شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    شاهد بالفيديو.. بعد غياب طويل الفنانة شهد أزهري تعود للظهور بفستان مفتوح من الصدر ومثير للجدل    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    قرارات اجتماع اللجنة التنسيقية برئاسة أسامة عطا المنان    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عجز الشخصية في معرفة الآخرين»
رواية أمير تاج السر «صائد اليرقات» في القائمة الأولىللبوكر العربية
نشر في الصحافة يوم 28 - 12 - 2010


فإن شئت أن تسأل صورتك
في ليلة دافئة
بعينين غمضتين والسؤال على آلشفتين
فلا تبحث عن ذاك في المرآة
إنه حوار مخنوق لا تسمع منه شيئا
بل أنزل إلى الشارع في بطء وأبحث عن ذاتك
بين الآخرين،
هنا تجد الجميع وأنت بينهم...
مقطع اسباني
إن رواية «صائد اليرقات» للدكتور أمير تاج السر هي آخر اصداراته وهي الآن في القائمة الأولى لجائزة بوكر العربية، ودخول هذه القائمة يعتبر إنتصارا للرواية والكاتب السوداني. وقد كانت رواية «توترات القبطي» قد دخلت قائمة الستة عشر في العام السابق، وقد شهد النقاد لأمير تاج السر بأنه يتطور في كل عمل جديد يكتبه، والنقد الحديث قادر بميزانه الدقيق، أن يقيس درجة التطور، أو النكوص والارتداد، أوالتوقف في محلك سر عند الكاتب عموما والروائي خصوصا،
وهو من الروائيين السودانيين الأكثر كتابة في الرواية.
ورواية «صائد اليرقات» والاسم يدخل محفزا كبيرا للمتلقي.
«تحفيز العنوان» فصائد اليرقات، هي رواية رجل أمن متقاعد، كانت مهمته مراقبة الكتاب والمثقفين في المقاهي والكافتيريات، وقد احيل إلى الاستيداع، بعد ان بترت ساقه في مهمة عمل. واصبحت امنيته أن يصبح كاتبا روائيا، ويتعرف بأحد كتاب الرواية المشورين «أ، ت» صاحب الرواية المشهورة «على سريري ماتت إيفا» وينصحه الكاتب بأنه إذا أراد أن يصبر كاتباً مشهورًا عليه أن يطور شخصياته الانساني من مرحلة اليرقة إلى الحشرة الكاملة، لأن التقارير الأمنية التي يرفعا لا ترقى إلى مستوى العمل الكامل حتى يصبر موضوعا لشخصيات روايته. ويبدأ «عوض فرفار» وهذا هو اسمه في البحث عن تطوير الشخصيات التي يعرفها «حفار القبور، المدلك، ، المشجع الكروي، وغيرهم من المحيط الذي يعرفه. ورغم انها» يرقات جاهزة لكي تنمو وتتحول ولكنه لا يستطيع ذلك. لأنه ليس بكاتب، وهو يبدأ في الخوف من أن يسرق منه الروائي «أ،ت» هذه الشخصيات التي يسرد له حياتها وتطورها، فيلجأ للتجسسس مرة اخرى خوفا من ذلك.
وفي نهاية الرواية يكتشف «عوض فرفار» رجل الأمن السابق بأنه هو نفسه قد أصبح موضوعا لرواية يكتبها «أ، ت» وقال له لقد اعدتك للخدمة في هذا النص الجديد حتى تكتمل دوره الحياة للرواية واسميتها «صائد اليرقات».
وتقنية الكتابة الروائية في هذا النص «او ما يسمى آلية إنتاج النص الروائي» فقد كانت متقدمة ومتطورة حين كان هناك صوتان، داخل النص، وهو صوت الراوي، عوض فرفار وصوت الكاتب «أ، ت» بحيث يوجد نصان يسيران جنبا لجنب دون أن يفقد الخيط السردي قوته وتماسكه، بمعنى أن الكاتب أمير تاج لسر قد استطاع في هذا النص والذي تؤكد الدلائل على فوزه، إن شاء الله، أن يثبت ان تعدد الاصوات، او «البوليفونية» في النص الروائي هو تعدد الخطاب الروائي، او اللغة التي يصيغ بها الكاتب العملية السردية. وهذا التعدد يظهر في المقاطع التي تظهر من رواية «على سريري ماتت إيفا» وهي الرواية التي يحلم «عوض فرفار» بتقليدها والكتابة مثلها. وقد ظهرت في هذه الرواية «تقنية الربط والتلحيم» بين نصين كل واحد يختلف حتى في لغته عن الآخر. بدون ان يفقد النص المنطقية والترابط والتواصل مع المتلقي.
