من المعلوم أن العملة تمثل شرط أساسي للنظام النقدي لأي دولة من الدول، الذي يجب أن يعتمد أيضاً مؤسسات قوية وعلى قوانين ولوائح لتسيير الإقتصاد لهذه الدولة. وتسبق عملية طباعة العملة الجديدة لأي دولة عدة مراحل، لأن تغيير العملة مسألة لها تبعات إقتصادية كبيرة، لهذا كان الطرح بين دولتي الشمال والجنوب ان يستمر تداول العملة بينهما لمدة ستة أشهر، لتتم بعدها طباعة عملة جديدة خاصة بدولة الجنوب وسحب عملة الشمال من الدولة الوليدة. وبينما كانت تجري مفاوضات أديس أبابا على هذا النحو عمد الجنوب لإصدار عملة جديدة خاصة به دون ترتيب أو اتفاق مع السودان، فكان السؤال الذي تبادل إلى الأذهان ماهو مصير عملة الشمال الموجودة في الجنوب؟ وما هو الأثر الإقتصادي لوجود كميات كبيرة من عملة الشمال خارج أراضيه؟ وهل نحن في حوجة لطباعة عملة جديدة في هذا التوقيت؟ وغيرها من الأسئلة التي طرحها المركز السوداني للخدمات الصحفية على المختصين خلال هذا الاستطلاع. الحفاظ على الكتلة النقدية يوضح د. عادل عبد العزيز الخبير الاقتصادي إن تغيير العملة في السودان تم خلال التاريخ الحديث للسودان حوالي (6) مرات، كان بعضها لأسباب سياسية وبعضها لأسباب اقتصادية وأحياناً يكون خليطاً بين السياسي والاقتصادي، أما تغيير العملة الحالي فيدخل تحت باب التغيير السياسي والاقتصادي. وشرح أن الظروف السياسية التي اقتضت التغيير هي انفصال جنوب السودان ووجود خريطة جغرافية جديدة للسودان، أما السبب الاقتصادي فهو إن الكتلة النقدية لأي دولة ينبغي أن تظل داخل الحدود الجغرافية لتلك الدولة، خاصة أنه عندما حدث الانفصال كانت هناك كتلة نقدية كبيرة موجودة بالجنوب، فكان فلابد أن يتم تبديل العملة من أجل الاستقرار في السودان والحفاظ على الكتلة النقدية داخل الحدود الجغرافية للسودان بشكله الجديد. وذهب عبد العزيز إلى ضرورة إعلان فترة محددة لتبديل العملة، وأنه خلال هذه الفترة ستتحرك الكتلة النقدية الموجودة في الجنوب للدخول في النظام المصرفي، ويمكن استغلال هذه الكتلة في استيراد سلع من الجنوب عبر النظم المصرفية للتبادل التجاري بين الدول. إزالة كل ما يرمز للجنوب في العملة واعتبر الدكتور محمد الناير الخبير الاقتصادي أن تبديل العملة من ضروريات المرحلة القادمة مشيراً أنه ضد الأطروحة السابقة للبنك المركزي على حكومة الجنوب بقيام الاتحاد النقدي، لأنه لابد من توافر شرط عجز الموازنة في الدولتين والسيطرة على استقرار سعر الصرف ومعدل التضخم وغيرها، لذلك كل المؤشرات الاقتصادية لا تتوفر في الجنوب الآن باعتباره دولة وليدة، وهذا الاقتراح رفض من حكومة جنوب السودان لذلك جاء الاتفاق على استبدال الجنيه بعد إعلان الانفصال، وضرورة أن تطرح حكومة السودان عملة جديدة بعد التاسع من يوليو يتم فيها إزالة كل ما يرمز للجنوب في العملة الحالية. مضيفاً أن تغيير العملة فرصة لعملة ورقية جديدة وبجودة عالية أفضل نوعاً وتصميماً وتأميناً حتى لا يتم تزويرها، والسيطرة على الكتلة النقدية ومعرفة اتجاهها وأماكن تواجدها إضافة لقفل الباب أمام كل الشبكات التي تعمل في تزوير العملة في الفترة السابقة والتي تتلقى الدعم من حكومة الجنوب. و برز للسطح مؤخراً تنصل حكومة دولة