قبل البدء في كتابة المقال لابد من تعريف مصطلح «المحافظون على الأصل» فهم الذين يعملون لإعادة البلاد موحدة تحت ظل الخلافة الإسلامية كما كانت قبل الإستعمار وهذا هو الأصل الذي حوّله المستعمرون بإتفاقية سايكوس وبيكو إلى منطقة ممزقة كل مزقة أقاموا عليها دويلة تنحر أختها. يقول الإنفصاليون للمحافظين على الأصل تحت ظل الخلافة الراشدة، أنتم تغردون خارج السرب لأن الإنفصال حاصل حاصل ولذلك كل تحركاتكم ونشاطاتكم المكثفة كالكتابة في الصحف والندوات والإعتصامات والمسيرات الحاشدة وغيرها لن تُجدي نفعاً!! وقبل الرد على الإنفصاليين نريد أن نحدد من هم الإنفصاليون أهم من أهل البلاد أم من خارجها؟ الجواب: الإنفصاليون من خارج البلاد وهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وكل من دار في فلكهم لأننا لم نسمع صوتاً ينادي بالإنفصال قبل الإستعمار البريطاني لهذه البلاد فلم نسمع صوتاً من الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب بل عرفنا أن أهل البلاد في جميع الإتجاهات كانوا يعملون سوياً على دحر المستعمر وإخراجه خاسراً بائساً من جميع بلاد المسلمين ليس من السودان فحسب كما يتصور غالبية الناس، فالدليل على ذلك أن المهدي كان يهدف لتحرير مصر والحبشة والمغرب الإسلامي من المستعمرين الأوروبيين (بريطانيا- فرنسا- إيطاليا) لأنه ينظر إلى كل هذه البلاد على أنها بلاد إسلامية يجب تحريرها من الإستعمار فلم تكن نظرته على أساس الوطنية الضيقة المحرمة في الإسلام ولذلك كان يتصل بإخوته المجاهدين في كل البقاع مثل السنوسي وعمر المختار وغيرهم من أجل الوقوف صفاً واحداً ضد الإستعمار وطرده وإقامة الخلافة الإسلامية. فالحقيقة أن أهل البلاد لم يعرفوا الإنفصال يوماً من الأيام قبل الإستعمار فها هو عثمان دقنة من الشرق وعبد الله التعايشي وعلي دينار من الغرب وعلي عبداللطيف من الدينكا أي من الجنوب وعبد الفضيل الماظ من النوير ومن الجنوب أيضاً (وهذان الضابطان كانا يعملان لإعادة الخلافة الإسلامية التي هُدمت عام 1924م فلم يكن هدفهم هو إخراج المستعمر الأوروبي من السودان فقط بل كانت حركة اللواء الأبيض تضم سوريين ومصريين وغيرهم، فهي ليست حركة وطنية كما هو في التاريخ المزور الذي وضعه المستعمر البريطاني بل حركة جهادية إسلامية لإعادة الخلافة الإسلامية التي تعيد البلاد إلى وضعها الأصلي وهو أن تكون جميع بلاد المسلمين بما فيها مصر والسودان موحدة تحت ظل راية الخلافة الإسلامية كما أمر رب العالمين الله تبارك وتعالى، فالأصل هو التقيد بأوامر الله في التعامل مع الأراضي لأن الأراضي المفتوحة في الإسلام هي أراضي إسلامية تعتبر مال للمسلمين لا يجوز تسليمه للمستعمرين لقول المولى عزوجل: «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً» أي لا تتركوا الكفار يسيطروا ويتحكموا عليكم، كما أن الأصل هو الحفاظ على وحدة بلاد المسلمين لأن الله سبحانه أمر المسلمين بذلك وهذا لا يحتاج لكثير بيان) وعبد القادر ود حبوبة من الوسط (الجزيرة) و محمد أحمد المهدي من جزيرة لبب من الشمال يعملون سوياً لطرد المستعمر من جميع بلاد المسلمين، ولكن مع الأسف بعد أن جاء الإستعمار وبث سمومه في هذا البلد وعمل بسياسة فرّق تسد وجد أدوات لتنفيذ هذه السياسة فوجد قيادات سياسية مريضة استجابت لسياسته القذرة مقابل أرخص الأثمان وهي رصيد مالي في بنوك الغرب وسلطة مثل سلطة عباس في الضفة الغربية في فلسطين المغتصبة من الأمة الإسلامية. ولكن المستعمر رغم عثوره على بعض أصحاب النفوس الضعيفة إلا أن أهل البلاد لم يغفلوا