في الوقت الذي تتهيأ فيه البلاد لتحول ديمقراطي يطال كل أجهزة الدولة ومؤسسات الحكم يعاني المؤتمر الوطني بولاية القضارف من صراعات وأزمات داخلية، داخل أجهزته ، التغيير الذي طال أماناته وقياداته برؤية مرشحه كرم الله عباس الشيخ، الذي ظل ينادي بالتغيير منذ وقت مبكر، إلا أن البعض من منسوبي الحزب فسروا قراراته بأنها تصفية حسابات وإقالة من كانوا يقودون حملة ضده ويناصرون الوالي السابق. فيما أكد آخرون بأن التغيير الذي أجراه كرم الله على هياكل الوطني لم يحالفه التوفيق مع بدء سباق الانتخاب لتسود أروقة الحزب موجة من التوتر والاستقالات والخلافات بين اعضائه وصلت مرحلة فتح بلاغات جنائية، لتسيطر على الحزب أزماته السياسية والتنظيمية، وتنهمك قياداته في صراعات داخلية ومعارك جانبية بحثاً عن مواقع في السلطة الحزبية وسعياً وراء النفوذ بممارسة سياسية وصفها كثيرون بأنها خارجة عن أدبيات الحزب، بعد أن سقطت أقنعة قادته بانعدام الشورى والمؤسسية، واصبح الحزب يدار عبر المحسوبية والقبلية والجهوية مما تسبب في إهدار طاقات الحزب وإمكانياته المادية وضيق أفقه السياسي، لتنشأ بداخله مجموعات وتكتلات ومسميات ترمز لقادته بأحقية كل على الآخر. موجة الخلافات التي ضربت اروقة المؤتمر الوطني بالقضارف جاءت خصماً على الحزب الذي لم يفطن قادته لمرحلة عملية التحول الديمقراطي، التي بدأت القوى السياسية المنافسه له تستفيد فيها من خلافات المؤتمر الوطني وصراعاته، وذلك ببناء تحالفات قوية فيما بينها لأجل اسقاطه، بعد صراعاته الداخلية، في وقت بدأت فيه الأحزاب تستمد عافيتها وظلت تقوم بحراك سياسي عريض تطرح عبره برامجها، بعد أن قاد منسوبو المؤتمر الوطني غير المناصرين لكرم الله عباس حملة تحريض واسعة بالتصويت ضده وبناء تحالف لإسقاطه في العملية الانتخابية، فيما رشحت أنباء عن انضمام بعض القيادات العليا في صفوف المناوئين لكرم الله عباس خاصة الذين قام بإبعادهم من اجهزة الحزب وعلى رأسهم الأستاذ علي عبد اللطيف البدوي رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، حيث قال الأستاذ بشرى الأمين العام لمنبر السلام العادل بأن كرم الله دفع بالمقربين إليه لقيادة الحزب والذين أداروا حملته الإنتخابية، وأنه بدأ خطة واضحة لإقصاء مناوئيه، وأكد قيادي بارز بأن أيادي المؤتمر الشعبي كانت سبباً في التعديلات التي أجراها كرم الله على أجهزة الحزب. وقال المراقب السياسي والكاتب الصحفي الفاتح داوود ل»الصحافة» بان تحول قيادة الوطني إلى طبقة امتياز محتكرة، ألغت كل مؤسسات الحزب، فاصبحت هي التي تفكر وتخطط وتقرر وتنفذ وتحاسب وتعزل مما خلق مجموعة من القيادات الهشة والضعيفة التي ليس في إمكانها مراجعة رئيس الحزب في فكره أو مقارعته في رأيه، فترتب على ذلك بروز مفهوم الشخصنة التي تعمقت في الحزب بصورة مرضية، فتحولت المناصب الى مقام مخصص لقادة بعينهم لا يجوز لأحد أن يتطاول إليهم، وتحول الحزب إلى مجموعة تواثقت لحماية مصالحها دون اكتراث لأي شي، فأصبحت التقارير على تواضعها لا تليق بمكانة الحزب بعد ان صارت كلها مديحاً يرى المنجزات تبريراً ويسوق الأخطاء، بدلاً من ان تستدرك الاخطاء وتحض على المعالجة وتقديم النقد البناء، وقال داوود، إن الذين يمسكون بمفاصيل القرار لا يسألون ولا يحاسبون، ولذا تفشى سرطان الفساد في جسد الحزب المسخن أصلاً بالجراح، حتى صار فساداً مؤسسياً تحميه الأعراف واللوائح الحزبية. يرجع القيادي الشاب بالمؤتمر الوطني الباقر بابكر نوح، بان التغيرات التي أجراها رئيس الحزب بالولاية ضرورة اقتضتها المرحلة الحالية، بعد غياب لأكثر من سبعة أعوام رغم ان بعض الأمانات لم يحالفها الحظ في اختيار من هم اهلاً لها، ويرى نوح ان التغيير وحده ليس كافياً في ظل التحول لأن الحزب يحتاج لإصلاح داخل مؤسساته والجهاز التنفيذي حتى تظل القضارف لأبنائها، وانتقد نوح، الذين يقودون حملات التحريض خارج مؤسسات الحزب، وقال إنهم يعملون لفوز البشير وكرم الله، وحذر من سقوط عدد من الدوائر الأخرى لمرشحي المؤتمر الوطني في ظل المتغيرات وضعف الخطاب السياسي الذي يدعو للعنصرية وإقصاء كثير من العناصر ذات الكفاءة والدراية بالعمل السياسي، ووجه نقداً لأحزاب الوحدة الوطنية وجوبا وقال بأنها يغيب في مضمون حملاتها الانتخابية الخطاب الفكري والموضوعي، وأصبحت ترتكز على الجهة والطائفة والقبيلة، وهي لا زالت تراهن على الدوائر التقليدية القديمة التي عفا عنها الدهر بعد الوعي السياسي الذي يتمتع به المواطن. من جهته أكد الأستاذ عبد القادر حسن فضل القيادي البارز بالمؤتمر الوطني ومرشح الدائرة القومية الثالثة بأن حزبه لن يتأثر بخلافات وتحريض الذين أبعدوا وسوف يخوض حملته الانتخابية لتحقيق الفوز في كل الدوائر، وان الولاية سوف تكون الأولى في فوز عمر البشير بعد العمل المكثف والجيد الذي قاده الحزب لحملة ترشيح البشير . إذاً هو صراع داخلي دائر في حزب حاكم ربما ضعف من قوته نحو المحافظة على تاج السلطة في ظل صراعات قياداته وأزماته المتعاقبة بعد أن تفشت وطفت على السطح، وتمترس قياداته في صراعات وحملات تحريض واسعة ضد مرشحه كرم الله عباس الشيخ الذي بدأ يقود التغيير من داخل مؤسسات الحزب.