الجنوب عن الاتفاق بتداول عملة الشمال في الجنوب لمدة (6) أشهر وإعلان طباعة عملتها الجديدة. ويرى الناير أن حكومة الجنوب كانت تعتقد أنها فاجأت حكومة الشمال بطرح عملتها الجديدة، لكن السودان أعلن اكتمال عملته الجديدة وطرحها متزامنة مع عملة الجنوب، وفي هذه الخطوة حماية لاقتصاد السودان. ويمكن لحكومة السودان في وقت وجيز إعلان أن العملة القديمة غير مبرئة الذمة وأن الكتلة النقدية في الجنوب مجرد ورق، ولابد أن يبعد السياسيون الجنوبيون ويتركون الأمر للبنك المركزي بالسودان والبنك المركزي بالجنوب. مكايدات سياسية بروفسير حسن الساعوري أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين تحدث عن التأثيرات الاقتصادية لتغير العملة قائلاً: بما أن الانفصال تم بدون مشاكل كان من المتوقع وجود تعاون حميد بين الشمال والجنوب، باعتبار أن الشمال أوفي بما وعد ونفذ الاتفاقية مثلما جاءت. فكانت الفكرة ان تستمر العملة بين الدولتين لمدة ستة أشهر، وفي خلال هذه الأشهر على كل دولة ان تحاول ان تجد لها مخرجاً (تباصر نفسها) من الناحية المالية وهذا ما كان متوقعاً، لكن الذي حدث هو العكس، فالحركة الشعبية في دولة الجنوب لم تبادل الشمال الحسنة بالحسنة بل هى فكرت في عملتها المستقلة دون أي اتفاق مع السودان أو ترتيب معه. فلو فكّرت حكومة الجنوب في إصدار عملة خاصة بها منذ اليوم الأول للانفصال كان الشمال يفكر في العملة الموجودة في الجنوب وماهو مصيرها. فوجود العملة السودانية في الجنوب بعد طرح الجنوب لعملته فيه فرصة للمتآمرين بتهريب كميات كبيرة من العملة السودانية، أضف إلى ذلك ان العملة السودانية الموجودة في الجنوب هي قيمة محجوزة بعد ان صنع الجنوب عملته الخاصة به دون مراعاة للعملة السودانية في الجنوب. وعلى هذا الأساس تمت طباعة عملة الجنوب، حيث لا يمكن طباعة عملة من دون ان يكون هناك رصيد. وعلى هذا الأساس طبع الجنوب عملته على أساس عملة الشمال، بمعنى أنه بعد اسبوع من الآن ستكون العملة السودانية في الجنوب لا قيمة لها (عبارة عن ورق) لكن إذا تم إسترجاع هذه الأموال للشمال فحينها ستكون لها قيمة أو قد تحدث مساومة أي أنهم لا يرجعون عملة الشمال حتى (يمسكونا من يدنا البتوجعنا) وإذا كنا نحتاج لعملتنا فتكون المساومة لن نعطيكم العملة إلا بكذا، وعلى هذا الأساس أيضاً نستطيع طباعة عملة جديدة خاصة بنا. ويواصل الساعوري: طباعة عملة جديدة مسألة مكلفة وتقريباً فإن تغيير العملة كلف (10) مليون دولار بعد الاتفاقية. الطباعة الآن قد تكلف أيضاً عشرة مليون دولار، علماً بأنه عندما تم تغيير العملة من الدينار إلى الجنيه كان نتيجة لمعالجة للإقتصاد ككل، لكن الآن تغيير الجنيه هل فيه معالجة للاقتصاد؟.. أنا لا أستطيع أن أفتى في ذلك لكن ما أعلمه ان المكايدات السياسية بين الشمال والجنوب هي السبب في وجود عملة جديدة. معالجات إقتصادية أما دكتور سعد عبد الله سيد أحمد الكرم أستاذ الإقتصاد فقد اعتبر أن طباعة عملة جديدة يمثل حلا جيدا، فإصدار عملة جديدة للسودان الشمالي هي مسألة مهمة لعدة أسباب، أولاً: التضخم الذي حدث في الشمال كان بنسبة عالية، وإصدار عملة جديدة يعتبر من معالجات التضخم في بعض الأحيان، وقد حدث ذلك لدول كثيرة