الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    قرارات جديدة ل"سلفاكير"    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عجز الشخصية في معرفة الآخرين»
رواية أمير تاج السر «صائد اليرقات» في القائمة الأولىللبوكر العربية
نشر في الصحافة يوم 28 - 12 - 2010


فإن شئت أن تسأل صورتك
في ليلة دافئة
بعينين غمضتين والسؤال على آلشفتين
فلا تبحث عن ذاك في المرآة
إنه حوار مخنوق لا تسمع منه شيئا
بل أنزل إلى الشارع في بطء وأبحث عن ذاتك
بين الآخرين،
هنا تجد الجميع وأنت بينهم...
مقطع اسباني
إن رواية «صائد اليرقات» للدكتور أمير تاج السر هي آخر اصداراته وهي الآن في القائمة الأولى لجائزة بوكر العربية، ودخول هذه القائمة يعتبر إنتصارا للرواية والكاتب السوداني. وقد كانت رواية «توترات القبطي» قد دخلت قائمة الستة عشر في العام السابق، وقد شهد النقاد لأمير تاج السر بأنه يتطور في كل عمل جديد يكتبه، والنقد الحديث قادر بميزانه الدقيق، أن يقيس درجة التطور، أو النكوص والارتداد، أوالتوقف في محلك سر عند الكاتب عموما والروائي خصوصا،
وهو من الروائيين السودانيين الأكثر كتابة في الرواية.
ورواية «صائد اليرقات» والاسم يدخل محفزا كبيرا للمتلقي.
«تحفيز العنوان» فصائد اليرقات، هي رواية رجل أمن متقاعد، كانت مهمته مراقبة الكتاب والمثقفين في المقاهي والكافتيريات، وقد احيل إلى الاستيداع، بعد ان بترت ساقه في مهمة عمل. واصبحت امنيته أن يصبح كاتبا روائيا، ويتعرف بأحد كتاب الرواية المشورين «أ، ت» صاحب الرواية المشهورة «على سريري ماتت إيفا» وينصحه الكاتب بأنه إذا أراد أن يصبر كاتباً مشهورًا عليه أن يطور شخصياته الانساني من مرحلة اليرقة إلى الحشرة الكاملة، لأن التقارير الأمنية التي يرفعا لا ترقى إلى مستوى العمل الكامل حتى يصبر موضوعا لشخصيات روايته. ويبدأ «عوض فرفار» وهذا هو اسمه في البحث عن تطوير الشخصيات التي يعرفها «حفار القبور، المدلك، ، المشجع الكروي، وغيرهم من المحيط الذي يعرفه. ورغم انها» يرقات جاهزة لكي تنمو وتتحول ولكنه لا يستطيع ذلك. لأنه ليس بكاتب، وهو يبدأ في الخوف من أن يسرق منه الروائي «أ،ت» هذه الشخصيات التي يسرد له حياتها وتطورها، فيلجأ للتجسسس مرة اخرى خوفا من ذلك.
وفي نهاية الرواية يكتشف «عوض فرفار» رجل الأمن السابق بأنه هو نفسه قد أصبح موضوعا لرواية يكتبها «أ، ت» وقال له لقد اعدتك للخدمة في هذا النص الجديد حتى تكتمل دوره الحياة للرواية واسميتها «صائد اليرقات».
وتقنية الكتابة الروائية في هذا النص «او ما يسمى آلية إنتاج النص الروائي» فقد كانت متقدمة ومتطورة حين كان هناك صوتان، داخل النص، وهو صوت الراوي، عوض فرفار وصوت الكاتب «أ، ت» بحيث يوجد نصان يسيران جنبا لجنب دون أن يفقد الخيط السردي قوته وتماسكه، بمعنى أن الكاتب أمير تاج لسر قد استطاع في هذا النص والذي تؤكد الدلائل على فوزه، إن شاء الله، أن يثبت ان تعدد الاصوات، او «البوليفونية» في النص الروائي هو تعدد الخطاب الروائي، او اللغة التي يصيغ بها الكاتب العملية السردية. وهذا التعدد يظهر في المقاطع التي تظهر من رواية «على سريري ماتت إيفا» وهي الرواية التي يحلم «عوض فرفار» بتقليدها والكتابة مثلها. وقد ظهرت في هذه الرواية «تقنية الربط والتلحيم» بين نصين كل واحد يختلف حتى في لغته عن الآخر. بدون ان يفقد النص المنطقية والترابط والتواصل مع المتلقي.