عن نيته في تشتيت شملهم وظلوا متحابين فيما بينهم متآلفين يصاهرون بعضهم بعضاً ويعيشون حياة آمنة مستقرة. ولما علم المستعمر صعوبة تنفيذ مخططه زاد نشاطه بكل الوسائل الممكنة فأوكل لعملائه الكثير من المهام مثل: عقد الإتفاقيات المخالفة لعقيدة أهل البلاد فهي إتفاقيات لا تعبر عن أهل البلاد، وإنشاء صحف يومية وإذاعات تعمل ليل نهار وتلفزيونات محلية وفضائية وعقد ندوات ومحاضرات في كل أنحاء البلاد ولقاءات جماهيرية وإتصال بأمراء القبائل وشيوخها ومثقفيها وغيرهم، وهذا النشاط كان قبله إشعال حرب خاسرة لم تحقق هدفه الرئيس وهو تمزيق البلاد ولكنه فيما بعد إستفاد منها بطريقة أخرى حين علم إمتعاض أهل البلاد منها فجاءهم بطبق مزيف يضع فيه الحل الناجع على حد زعمه، وهو وَقف إطلاق النار ولكن بشروطه الخبيثة، فهنا استبدل أداة التشريح من سكين إلى صاطور أو من رصاص إلى سلاح دمار شامل وهو إتفاقية نيفاشا النووية التدميرية وهي أكثر فاعلية من الحرب حيث أنها ستمزق البلاد إلى خمسة مزق على أقل تقدير. في هذه المرحلة الحرجة التي تعيشها البلاد إستطاع المستعمر أن يُجيّش جيوشاً من المرتزقة تخدمه وتحمي مصالحه على كافة الأصعدة: صحف وأقلام وإعلاميين وقادة وساسة وشيوخ وعلماء وحكام وغيرهم إلاّ من رحم ربي، كل هؤلاء يغردون بأغنية التمزيق الإستعمارية النيفاشاوية ليل نهار، لا يملون ولا يفترون حتى وصلت بهم الوقاحة إلى أن قالوا إن الإنفصال بات أمراً واقعاً لا محالة وهو حاصل حاصل، ويطالبون من يعمل للحفاظ على الوحدة تحت ظل الخلافة الراشدة لا تحت وطأة نيفاشا، يطالبونهم بإيقاف العمل ضد الإنفصال ويقولون لهم إن مجهودكم لن يكلل بالنجاح وأحسن ليكم تبطلوا عملكم وتشفوا ليكم حاجة تانيه- يقول الإنفصاليون هذا لأنهم يظنون أن مجهودهم المستمر في خدمة المستعمر ليل نهار ومدفوع الأجر هو الأحق بالنجاح المطلوب من قبل المستعمر- كما يرون أن الذي يقيم ندوة أو يكتب في صحيفة أو يعتلي منبراً في مسجد أوينصب خياماً لجمع توقيعات ضد الإنفصال وضد الإستفتاء وضد نيفاشا المشؤومة، أو يعقد إعتصامات حاشدة، أو ينظم مسيرات حاشدة لتوعية الناس بالمخطط التمزيقي الإستعماري المشؤوم وتبصيرهم بالحل المنبثق من العقيدة الإسلامية وهو الوقوف ضد نيفاشا وتمزيق نيفاشا نفسها ورميها في مزبلة التاريخ وإقامة الخلافة الراشدة التي تطبق الإسلام وتطرد الإستعمار وتعاقب المرتزقة وتحافظ على وحدة البلاد وتضمها بعد ذلك لبقية بلاد المسلمين ثم تغزوا أوروبا وأمريكا لتنشر الخير في ربوع العالم وبهذا العمل تشهد الأمة الإسلامية على جميع الأمم يوم القيامة بأنها بحق قد بلّغت كما بلّغ نبيها الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يرى الإنفصاليون كل هذا النشاط الواعي المخلص لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمعادي للإستعمار يرونه تغريداً خارج السرب!! عن أي سرب يتحدثون؟ أيتحدثون عن سرب الغربان؟! فمن يغرد مع سرب الغربان ليس سوياً بل هو أعوج وغير عاقل والعاقل من تجنب أسراب الغربان التي تقودها (بريطانيا وأمريكا وفرنسا) وكان في معية الله عزّ وجل فهو حسبه وناصره ونصره مؤزر ولو بعد حين، وأما الذين يسيرون مع الغربان فالله الله عليهم فهو معذبهم عذاباً شديداً وهو شديد العقاب. عجباً لهؤلاء الإنفصاليين الذين يصفون من ينشط للحفاظ على وحدة البلاد تحت ظل الخلافة الراشدة وتفويت الفرصة على المستعمر، بأن نشاطه المكثف ليس له معنى ويستنكرون عليه هذا النشاط المكثف، في حين أنهم لا ينظرون إلى نشاطهم المحموم ليل نهار، (لأن الجمل لا يرى عوجة رقبته) وهنا سؤال: لماذا نشاط الإنفصاليين مكثف بهذه الصورة مع أنهم يقولون إن الإنفصال حاصل حاصل؟ الجواب أولاً: لأن الإنفصاليين لا يُعبرون عن حقيقة أهل البلاد بل هم يعملون على تعمية هذه الحقيقة ولذلك يَتْعَبُون كثيراً في عملهم التضليلي فتجدهم محتاجين لحملات مكثفة في كافة وسائل الإعلام وبكل السبل لتحقيق غايتهم الخبيثة وهي إقناع أهل البلاد بأنهم مكونين من عناصر مختلفة لا يمكن جمعها في مكان واحد وكونها عاشت سوياً كل هذه الفترة فهذه معجزة لم تتكرر ولن تتكرر على حد تعبيرهم!! خيب الله فألهم وشتت تركيزهم، نشاطهم المحموم هذا هو لأنهم يعلمون علم اليقين أن نجاحهم موكول بإقناع أهل البلاد لأنهم الضامن الوحيد لتحقيق المخطط الإستعماري الخبيث، ولكن سبحان الله أهل البلاد لا يستجيبون لأي مخطط إستعماري وهذا ما يؤرق الإنفصاليين ويدفعهم لزيادة نشاطهم الفاشل حتماً. ثانياً: لأن الإنفصاليين يغارون ويحسدونَ من يعمل للحفاظ على الوحدة تحت ظل الخلافة الراشدة بإمكانيات محلية بسيطة (لا بإمكانيات دولية ضخمة معادية للإسلام والمسلمين) ورغم ذلك أعماله مكللة بالنجاح الباهر الذي لم يستطيع الإنفصاليون تحقيقه رغم حصولهم على المعونات بكل أشكالها من المستعمرين، لذلك يبرز دور الإنفصاليين هنا بعمل مضاد وهو تثبيط من يعمل للحفاظ على الوحدة تحت ظل الخلافة الراشدة، بأن يقولوا له لن تنجح أعمالك وستعود خاسراً!! و رد فعلهم هذا على غرار (الما بتقدر تحصلوا جدعوا). أيها القارئ العزيز هل عرفت الحقيقة مع من؟ إن الحقيقة كل الحقيقة فيمن يعبر عن ما يجيش في دواخل أهل البلاد، والحقيقة كل الحقيقة هي أن أهل البلاد يريدون الحفاظ على وحدة البلاد تحت ظل الإسلام لا تحت وطأة نيفاشا أو غيرها، وبالتالي فإن الأعمال المصطنعة هي أعمال الإنفصاليين لأنها عكس الحقيقة الواضحة التي لا يعتليها أي غبار، فقد كنت في أعمل ضمن حملة جمع توقيعات مليونية ضد الإنفصال والإستفتاء ونيفاشا والإستعمار، فكان الناس يتدافعون من كل صوب وحدب ومن كل الأعراق والسحن أبيضهم وأسودهم من كل بقاع السودان يوقعون ويقولون نحن لا نريد الإنفصال إنفصال شنو؟ ثم قالت إمرأة عجوز يا ولدي نحنا والله نركب الحمير ونمشي نفتح أمريكا، فقلت الله أكبر الله أكبر وكان الشباب والشيوخ والنساء والرجال والأطباء والمعلمون والموظفون والصبيان المشردون والشرطة والجيش يوقعون و يجمعون معنا التوقيعات من قراهم ومنازلهم، بل حتى نصارى الجنوب كانوا يوقعون ضد الإنفصال أليس كل هذا التفاعل من أهل السودان هو أكبر دليل على أنهم لا يعرفون سوى الوحدة ويريدون المحافظة حتى لو كان الثمن دماءهم كما كانوا ولا زالوا يقولون لنا سنحارب من يريد تقطيع وتشريح أجسادنا وبلادنا أمريكا وأعوانها. وهذه الرسالة أرجو أن تكون كاشفة للمستور خلف ستائر الإستعمار الحاقد على الإسلام والمسلمين بل على كل الشعوب لأن المستعمر لا يرى سوى نفسه في كوكب الكرة الأرضية الشاسع، ولا ينظر حتى لمن باع دينه ودنياه وأهله مقابل فتات من المال وسلطة منزوعة القرار بل قرارها في جحور البيت الأبيض بواشنطن. وهذه صيحة أعلنها بأن أهل هذا البلد الطيب سيحاسبون من باعهم في سوق النخاسة وسيحاسبون من طعنهم في ظهرهم بخنجر مسموم فأهل السودان ليسوا غافلين ونائمين بل هم مستيقظون ولكنهم يعانون من آلام الخنجر المسموم الذي سرعان ما يعالجونه ليتفرغوا بعدها إلى تنفيذ محاسبة ومحاكمة الخونة الإنفصاليين وعندها لن ينقذهم المستعمر مع أنهم خدامه الذين كانوا تحت أرجله ليل نهار ويأكلون من بقايا طعامه.