احتياطاتها في آليات الدفاع المدني اكبر، خاصة أن سكان الولاية على الضفتين هم اهل يتبادلون الزيارات والمناسبات الاجتماعية على امتداد العام، من قبل أن تنفذ الحكومة الاتحادية هذه الجسور التي سهلت من عمليات التواصل بين سكان الضفتين، دون أن تكون هناك خسائر كبيرة في الأرواح. فقد كشفت حالة غرق أحد الشبان في مدينة شندي يوم الجمعة الماضية، هوان الإنسان عند حكومة الولاية المنتخبة من إنسان الولاية، لكي تقدم له الخدمات الممكنة في المجالات المختلفة، فقد لا يساوي تلك القيمة التي نقلتهم الى سدة الحكم عبر الانتخابات وعبر صوت هذا الانسان المسكين الذي استنجد اهله بالدفاع المدني لكي ينتشل جثمان ابنهم من داخل النيل، وفشلت مجموعة الغطاسين في العثور عليه رغم أنه لم يتحرك من مكانه، وهذا ما كشفه فريق الغطاسين الذين جاءوا بطلب من أهل الغريق، حيث وجدوه في أقل من «15» دقيقة، بينما غطاسو المحلية فشلوا في العثور عليه خلال يوم كامل ويزيد. ومن هنا يتضح الخلل الكبير الذي يحتاج لمعالجة فورية من حكومة نهر النيل التي يتكون معظمها من «جنرالات» والي الولاية التي وصلت الى رتبة «لواء»، ومعتمد شندي نفس الرتبة «لواء» ومعتمد المتمة «لواء» ووزير الحكم المحلي وصل الى رتبة «العقيد»، ووزير التربية كان منسقا لقوات الدفاع الشعبي على المستوى الاتحادي، وهذه قد تعادل رتبة «لواء». فحكومة بهذا المستوى هل تعجز عن توفير ابسط مقومات الدفاع المدني؟ انها فضيحة، فلو أدركنا عدد انابيب الأوكسجين في ولاية مثل نهر النيل، فهل لك أن تتخيل أن مقابل كل محلية أنبوبة واحدة، وأن «الكبرسون» الذي يملأ هذه الأنابيب لا يوجد إلا في عطبرة في رئاسة الولاية، وأن كل أنبوبة لا تساوي الزمن المحدد ب «ساعتين ونصف» لكل أنبوبة. والسيد والي الولاية من ابنائها، وكل فريق حكومته تقريبا من أهل الولاية، فهل جلس السيد الوالي وناقش امكانيات الدفاع المدني في ولايته؟ هل قدم واحد من نواب المجلس التشريعي مساءلة وناقش البرلمان الجهاز التنفيذي في هذا القصور؟ السيد الوالي لو حضرت جزءاً من الحديث الذي دار بين معتمد محلية شندي ومسؤول الدفاع المدني في ولايتكم لفارق النوم عينيك، لأنها لم تكن «بقرة» عثرت في أطراف الولاية، بل إنسان ذهب في جوف النيل، وعجزت كل آليات حكومتكم عن انتشاله من النيل، واستعانت أسرته بعلاقاتها في الخرطوم من أجل انتشاله من النيل، فاذا كانت حكومة «الجنرالات» قد عجزت عن انتشال «جثة» من النيل، فماذا ينتظر منها الأحياء؟ هل تصبح حكومة ولاية نهر النيل «جنازة بحر»؟ أم أن السيد الوالي سيتخذ من الإجراءات ما يعيد به الثقة للمواطن الذي يصارع الآن ارتفاع الأسعار؟ فهل مطلوب منه أن يجهز آليات «الغطس» مثلما يجهز أليات حفر القبور؟ إننا ننتظر احتفالاً كبيراً تقيمه الولاية بتسليم كل محلية معدات الدفاع المدني، ونرجو ألا ننتظر طويلاً.