والتحفيز القوي في هذه الرواية، وفي اغلب اعمال أمير تاج السر الأخيرة «هو تحفيز الشخصية» فهو قادر على إلتقاط الشخصية المنسية في الكتابة ولكنها معروفة في الوسط الواقعي والحياتي اليومي في المجمع السوداني، وكما هو معروف عن الشخصية في الرواية الحديثة، فإنها إما أن تكون علامة على شخصية واقعية، في الماضي بعيدا ام قريبا، اوفي الحاضر، حية ومعروفة تمشي بين الناس. او متخيلة، او محتملة، قابلة أن تكون موجود ولا يعرفها إلا الخاصة، او قابلة أن تظهر وتتكون في المستقبل، أو هي شخصية قابلة أن يقوم بتركيبها القارئ، أكثر مما يقوم بتركيبها النص... فأمير تاج السر يأخذ الشخصية الروائية في اغلب اعماله، بوصفها علامة على شخصية واقعية، ولكنه يصنع لها افعالاً متخيلة، حتى يستطيع، تعرية المجتمع والسلطة التي تعيش فيها، وهو بهذا قادر على ان يعيد إنتاج صورة الشخصية عبر هويتها الموزعة، والمقصودة في داخل النص. وهذا لا يتم بمعزل عن سياقها الإعلامى، المشخص، الذي وضعت فيه، وامير تاج السر يلجأ دائما في سياقاته للكشف عن تمذجة خاصة بالشخصية، رغم دورها الحقيقي والمهمش في المجتمع. وكل شخصيات رواياته وخاصة في رواية «صائد اليرقات» فهي شخصيات واقعية مشفرة، فالشخصية «شفرة» (CODE») والنص يحاول ان يقوم بفك هذا التشفير بمعاونة المتلقي( DECODING ). ويبدأ التشفير إبتداء من العنوان «صائد اليرقات» وهو الشفرة الكبرى، التي رغم محاولة النص والراوي، ان يساعد في تفكيكها، ولكن يبقى بعد ذلك مفتاح الشفرة عند القارئ والناقد والمحلل لهذا النص، فليس كل صائد يمتلك ادوات الصيد الجيدة، حتى لو اختار الفريسة وصوب اليها شباكه وادواته. واليرقة كما نعلم هي الطور قبل الأخير، من اطوار النمو عند اي حشرة في هذا الكون الكبير.
وواحدة من دلالات النص أن الكاتب يقصد بأن هناك من يعرف الصيد، ولا يعرف كيف يختار فريسته، وهناك من لا يعرف الصيد، ويعرف فريسته وهناك من يمتلك ادوات الصيد ولا يعرف كيف يصطاد، وهناك من لا يعرف الصيد، ولا يعرف الفرائس التي من حوله. وهذا ينطبق على مناحي كثيرة في الحياة من حولنا، ومنه الكتابة التي لها ادواتها، ولها فرائسها.
