الانقلابات العسكرية الفاشلة فى بلادنا وعلى الرغم مما يكتنف ذكرياتها من أوجاع وأحزان لدى العديد من الأُسر بسبب الأحباء الذين طواهم الموت، إلا أن تلك الأيام فيها بعض طرائف تنتزع الضحك والابتسام من لجة الحزن الغامر. أضحكنى الصديق د. حسن الجزولى وهو يوثق لانقلاب هاشم العطا فى 19 يوليو 71م، عبر كتابه الشهير «عنف البادية.. وقائع الأيام الأخيرة فى حياة عبد الخالق محجوب»، فرغم تراجيديا الحزن العاصف بين صفحات الكتاب، إلا أن ما كان فى شأن «جماعة القنطرة» يجبر المرء على الضحك والابتسام. تقول صفحات الكتاب «كان حسب الرسول عرابي وصلاح محمد نور الدين وإدريس المهندس من ضمن المعتقلين فى سجن كوبر عقب فشل الانقلاب، وقد اشتهر ثلاثتهم ب «جماعة القنطرة»، أما سبب التسمية فيعود الى أنهم، ومع كونهم لا تربطهم صلة بالحزب الشيوعى أو الانقلاب، كانوا أصدقاء حميمين لعبد الخالق محجوب، وقد سجلوا زيارة لمنزله بأم درمان صباح يوم 22 يوليو اليوم الثالث للانقلاب، حيث أن جموع المهنئين لم تنقطع طوال الأيام الثلاثة التى هى كل عمر الانقلاب. لكن الأصدقاء الثلاثة عندما لم يجدوا عبد الخالق كتبوا له مذكرة قالوا فيها مداعبين «نحن قنطرناها وإنتو شتوها» !... أى نحن هيأنا الوضع السياسى لاستلام السلطة وأنتم قطفتم الثمار، وأصروا على كتابة أسمائهم بالامضاءات . ولم تكن المذكرة أكثر من دعابة عكست روح حسب الرسول المرحة.. وفى عصر نفس اليوم وقعت الواقعة وانهزمت حركة هاشم العطا. وعندما قام رجال الأمن بتفتيش منزل عبد الخالق أخذوا كمية من الأوراق منها «مذكرة القنطرة» وبعد أيام تم اعتقال الفرسان الثلاثة أصحاب القنطرة، وكانت القنطرة الموضوع الأساسى فى التحقيق معهم، كما كانت موضوع تندر داخل السجن حتى من حسب الرسول وصاحبيه». فى ذات تلك الأيام المريرة تذكرت طرفة لا أدري إن كانت صحيحة أم هي محض خيال.. تُنسب الطرفة لقاضى شرعي كسلا فى تلك الأيام، إذ أرسل برقية بثها الراديو لهاشم العطا يقول فيها «الرائد هاشم .. نؤيدكم ونشد من أزركم .. اضربوا على الخونة بيد من حديد.. إمضاء.. قاضى شرعي كسلا»، وبعد ثلاثة أيام إنهار الانقلاب واستعاد النميرى السلطة من جديد. وإذا بالراديو يبث برقية جاء فيها «الرئيس القائد نميرى.. نؤيدكم ونشد من أزركم.. اضربوا على الخونة بيد من حديد.. رجاءً اعتبار برقيتنا السابقة ملغاة ..إمضاء ..... قاضى شرعى كسلا» . ولصديقنا الراحل العقيد «ب» الذى عُرف بظرفه ودعابته، طرفة أخرى تستحق أن ترصد وتوثق، فقد رُزق فى يوم انقلاب هاشم العطا بولد تصادف أن سمَّاه عبد الخالق. وبعد عودة نميرى وانهيار الانقلاب تحيَّن الوشاة تلك الواقعة وراحوا ينقلون للنميرى أن العقيد «ب» سمى مولوده عبد الخالق تيمناً بعبد الخالق محجوب وتقرباً من قادة الانقلاب، فأضمرها النميرى فى نفسه ومضى يسأل العقيد «ب» بقوله «مبروك ... قالوا جابوا ليك ولد يوم الانقلاب.. سميتو منو؟» .. أدرك العقيد «ب» المطب القادم في ثنايا السؤال، وأجاب والابتسامة تعلو وجهه: «سميتو عبدو يا ريس»..!!