كالأرجنتين وغيرها من الدول، وقد حدث وان غير السودان عملته قبل ذلك وتم تغييرها مرة أخرى بعد اتفاقية نيفاشا من الدينار الى الجنيه، وأيضاً يمكن ان نسمى جنيه سوداني جديد بنفس التسمية القديمة. ثانياً: تغيير العملة يعتبر معالجة جيدة إذا صوحب بسياسات نقدية وسياسات اقتصادية من الجانب التمويلي، وجانب الحصول على موارد خارجية وإحتياطات نقدية وإحتياطات ذهب بصورة جيدة حتى نقوي العملة الجديدة. إضافة إلى ذلك فمن الأسباب القوية جداً وجود اثنين مليار واربعمائة مليون جنيه سوداني في دولة الجنوب، وبالتأكيد وجود هذه الكمية من العملة في الجنوب تعتبر خسارة كبيرة للسودان، لأنه قد يحدث تزوير لهذه العملة. وبالتأكيد المسألة مسألة اقتصادية مهمة جداً لابد من مقابلة كل ذلك بتغيير العملة القديمة وإصدار عملة جديدة ببعض المعالجات الاقتصادية المهمة، أولها لابد من شراء الذهب بكميات كبيرة من التعدين العشوائي، والحصول على احتياطي نقدي جيد، بالإضافة إلى الاستمرار في الاكتشافات البترولية. ولابد من التعاون مع بعض الدول كإيران والصين في المجال الاقتصادي، وأخيرا يرى د. سعد ضرورة استفادة الجهات المختصة من البحوث التي يقوم بها الاقتصاديون والخبراء في كافة المجالات الاقتصادية، ووضع معالجات في كافة المستويات حتى على مستوى السياسة حتى نخرج إلى بر الأمان. ايجابيات التغيير واعتبر د. كمال الدين محمد عثمان أستاذ الاقتصاد أن حجم الكتلة النقدية وسرعة دورانها في الاقتصاد من أهم المؤثرات الاقتصادية التي يقاس بها الآثار الناجمة على الاقتصاد بصورة عامة، أضف إلى ذلك التكاليف المتوقعة لطباعة عملة جديدة وحجم الاستثمار الذي يؤثر على حجم التمويل والدوران لدى المصارف. وقال إن الجنوبيين كانت لهم إستراتيجية في تغيير العملة السودانية أو تحويلها إلى عملات حرة (دولار) أو شراء الذهب خلال الآونة الأخيرة، ويمكن أن يكون ذلك سبباً حقيقياً في ارتفاع سعر الصرف للدولار في السوق الموازي وكذلك أسعار الذهب. وأشار إلى أنه إذا كانت تكاليف تغيير العملة أكبر من تكاليف استبدال هذا الجزء من الكتلة النقدية في الجنوب، يكون خيار تغيير العملة هو الأفضل، رغم أن ذلك يحتاج إلى موارد مالية لم تكن في الحسبان، بما يعني الضغط على الموازنة أي تغيير بعض بنودها إلى هذا البند. أما إذا كان العكس يكون الخيار هو استبدال الكتلة الموجودة بالجنوب بأي نوع من العملات المقبولة ويمكن أن يحدث ذلك بموجب اتفاق بين الحكومتين. طباعة عملة جديدة له عدة ايجابيات على الاقتصاد حسب د. كمال الذي يقول: من جانب التحكم في حجم الكتلة النقدية والتحكم وضبط التضخم وضبط سعر صرف العملة بالإضافة إلى زيادة حجم الاستثمارات (من خلال زيادة الموازنة لدى المصارف السودانية). سياسة وسيادة ويرى دكتور بابكر محمد توم رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان أن تغيير العملة أمر لابد منه للمرحلة القادمة، وقال الآن انتهت كل المتطلبات لذلك نعمل على عملة جديدة لجمهورية جديدة. ولابد أن تتغير تلك الرموز التي تشير إلى دولة الجنوب بأخرى تخص دولة الشمال. وأضاف أن العملة الجديدة ستكون بجودة عالية وتطبع داخل الخرطوم بالاستفادة من القاعدة الفنية والتصاميم والشعارات.