والروائي امير تاج السر، قد خلق عالما فعليا حيا لشخصيات، انسانية، موجودة في المجتمع السوداني، فتوترات القبطي مأخوذة من مذكرات «يوسف ميخائيل»، وزحف النمل «هي حياة حد الفنانين الكبار، وصائد اليرقات هي لشخصية امدرمانية حية وموجودة، فالكاتب هنا اخذ نماذجا حياً من المجتمع السوداني. فهو يأخذ شخصية معروفة في الواقع العام، وليس الواقع الخاص، الذي لا يعرفه الا الذين من حوله، ويعطيها اسمها مشفرا وسافرا، وينسج من خياله افعالاً وحركة ولغة، وهي شخصيات مساخرة وخادمة لفكرة الكاتب، وعوض فرفار نفسه الراوي الذي يريد ان يكتب الرواية يتحول هو إلى رواية داخل الرواية. يقول في آخر صفحات الرواية «بالمناسبة لا تغضب حين ترى في نهاية الرواية، انني جعلتك تعود مرة اخرى الى الخدمة ، وتندس في وسط الذين عرفوك كاتبا ومحبا لكتابة، لتدون التقارير عنهم، هذه ليست الحقيقة كما تعلم إنه الخيال الذي طالما حدثتك عنه، الخيال الذي يعطي الكتابة طعمها، ، والآن سأقرأ لك الفصل الأول... الأول فقط، واتركك متشوقا حتى ينشر الكتاب، كان قد فتح الملف الأبيض، واخرج مجموعة من الأوراق البييضاء مكتوبة بخط اسود أنيق واستطعت وأنا على حافة الإنهيار أن أنظر إلى الصفحة الأولى: - «صائد اليرقات:«رواية» لقد تحول الراوي إلى فريسة، ولأن الكاتب يمتلك ادوات الصيد ولا يمتلكها الراوي آخر فقد اصطاده وصار غنيمة لنص كله «صائد اليرقات» أما «عوض فرفار» والذي اصبح غنيمة فإن تجربة ما قبل الإعاقة ما كانت تتيح له أن يكون روائيا، فهي تجربة محدودة، ومبرمجة، فهي ليست تجربة انصهار وتعايش عفوي مع الناس فقد كان هناك حاجزا نفسيا بينه وبينهم. لذلك فشل في إن يكتب لهؤلاء الناس بعد أن اعتزل مهتها قسرا وغصبا. يقول: «سأكتب رواية، نعم سأكتب، لابد إنها فكرة غريبة حقا، حين تردت إلى ذهني رجل أمن متقاعد مثلي، انا عبدالله حرفش ، او عبدالله فرفار كما القب منذ الصغر، في الحي الذي نشأت فيه، وكبر معي اللقب، لكنها لن تكون غريبة ابدا وقد قرأت مؤخرا في عدد من الصحف والمجلات التي وقعت بيدي، واستطعت قراءها بلا تعجل، إن بائع ورد «بنغالياً» في مدينة «نيس» الفرنسية، كتب رواية عن الورد بطلتها امرأة من المهاجرات الافريقيات، ظلت تشتري الورد الأحمر عشرون عاماً من محله، دون أن تغير لون، وتخيل البائع إنها تبغه الى حبيب ضائع في حرب بشعة. ونسج قصته عن ذلك الاسكافي الفقير في «رواندا» حين كتب رواية حول الحرب الاهلية الجماعية في ذلك البلد الافريقي الفقير لم يكتبها حتى مشعلُ الحرب انفسهم. وبائعة الهوى كاتبة في سايفون كتبت روايتين رائعتين عن حياتها القديمة حين كانت نكرة في زقاق مظلم والجديد حين أنشأت مصنعا صغيرا لحلوى النعناع، والآن ترجمت الى كل اللغات ، حيث إنبهر بهما القراء».
