بت شيخ خوجلي ..قابلة الحي .. تخرج من الغرفة الى والد المولود الجديد تبشره بغلام حليم ..وهو أكيد ما بقصر .. «غمت » في يدها مبلغا من المال والفرحة تنطق بها أساريره والتي انتقلت الى أساريرها فأخذت زغاريدها تملأ المكان .. وبحركة درامية متقنة تدل على فخرها وإعجابها بإنجازها الجديد وخبرتها ومهارتها في مجالها، والحوش يتزايد فيه الزحام من أهل المولود قالت للحضور: مولودكم بفضل الله كمل تسعة شهور في بطن أمه .. وجنا السبعة شهور بعيش .. إلا جنا التمانية شهور .. مابعيش !! .. ..ودولة جنوب السودان حديثة الولادة .. رغم وضعها في «الحضانة» من قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي .. إلا أن صحتها تدهورت .. بداية من الشهر الثاني لميلادها .. « أغسطس 2011» _ « الأممالمتحدة : 600 شخص على الأقل لقوا حتفهم في اشتباكات عرقية بولاية جونقلي » .. وديسمبر ذات عام الميلاد « اندلاع قتال دامٍ بين أبناء الدينكا بالجيش الشعبي الموالين لسلفاكير وأبناء النوير بالحركة الشعبية الموالين لريك مشار في ضواحي العاصمة جوبا » .. ومن بعدها توالت الأحداث .. من تمرد وحدات بقياداتها .. ومحاولة انقلابية على سلفاكير من رفاقه القياديين بالحركة الشعبية كادت ان تكتمل عناصرها .. وتبادل للسيطرة على المدن الاستراتيجية بين القوات المتمردة والقوات الحكومية «ملكال – واو – بور – ملكال » وبين كل ابدال سيطرة في مدينة وإحلال .. يسيل دم إنسان الجنوب شلالاً .. هذا العام .. والمفارقة في ذات شهر الانفصال .. بل ذات اليوم والليلة .. وبينما العاصمة جوبا تنتظر في لهفة إعلان بشارة السلام من الغريمين أكبر أطراف النزاع « سلفا – مشار » .. والأصوات القليلة المتفائلة تنادي بأن يكون احتفال هذا العام مميزاً يليق بعظمة الوفاق والاتفاق وذكرى قيام الدولة .. وإنسان الجنوب البسيط يمني النفس فقط بحياة آمنة .. مستقرة ..و.. إذا بالرصاص ينطلق داوياً يملأ المكان .. يئد في قسوة جنين أمل طال انتظاره .. فتبخرت سحابة مزن .. ومن أين بدأ مطر الموت هذه المرة ؟!! .. من أمام القصر الرئاسي بجوبا !! .. فانفتحت أبواب جهنم .. وانطلقت كل أنواع أسلحة القتل تتكلم .. وتراكمت الجثث أكواما .. أكواما .. والأشلاء تناثرت بين الأشجار .. وجرحى ومصابون يزحفون بأيديهم .. وأطفال ونساء يفرون .. يفرون لا يدرون الى أين ؟! .. وممن ؟! .. والى من ؟! .. .. إحساس بالخجل العميق والحرج البالغ بدا على محيا مايسمى بالمجتمع الدولي .. الذي رعى فكرة الانفصال منذ أن كانت نطفة ..حتى أخرجها الى الدنيا مولودة تعاني .. تعاني من هشاشة العظام .. وسوء التغذية .. وجفاف ثدي الأم .. بكماء .. صماء .. عمياء .. لاتقوى على الابتسام .. لكنه أصر في غيه !..وأخذ يحملها مالا تطيق مستعجلاً دورها المرسوم لها .. فأتى بالمرضعة الصناعية « أوغندا » .. والمربية المنزلية «كينيا » .. والأم البديل « إسرائيل » .. متجاهلين في غباء نصيحة الحصيفة « بت خوجلي » التي اعتصرت خبرة السنين وقالت : « جنا التمانية شهور .. مابعيش » .. .. كسودانيين .. أملنا كبير في تحكيم صوت العقل بين طرفي النزاع والعودة الى حظيرة التفاوض ليتوقف هذا النزيف وهذا الدمار الذي يواجه اخوتنا بجنوب السودان .. والحقيقة الناصعة أن حل عقدة الحرب والنزاع في دولة الجنوب بيد « سلفا ومشار» والعقلاء من أبناء الجنوب .. لا بيد غيرهم .. وأي تدخل خارجي إنما هو تأجيج لصراع جديد .. ليكون الاتفاق على تفعيل بنود اتفاقية السلام التي انعقدت العام الماضي بين الطرفين .. فتشكل حكومة وحدة وطنية .. فتحقن الدماء .. وتبدأ مسيرة سلام وتنمية في قرى ومدن دولة الجنوب..فنفرح لفرحهم .. ونسعد بعيشهم في أمن وسلام ..و..