رغم تأكيدات قيادات الحكومة ان الوضع سيكون افضل في حالة انفصال الجنوب وان الشمال سينطلق بسرعة أكبر مما كان عليه في السابق أو كما يقول المهندس الطيب مصطفى صاحب منبر السلام العادل ان الشمال سيرتاح بعد ان يضع (قطرة) الجنوب التي كان يجرها طوال هذه العقود دون أن تعود عليه بفائدة تذكر وحتى بعد ان ظهر النفط في بعض مناطقه فضل الانفصال على الوحدة دون تقدير لتلك السنوات التي كان عالة على الشمال ودون أي تقدير كان يجب أن يقدمه الجنوب لهذه الخدمة الطويلة الممتازة من الشمال. ومع اقتراب موعد الاستفتاء فان كثيرا من الجهات ترى ان الشمال سيواجه صعوبات جمة بعد الانفصال وليس الأمر كما تراه قيادات الحكومة في تصريحاتها بأن الوضع سيكون أفضل مما كان عليه السودان موحداً لأن هناك أعباء كثيرة كانت تثقل ميزانية الحكومة الآن سوف تضع الحكومة بعض اثقالها إلى الدولة الوليدة في جنوب السودان، وان كثيرا من المعوقات التي كانت تحد من انطلاقة الحكومة بسرعة أكبر قد ساهم أهل الجنوب في حلها إذا اختاروا الانفصال. لكن واقع الحال قد يكون ان الوضع الذي يراه المواطن ماثلاً أمامه قبل أيام من موعد الاستفتاء يقول غير ذلك فقد قتل أمل الناس في الوحدة بعض تصريحات البشير ونافع واعترافهم بأن الانفصال أصبح أمراً واقعاً فقد كان كثير من الناس يظنون ان للحكومة (كروت) يمكن أن تلعب بها إلى آخر لحظة وتكسب الجولة لصالح الوحدة. وكان أملهم قائماً لأن أمر الاعتراف بواقعية الانفصال لم يصدر من أحد من قيادات الحكومة ، ولكن قول البشير الصريح في مؤتمر شورى المؤتمر الوطني الذي انعقد مؤخراً واعترف فيه بواقعية الانفصال فان هذا التصريح قد أثار الكثير من الخوف والتوجس لدى كثير من المواطنين وأصبحت كل الفرضيات والاشاعات التي تنطلق من حين إلى آخر هي أقرب للحقيقة من ذي قبل، خاصة وان البعض يرى ان موقف الحكومة في وضع صعب يتطلب المزيد من التدابير حتى تعيد المزيد من الثقة لهذا المواطن الذي أصبح فريسة سهلة الاصطياد من قبل الفضائيات وأجهزة الاعلام وأصبح لا يكيف الاوضاع وفق رؤية حقيقية تمكنه من قراءة صحيحة إلى أين تتجه الأمور وإلى أين تذهب الأحداث. والبعض يخشى ان تنطبق على الحكومة حكاية المثل السوداني «الثور كان وقع كترت سكاكينه» والبعض يرى ان موافقة الحكومة على حق تقرير المصير هي (العترة) التي تؤدي إلى وقوع (التور) والبعض يرى ان (التور) قد وقع بالفعل وان «السكاكين» بدأت بالوقوع عليه دون رحمة والناظر الى الواقع الحالي والمشهد السياسي الماثل أمام الأعين يرى كثيرا من (السكاكين) تنهال على هذا التور ومنها للأسف سكاكين محلية أو قل وطنية. فقد كانت أول هذه السكاكين من تجار العملة فقد ارتفعت أسعار العملات الاجنبية مقابل الجنيه السوداني بدرجة كبيرة أفقدت البنك المركزي السيطرة وأفلح تجار العملة الذين لا يملكون مؤهلات وخبرات في هذا المجال في هزيمة الكفاءات السودانية في مجال المصارف والذين فشلوا في الحفاظ على أسعار الصرف مقابل الجنيه السوداني وظلوا يراقبون ارتفاع أسعار الدولار والريال