والكاتب استخدم لغة السخرية الهازلة، وليس القصد ان يسخر بهذه اللغة من شخصياته وانما يسخر بها من المجتمع الذي صنعها والسلطة استغلتها «أحس بمدى تخلف الوظيفة التي عملت فيها أكثر من عشرين عاماً، وانتهت بساقٍ خشبية.. »
والشخصية توظف هنا كحامل دلالي لوعي الكاتب بهذا المجتمع، ولهذه السلطة. وهذا التوظيف الدلالي محكوم بقوانين داخلية لا محيدع الالتزام بها، ونعني به الضبط المحكم للأفكار التي يريد تمريرها، من خلال هذه الشخصيات الانسانية الواقعية. حتى لا تصبح السخرية منها وليس بها كوسيلة توصيلية. وهذا الضبط المحكم هو الذي يميز بين الكتابة الروائية الواعية، وغيرها ، وقد استطاع الروائي أمير تاج السر أن يحول الشخصيات في هذه الرواية «صائد اليرقات» من شخصيات محكية شفاهيا إلى شخصيات عامة، اي شخصيات ذات مسارات سردية محكمة، ثم تأتي القدرة ايضا، رغم صعوبتها من تحويل بناء الفكرة، او الآيديولوجيا الموجودة في ذهنية الكاتب، والموجودة كحكاية في ذهنية المتلقي او القارئ للرواية، الى عملية « تحبيك» الحكاية الشفاهية عن الشخصية في المجتمع «عبد الله فرفار، حفار القبور، المدلك والمشجع الكروي المشهور» إلى عملية سردية او إلى فعل يخضع للضبط الروائي، تشعيب السرد وتمييز غاياته، وتطهير ، فكره وآيديولوجيا الكاتب، وتظهر السخرية من الرواي عوض فرفار بعدم المقدرة على الدخول في فجوات الواقع الذي يعيش فيه ممن قبل، وهو شخصية مزدوجة كانت متسلطة، ويخاف منها الناس، فهو تعود أن يرى أمامه، النموذج الخائف، والمتملق، وهذه أقنعة وقتية، لا تظهر الحقيقة الانسانية، وبعد الإعاقة وزوال السلطة، ما كان ايضا يرى الشخصية على حقيقتها، فهي تنظر اليه محتفرة ومزدرية وشامتة.
لما اصابه من إعاقة، لذلك لم يستطع الكتابة، ما قبل السلطة وما بعدها، فهو بذلك، يجد ذاته قبل ان يجد الآخرين. «والذي لا يجد ذاته لا يجد الآخرين» فقد كان في مهنته يبحث عن سقطات الآخرين «اذكر أول مرة دخلت فيها ذلك المقهى القديم، كنت في بداية حياتي المهنية، شاباً وخشناً، ومدرباً على استخراج خامات التآمر حتى من نسمات الهواء، واجنحة الذباب، وابتسامات الشفاه، حين تبتسم.»
وكما يقول النقد الأدبي الحديث «النقدالثقافي» أن العمل الأدبي يقبل في الغالب، أن يكون رافداً مخصوصاً من روافد نهر «الآيديولوجيا» الذي لا ينضب، ويمكنه ان يؤثر إذا استطاع ذلك على مدى بعيد، لأنه لا يمرر أفكاره التي يمكن ربطها بالخطاب الآيديولوجي، إلا من خلال بنية خطاب الرمزي، محاولاً لتحقيق ذلك، خلق نسيج قصدي لمكونات النص بغية التأشير الى فكرته تلك، مع ضرورة المراهنة على قارئ مجرد، من سماته القدرة على فك سنن الكاتب الخفية. والكاتب في هذه الرواية جعل من النص كله حتى بعنوانه، وعتباته الأولى نصاً رمزياً، محاولاً تفكيك الرمزية العادية واقامة رمزية بديلة غيرعادية.. «الشخصية المشفرة»، وفي سبيل بناء الشكل الرمزي لم يتخلَ عن البناء الواقعي للشخصية في داخل النص، فهذه الشخصيات، استطاع ان يرسم لها اطارها الزمني، وفضاءها المكاني. والعلاقات بينها، وبين المحيط الذي تعيش فيه، ثم تأتي مهمة التطهير اللغوي بحسب القالب الذي يختاره الكاتب بحسب مقدرته وبصمته اللغوية، والكاتب قد اختار في هذا النص الروائي «صائد اليرقات» لغة السخرية التي ذكرنها ، وهي التي جعلت النص في شكل عالم فعلي حقيقي، يتعالق ويتماهى مع الوقع الفعلي الذي نعيش فيه الآن، بل وينطبق على عدة مجتمعات من حولنا. في افريقيا، او العالم الثالث. وهذه اللغة الساخرة او الهازلة التي ذكرنها، فقد عملت ووظفت يسيرورة خفية، لأنها مبنية، وفق قصدية دقيقة، وهي تظهر بمؤشرات محددة، وهذه المؤشرات موجودة مسبقا ومهيأ لها القارئ، الذي قرأ أعمال «أمير تاج السر» الأخيرة «العطر الفرنسي، مهر الصباح، توترات القبطي، واخيرا صائد اليرقات»...