والتحفيز القوي في هذه الرواية، وفي اغلب اعمال أمير تاج السر الأخيرة «هو تحفيز الشخصية» فهو قادر على إلتقاط الشخصية المنسية في الكتابة ولكنها معروفة في الوسط الواقعي والحياتي اليومي في المجمع السوداني، وكما هو معروف عن الشخصية في الرواية الحديثة، فإنها إما أن تكون علامة على شخصية واقعية، في الماضي بعيدا ام قريبا، اوفي الحاضر، حية ومعروفة تمشي بين الناس. او متخيلة، او محتملة، قابلة أن تكون موجود ولا يعرفها إلا الخاصة، او قابلة أن تظهر وتتكون في المستقبل، أو هي شخصية قابلة أن يقوم بتركيبها القارئ، أكثر مما يقوم بتركيبها النص... فأمير تاج السر يأخذ الشخصية الروائية في اغلب اعماله، بوصفها علامة على شخصية واقعية، ولكنه يصنع لها افعالاً متخيلة، حتى يستطيع، تعرية المجتمع والسلطة التي تعيش فيها، وهو بهذا قادر على ان يعيد إنتاج صورة الشخصية عبر هويتها الموزعة، والمقصودة في داخل النص. وهذا لا يتم بمعزل عن سياقها الإعلامى، المشخص، الذي وضعت فيه، وامير تاج السر يلجأ دائما في سياقاته للكشف عن تمذجة خاصة بالشخصية، رغم دورها الحقيقي والمهمش في المجتمع. وكل شخصيات رواياته وخاصة في رواية «صائد اليرقات» فهي شخصيات واقعية مشفرة، فالشخصية «شفرة» (CODE») والنص يحاول ان يقوم بفك هذا التشفير بمعاونة المتلقي( DECODING ). ويبدأ التشفير إبتداء من العنوان «صائد اليرقات» وهو الشفرة الكبرى، التي رغم محاولة النص والراوي، ان يساعد في تفكيكها، ولكن يبقى بعد ذلك مفتاح الشفرة عند القارئ والناقد والمحلل لهذا النص، فليس كل صائد يمتلك ادوات الصيد الجيدة، حتى لو اختار الفريسة وصوب اليها شباكه وادواته. واليرقة كما نعلم هي الطور قبل الأخير، من اطوار النمو عند اي حشرة في هذا الكون الكبير.
وواحدة من دلالات النص أن الكاتب يقصد بأن هناك من يعرف الصيد، ولا يعرف كيف يختار فريسته، وهناك من لا يعرف الصيد، ويعرف فريسته وهناك من يمتلك ادوات الصيد ولا يعرف كيف يصطاد، وهناك من لا يعرف الصيد، ولا يعرف الفرائس التي من حوله. وهذا ينطبق على مناحي كثيرة في الحياة من حولنا، ومنه الكتابة التي لها ادواتها، ولها فرائسها.
