تذكرت قصة أبى سفيان وإسمه الحقيقي أبو سفيان عبد الرازق فقد ملأ الدنيا وشغل الناس قبل عام أو أكثر.. على الأقل دنيا الصحف السودانية والكندية التي ناصرت قضيته حتى لحظة قطاف النصر أو دخوله إلى موطنه الثاني كندا. بدأت القصة شأنها شأن كل روايات الإغتراب والهجرة السودانية في بداية التسعينيات حين هاجر أبوسفيان وعمره لم يتجاوز ثمانية وعشرين سنة إلى كندا حيث طلب حق اللجوء ومُنح له في العام 1992م، وفي عام 1995م قدم طلباً لمنحه الجنسية الكندية فنالها وأصبح مواطناً كندياً له كل حقوق وواجبات المواطنة. إن السودانيين بطبعهم شعب غير مهاجر فنحن أناس ولوفون يكاد الدمع يطفر من أعيننا إذا ما أُضطررنا لمغادرة قرانا والتوجه نحو المدن فما بالك بمن يترك الأوطان ويقطع الفيافي والمحيطات ليستقر في المهاجر الباردة. لسنا مثل أهل اليمن الذين هم شعب مهاجر بالفطرة تستهويه التجارة فيما وراء البحار، فكان أن أقام نفر كبير منهم بين ظهرانينا وأقاموا المتاجر وسط أحيائنا في كل مدن السودان وساكنوننا بالمعروف، في حين راح جزء كبير منهم يمتطي أشرعة السفن التي أوصلتهم إلى البرازيل والأرجنتين والولايات المتحدة وغيرها. لسنا مثل أهل اليمن أو أهل الشام وكانت بداية دخولنا إلى عالم الهجرة والإغتراب أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات حيث لم تتجاوز مغامراتنا عبور البحر الأحمر والإقامة في السعودية ودول الخليج. وحينما إزدادت نسبة التعليم في السعودية ودول الخليج وراح أبناؤها (يسعودون) و(يكوتنون) و(يظبينون) وظائف العمالة العربية المهاجرة، وحينما إزدادت شدة التنافس والتقاتل على الوظائف في تلك الديار بعد أن إنتهت حقبة الإزدهار الاقتصادي إبان فترة إرتفاع أسعار النفط أثناء حرب أكتوبر وما بعدها، تلفت أبناء السودان من مهاجري السعودية والخليج صوب وطنهم الذي جاءوا منه فألفوه أصبح أكثر عسراً وضنكاً وضيقاً في المعيشة فأُسقط في يدهم وراحوا يتطلعون إلى المهاجر الباردة التي لم يألفوها في أوربا وكندا وأمريكا. أكثر ما إستوقفني في قصة أبى سفيان تلك هو أن عودته الظافرة إلى بلده الثاني كندا جاءت بقرار من إحدى المحاكم الكندية بعد أن ماطلت حكومة كندا فى دخوله الى أراضيها رغم كونه مواطناً كندياً وتركته هائماً فى وطنه الأول السودان، إذ لم تأمر المحكمة الحكومة الكندية بالسماح بعودة عبد الرازق فحسب بل أمرتها أن تحضره جسدياً أمامها حتى تطمئن المحكمة على سلامته ودخوله إلى بيته وأسرته في مدينة مونتريال الكندية، ولم تملك الحكومة الكندية سوى أن تنفذ أمر المحكمة وهي طائعة وسلمته جواز سفر ساري المفعول وتحملت نفقات ترحيله من الخرطوم عبر أبوظبي إلى مطار أوتاوا بكندا. ما أجمل دول الإستكبار هذه التي يعلو فيها القضاء وحق المواطنة على أعلى سلطة تنفيذية، وتعلو فيها آدمية المواطن على ما سواها!