وكما نعلم بأن قصدية الكاتب القوية والمحتملة في هذه الرواية «صائد اليرقات» ان الذي لا يعرف الناس لا يعرف ذاته، والذي لا يعرف ذاته لا يعرف الناس، واذا اردت ان تعرف الناس يجب أن تعيش معهم وبينهم بدون خوف منك، او منهم. وهو بقصدية ايضا قد خدم الكتابة، بحيث اراد ان يقول ان الكتابة هي معرفة الذات والناس والعيش بينهم ايضا.
والكتابة معرفة بعيدة عن الخوف، لذلك لم يستطع عوض فرفار، أن يكتب رواية، لأن الناس كانت تخاف منه قبل الإعانة ، وتزدريه بعدها ايضا..
لم تكن شخصية الراوي «عوض فرفار» شخصية مشوهة او معقدة، فقد إكتشف العجز الداخلي الذي كان يسيطر عليه وقد حاول أن يعوضه بمحاولة الكتابة، والتي لم يكن يملك ادواتها، اي كان صيادا لم يمتلك ادوات الصيد، وكانت فرائسه يرقات لم تكن مكتملة النمو، ولكنه هو نفسه كان فريسة كاملة للكاتب «أ.ت» بحيث حوله بخياله إلى بطل في رواية لها بداية ونهاية. لأنه اكتملت دورة الكتابة به حيث تحول من بيضة، إلى يرقة، ثم شرنقة، حتى صار مخلوقا كاملا، وهذه المراقبة لم يستطعها فرفور حيث يقول له الكاتب «أنا أشبه الكتابة بأطوار النمو... أنت كتبت يرقة لن تنمو إلى شرنقة وتكمل دورتها، هذا التقرير الأمني مجرد يرقة ميتة خرجت من ذهنك، حاول أن تطورها إلى بقية الأطوار، هل تفهم الآن؟
لقد خرجت هذه الرواية، من جلباب الواقعية المحلية الضيقة إلى الواقع الانساني الأرحب، بحيث إنها شخصت وحللت أفعال شخصيات لا تملك أفقا، ولا مشروعا، كان الكاتب يسخر بها من الذين حرموها من هذا الحق الانساني صادروا حتى خيالها، ومعرفتها لنفسها ولمن حولها، وعجز الكتابة عند شخصية «عوض فرفار» هو فقدان الوعي بالآخرين، وهو نموذج موجود في كثير من بلاد العالم لذلك كان نموذجا انسانيا، وليس محليا ضيقا. والكاتب لم يقصد مهنة عوض فرفار في ذاتها، وانما كان يقصد كل من لم يخرج إلى الشارع ليرى ذاته في الآخرين ويُرى الآخرين في ذاته، وكل من تسبب ويتسبب في ذلك ..
إن الكاتب أمير تاج السر يستحق أن يقف الوطن كله معه، لأن روايته تستحق الفوز، فالمحاباة هنا مشروعة لأن فوزه هو وسام في جبين الوطن الكبير، ونحن في زمن التنافس، وحروب الآداب واللغات والثقافات المشروعة ايضا والتي لا ينهزم فيها إلا من تقاعس وأبى. ونحن للأسف لا نعرف كيف نسوق ادبنا وثقافتنا ولا كيف نقف مع كتابنا. واهلنا في مصر يفعلون ذلك خاصة في حرب الجوائز والمسابقات ولهم الحق في ذلك، وفرنسا وقفت كلها حكومة ومعارضة تهاجم جائزة نوبل وتشكك في نواياها، لأن فرنسيا لم يفز بها منذ عشرين عاما، ولم تهدأ إلا عندما فاز بها «لوكليزيو عام 2008م» تعالوا نقف مع ابننا دولة ومعارضة حتى ينال الجائزة التي سترفع رأسنا عاليا. لننسى ونضع جانبا الحقد والحسد الثقافي والتصنيف السياسي للأدب والاُدباء، والثقافة بريئة من كل ذلك.!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.