والروائي امير تاج السر، قد خلق عالما فعليا حيا لشخصيات، انسانية، موجودة في المجتمع السوداني، فتوترات القبطي مأخوذة من مذكرات «يوسف ميخائيل»، وزحف النمل «هي حياة حد الفنانين الكبار، وصائد اليرقات هي لشخصية امدرمانية حية وموجودة، فالكاتب هنا اخذ نماذجا حياً من المجتمع السوداني. فهو يأخذ شخصية معروفة في الواقع العام، وليس الواقع الخاص، الذي لا يعرفه الا الذين من حوله، ويعطيها اسمها مشفرا وسافرا، وينسج من خياله افعالاً وحركة ولغة، وهي شخصيات مساخرة وخادمة لفكرة الكاتب، وعوض فرفار نفسه الراوي الذي يريد ان يكتب الرواية يتحول هو إلى رواية داخل الرواية. يقول في آخر صفحات الرواية «بالمناسبة لا تغضب حين ترى في نهاية الرواية، انني جعلتك تعود مرة اخرى الى الخدمة ، وتندس في وسط الذين عرفوك كاتبا ومحبا لكتابة، لتدون التقارير عنهم، هذه ليست الحقيقة كما تعلم إنه الخيال الذي طالما حدثتك عنه، الخيال الذي يعطي الكتابة طعمها، ، والآن سأقرأ لك الفصل الأول... الأول فقط، واتركك متشوقا حتى ينشر الكتاب، كان قد فتح الملف الأبيض، واخرج مجموعة من الأوراق البييضاء مكتوبة بخط اسود أنيق واستطعت وأنا على حافة الإنهيار أن أنظر إلى الصفحة الأولى: - «صائد اليرقات:«رواية» لقد تحول الراوي إلى فريسة، ولأن الكاتب يمتلك ادوات الصيد ولا يمتلكها الراوي آخر فقد اصطاده وصار غنيمة لنص كله «صائد اليرقات» أما «عوض فرفار» والذي اصبح غنيمة فإن تجربة ما قبل الإعاقة ما كانت تتيح له أن يكون روائيا، فهي تجربة محدودة، ومبرمجة، فهي ليست تجربة انصهار وتعايش عفوي مع الناس فقد كان هناك حاجزا نفسيا بينه وبينهم. لذلك فشل في إن يكتب لهؤلاء الناس بعد أن اعتزل مهتها قسرا وغصبا. يقول: «سأكتب رواية، نعم سأكتب، لابد إنها فكرة غريبة حقا، حين تردت إلى ذهني رجل أمن متقاعد مثلي، انا عبدالله حرفش ، او عبدالله فرفار كما القب منذ الصغر، في الحي الذي نشأت فيه، وكبر معي اللقب، لكنها لن تكون غريبة ابدا وقد قرأت مؤخرا في عدد من الصحف والمجلات التي وقعت بيدي، واستطعت قراءها بلا تعجل، إن بائع ورد «بنغالياً» في مدينة «نيس» الفرنسية، كتب رواية عن الورد بطلتها امرأة من المهاجرات الافريقيات، ظلت تشتري الورد الأحمر عشرون عاماً من محله، دون أن تغير لون، وتخيل البائع إنها تبغه الى حبيب ضائع في حرب بشعة. ونسج قصته عن ذلك الاسكافي الفقير في «رواندا» حين كتب رواية حول الحرب الاهلية الجماعية في ذلك البلد الافريقي الفقير لم يكتبها حتى مشعلُ الحرب انفسهم. وبائعة الهوى كاتبة في سايفون كتبت روايتين رائعتين عن حياتها القديمة حين كانت نكرة في زقاق مظلم والجديد حين أنشأت مصنعا صغيرا لحلوى النعناع، والآن ترجمت الى كل اللغات ، حيث إنبهر بهما القراء».