والدرهم والدينار من نوافذ مكاتبهم المكيفة والزجاج المظلل دون أن تتأثر مخصصاتهم وامتيازاتهم بهذا الفرق الذي أحدثوه في سعر الصرف ودون أن يجدوا لها معالجة ودون أن يحافظوا على استقراره الذي وجدوه مستقراً لعدة سنوات. والبعض يرى ان الحكومة أخطأت عندما دفعت لوزارة المالية برجل فشل في حل مشاكل أهله في دارفور واقامة صلح بين قبائلها (العربية) في جنوب دارفور فكيف ينجح رجل مثل هذا في حل مشاكل السودان المتشابكة عبر وزارة المالية، ان الحكومة أخطأت حينما دفعت بهذا الرجل إلى المالية وكان هدفها الأول لتقول ان الحكومة قدمت وزارة سيادية لأهل دارفور ومنها المالية ولكن الحكومة لم تر أبعاد ذلك واليوم تراه بالعين المجردة ارتفاع في أسعار الدولار والأسعار. فإذا كانت (السكين) الأولى جاءت من (تجار العملة) فان السكين الثانية جاءت من تجار (السلع) وبدأت بأصحاب المخابز وذكروا أسبابا قالوا عنها ان منطقية ارتفاع أسعار القمح وخروج بعض المناطق المنتجة في العالم من الاسواق. والسبب الذي اعتمد عليه بقية تجار السلع الأخرى هو ارتفاع الدولار الذي تسبب في هذه الزيادات الكبيرة التي عمت سلعا أساسية مثل السكر والدقيق والزيت وغيرها. ووزير المالية يعد بحلول للاستهلاك الاعلامي فقط دون ان يحرك ساكناً كما فعل سلفه السابق عوض الجاز الذي قدم حلولاً عملياً لارتفاع الخبز الذي ظهر عندما تولى وزارة المالية وعالج الأمر دون أن يتضرر المنتج ودون ان يتحمل المستهلك زيادة جديدة. أما السكين الثالثة فكانت تلك المظاهرة التي سيرها طلاب جامعة شندي احتجاجاً على زيادة الاسعار ولكن استطاعت الشرطة احتواءها وجامعة شندي واحدة من ثمرات ثورة التعليم العالي ولكن تكمن الاشارة الخطيرة في هذا الموضوع هي ان تخرج جامعة شندي دون جامعات السودان الأخرى اجتماعاً على ارتفاع الأسعار وشندي هي مسقط رأس رئيس الدولة عمر البشير. وعلى كل ان (تور) الحكومة لم يقع بعد وان هذه السكاكين التي بدأت تنهال ظناً منها ان (تور) الحكومة قد وقع لا تؤثر كثيراً في جسد الحكومة وانما تحدث خدوشاً وجرحاً سطحياً يمكن معالجته دون ان يكون عقبة في مواصلة المسير وعلى الحكومة ان تنظر في أمر (السياسات) و(السياسيين) التي تحاول دائماً تقريب (التور) من الوقوع على الارض. أما السكاكين الأجنبية التي تحاول ان تنال حظها من ثور الحكومة فهي كثيرة جداً حيث ان أمريكا لم تضع يوماً هذه (السكين) من يدها وتحاول في كل مرة ان تجد موضعاً لتضعها ولكن الحكومة لم تفعل كما فعل سيدنا اسماعيل (افعل ما تؤمر) لأن الأمر لم يكن ربانياً. والبعض يرى ان الزيارات الاخيرة لرؤساء وموفدي بعض الدول هي لالقاء النظرة الأخيرة على (تور) الحكومة الذي أتعب القوى العالمية بسبب توجهاته الاستقلالية دون أن يركن للسياسات الغربية أو الدخول في عباءة تلك الدول. ولكن يبقى أمل المواطن في ان تكون تصريحات قيادات الحكومة ان الوضع سيكون أفضل مما عليه بعد انفصال الجنوب، وان (التور) الذي ينجو من تلك (السكاكين) يمكن أن يسهم في حراثة الأرض وعداً وقمحاً وتمني.