والكاتب استخدم لغة السخرية الهازلة، وليس القصد ان يسخر بهذه اللغة من شخصياته وانما يسخر بها من المجتمع الذي صنعها والسلطة استغلتها «أحس بمدى تخلف الوظيفة التي عملت فيها أكثر من عشرين عاماً، وانتهت بساقٍ خشبية.. »
والشخصية توظف هنا كحامل دلالي لوعي الكاتب بهذا المجتمع، ولهذه السلطة. وهذا التوظيف الدلالي محكوم بقوانين داخلية لا محيدع الالتزام بها، ونعني به الضبط المحكم للأفكار التي يريد تمريرها، من خلال هذه الشخصيات الانسانية الواقعية. حتى لا تصبح السخرية منها وليس بها كوسيلة توصيلية. وهذا الضبط المحكم هو الذي يميز بين الكتابة الروائية الواعية، وغيرها ، وقد استطاع الروائي أمير تاج السر أن يحول الشخصيات في هذه الرواية «صائد اليرقات» من شخصيات محكية شفاهيا إلى شخصيات عامة، اي شخصيات ذات مسارات سردية محكمة، ثم تأتي القدرة ايضا، رغم صعوبتها من تحويل بناء الفكرة، او الآيديولوجيا الموجودة في ذهنية الكاتب، والموجودة كحكاية في ذهنية المتلقي او القارئ للرواية، الى عملية « تحبيك» الحكاية الشفاهية عن الشخصية في المجتمع «عبد الله فرفار، حفار القبور، المدلك والمشجع الكروي المشهور» إلى عملية سردية او إلى فعل يخضع للضبط الروائي، تشعيب السرد وتمييز غاياته، وتطهير ، فكره وآيديولوجيا الكاتب، وتظهر السخرية من الرواي عوض فرفار بعدم المقدرة على الدخول في فجوات الواقع الذي يعيش فيه ممن قبل، وهو شخصية مزدوجة كانت متسلطة، ويخاف منها الناس، فهو تعود أن يرى أمامه، النموذج الخائف، والمتملق، وهذه أقنعة وقتية، لا تظهر الحقيقة الانسانية، وبعد الإعاقة وزوال السلطة، ما كان ايضا يرى الشخصية على حقيقتها، فهي تنظر اليه محتفرة ومزدرية وشامتة.
لما اصابه من إعاقة، لذلك لم يستطع الكتابة، ما قبل السلطة وما بعدها، فهو بذلك، يجد ذاته قبل ان يجد الآخرين. «والذي لا يجد ذاته لا يجد الآخرين» فقد كان في مهنته يبحث عن سقطات الآخرين «اذكر أول مرة دخلت فيها ذلك المقهى القديم، كنت في بداية حياتي المهنية، شاباً وخشناً، ومدرباً على استخراج خامات التآمر حتى من نسمات الهواء، واجنحة الذباب، وابتسامات الشفاه، حين تبتسم.»
وكما يقول النقد الأدبي الحديث «النقدالثقافي» أن العمل الأدبي يقبل في الغالب، أن يكون رافداً مخصوصاً من روافد نهر «الآيديولوجيا» الذي لا ينضب، ويمكنه ان يؤثر إذا استطاع ذلك على مدى بعيد، لأنه لا يمرر أفكاره التي يمكن ربطها بالخطاب الآيديولوجي، إلا من خلال بنية خطاب الرمزي، محاولاً لتحقيق ذلك، خلق نسيج قصدي لمكونات النص بغية التأشير الى فكرته تلك، مع ضرورة المراهنة على قارئ مجرد، من سماته القدرة على فك سنن الكاتب الخفية. والكاتب في هذه الرواية جعل من النص كله حتى بعنوانه، وعتباته الأولى نصاً رمزياً، محاولاً تفكيك الرمزية العادية واقامة رمزية بديلة غيرعادية.. «الشخصية المشفرة»، وفي سبيل بناء الشكل الرمزي لم يتخلَ عن البناء الواقعي للشخصية في داخل النص، فهذه الشخصيات، استطاع ان يرسم لها اطارها الزمني، وفضاءها المكاني. والعلاقات بينها، وبين المحيط الذي تعيش فيه، ثم تأتي مهمة التطهير اللغوي بحسب القالب الذي يختاره الكاتب بحسب مقدرته وبصمته اللغوية، والكاتب قد اختار في هذا النص الروائي «صائد اليرقات» لغة السخرية التي ذكرنها ، وهي التي جعلت النص في شكل عالم فعلي حقيقي، يتعالق ويتماهى مع الوقع الفعلي الذي نعيش فيه الآن، بل وينطبق على عدة مجتمعات من حولنا. في افريقيا، او العالم الثالث. وهذه اللغة الساخرة او الهازلة التي ذكرنها، فقد عملت ووظفت يسيرورة خفية، لأنها مبنية، وفق قصدية دقيقة، وهي تظهر بمؤشرات محددة، وهذه المؤشرات موجودة مسبقا ومهيأ لها القارئ، الذي قرأ أعمال «أمير تاج السر» الأخيرة «العطر الفرنسي، مهر الصباح، توترات القبطي، واخيرا صائد اليرقات»...
وكما نعلم بأن قصدية الكاتب القوية والمحتملة في هذه الرواية «صائد اليرقات» ان الذي لا يعرف الناس لا يعرف ذاته، والذي لا يعرف ذاته لا يعرف الناس، واذا اردت ان تعرف الناس يجب أن تعيش معهم وبينهم بدون خوف منك، او منهم. وهو بقصدية ايضا قد خدم الكتابة، بحيث اراد ان يقول ان الكتابة هي معرفة الذات والناس والعيش بينهم ايضا.
والكتابة معرفة بعيدة عن الخوف، لذلك لم يستطع عوض فرفار، أن يكتب رواية، لأن الناس كانت تخاف منه قبل الإعانة ، وتزدريه بعدها ايضا..
لم تكن شخصية الراوي «عوض فرفار» شخصية مشوهة او معقدة، فقد إكتشف العجز الداخلي الذي كان يسيطر عليه وقد حاول أن يعوضه بمحاولة الكتابة، والتي لم يكن يملك ادواتها، اي كان صيادا لم يمتلك ادوات الصيد، وكانت فرائسه يرقات لم تكن مكتملة النمو، ولكنه هو نفسه كان فريسة كاملة للكاتب «أ.ت» بحيث حوله بخياله إلى بطل في رواية لها بداية ونهاية. لأنه اكتملت دورة الكتابة به حيث تحول من بيضة، إلى يرقة، ثم شرنقة، حتى صار مخلوقا كاملا، وهذه المراقبة لم يستطعها فرفور حيث يقول له الكاتب «أنا أشبه الكتابة بأطوار النمو... أنت كتبت يرقة لن تنمو إلى شرنقة وتكمل دورتها، هذا التقرير الأمني مجرد يرقة ميتة خرجت من ذهنك، حاول أن تطورها إلى بقية الأطوار، هل تفهم الآن؟
لقد خرجت هذه الرواية، من جلباب الواقعية المحلية الضيقة إلى الواقع الانساني الأرحب، بحيث إنها شخصت وحللت أفعال شخصيات لا تملك أفقا، ولا مشروعا، كان الكاتب يسخر بها من الذين حرموها من هذا الحق الانساني صادروا حتى خيالها، ومعرفتها لنفسها ولمن حولها، وعجز الكتابة عند شخصية «عوض فرفار» هو فقدان الوعي بالآخرين، وهو نموذج موجود في كثير من بلاد العالم لذلك كان نموذجا انسانيا، وليس محليا ضيقا. والكاتب لم يقصد مهنة عوض فرفار في ذاتها، وانما كان يقصد كل من لم يخرج إلى الشارع ليرى ذاته في الآخرين ويُرى الآخرين في ذاته، وكل من تسبب ويتسبب في ذلك ..
إن الكاتب أمير تاج السر يستحق أن يقف الوطن كله معه، لأن روايته تستحق الفوز، فالمحاباة هنا مشروعة لأن فوزه هو وسام في جبين الوطن الكبير، ونحن في زمن التنافس، وحروب الآداب واللغات والثقافات المشروعة ايضا والتي لا ينهزم فيها إلا من تقاعس وأبى. ونحن للأسف لا نعرف كيف نسوق ادبنا وثقافتنا ولا كيف نقف مع كتابنا. واهلنا في مصر يفعلون ذلك خاصة في حرب الجوائز والمسابقات ولهم الحق في ذلك، وفرنسا وقفت كلها حكومة ومعارضة تهاجم جائزة نوبل وتشكك في نواياها، لأن فرنسيا لم يفز بها منذ عشرين عاما، ولم تهدأ إلا عندما فاز بها «لوكليزيو عام 2008م» تعالوا نقف مع ابننا دولة ومعارضة حتى ينال الجائزة التي سترفع رأسنا عاليا. لننسى ونضع جانبا الحقد والحسد الثقافي والتصنيف السياسي للأدب والاُدباء، والثقافة بريئة من كل ذلك.!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.