في قلب الخرطوم، تربعت مباني تجاوز عمرها الزمان أخذت الطابع المعماري الإيطالي الذي إتسم بجمال التصاميم وروعته لتقام عند ذلك المبنى مدارس كمبوني، التي تعتبر من أقدم المدارس في السودان وهي واحدة من مجموعة المدارس التي أسسها دانيال كمبوني بغرض تأهيل الأفارقة للعمل في نطاق الكنيسة. وكانت الحكومة قد سمحت للكنيسة الأسقفية بفتح مدرسة الخرطوم عام 1908م للجالية القبطية وبفتح مدرسة بالخرطوم عام 1902م وقد وأفقت الحكومات المتعاقبة السماح للكنائس والجاليات بفتح مدارس بمراحلها المختلفة وعلى النطاقين الأكاديمي والفني، إلى أن بلغ عددها حوالي «240» مؤسسة ما بين مدارس ومعاهد وكليات بحسب احصائية عدد المدارس بالكنائس وتعتبر مدارس كمبوني مؤسسات تعليمية تابعة لمجلس الكنائس السوداني. وفي الوقت الذي تسود فيه الشريعة الإسلامية شمال السودان وأعلن الرئيس عمر حسن البشير بأن الشريعة ستكون المصدر الرئيسي للتشريع في الدستور الجديد كما جاء في حديثه الأحد الماضي عند الاحتفال بأعياد الحصاد بولاية القضارف يظل السؤال كيف يكون وضع الكمبوني؟ وبالإضافة لذلك فما هي إلا أيام وتفتح فيها للجنوبيين صناديق الإقتراع لاستفتاء تقرير مصيرهم ما بين خياري الوحدة والانفصال وإن كان قد بات الأخير هو الأقرب للواقع وتفاصيله الماثلة لتنشط حركة العودة جنوباً مع ظل الحديث عن ضعف الخدمات والتنمية إلا أن ذلك تطغى عليه أحلام أرض الأجداد ليعود النازحين لديارهم ومن ضمنهم أبنائهم الذين انضموا خلال تلك الأعوام إلى مؤسسات تعليمية من ضمنها الكمبوني فهل سيبقى في الشمال أم يتجه جنوباً؟ كان في بداية جولتنا ان التقينا بالمواطن خالد فضل الله والذي قال إذا ما انفصل الجنوب فلا أرى أي أسباب لبقاء الكمبوني بالشمال ولسنا في حوجة إلى مدارسهم تلك بل ستحتاج البلاد إلى الموقع الذي يتمتع به الآن في استثمار اقتصادي وتشاركه إيمان الطيب الموظفة بالقطاع الحكومي الرأي في ذلك عندما ذهبت للقول بأن كمبوني مؤسسات تبشير مسيحي ولن يكون هناك وجود للمسيحية بالشمال بعد عودة أبناء الجنوب والجانب التعليمي الذي تقوم به هذه المدارس مدارسنا أولى بسد هذا الفراغ إن وجد وإن كان هذا من رأي الشارع العام فما وجدناه داخل مباني كلية كمبوني بلخرطوم كان مغايراً لذا عندما إلتقينا سماهر عمر والتي قالت بأن الكمبوني من مؤسسات التعليم التي تمثل إضافة حقيقية للبلاد لذا لابد من التأكيد على ضرورة بقاءها بالشمال وذهبت بالقول بأن أغلب المستفيدين منه من الشماليين وفي ذات المنحى تذهب روز أزايا الطالبة بالكلية إلى القول بأن الجنوب الآن يمر بمرحلة صعبة يحتاج فيها لأبنائه وإن كانت مؤسسات التعليم الجامعي قد قررت ترحيل جامعة جوبا وبحر الغزال وأعالي النيل فلابد من النظر إلى مستقبل الجنوبيين الذين لا يرغبون في العودة للجنوب ولو كانت مدارس الكمبوني تابعة للجنوب لتم ترحيلها. وفي المكاتب الإدارية لكلية كمبوني كان لنا حديث مع مديره الذي قابلنا بوجه بشوش وإبتسامة ظلت مطبوعة على وجهه طوال فترة حديثنا معه، البابا بابيلو الممثل العام والمسؤول عن مؤسسة الكمبوني والذي إبتدر معنا بالقول بأن الكمبوني كمؤسسة تكونت من سبعة عشر شخص عند التأسيس كنت المسؤول عنهم منذ تأسيس الكمبوني وهم إداريين تابعين لمجلس الكنائس فالكمبوني مؤسسة تعليمية أهدافها تنحصر في مجال التعليم ونشر العلم بعيداً عن الربح واعتماديتها من وزارة التعليم وهي مؤسسات غير روحية بخلاف ما قد يفهم. وعن وضع الكمبوني واستمرارية تقديمه لخدماته التعليمية في الشمال قطع بابيلو جازماً بالقول بأنني أتيت للخرطوم منذ حوالي واحد وخمسين عاماً وكان ضمن إداريي بلكلية ثلاثة جنوبيين فقط وحالياً هم خمس وأربعين جنوبي فقط وأسست الكلية أساساً في الخرطوم وستظل في الخرطوم لأن أولوية تأسيسها كانت لخدمة أبناء شمال السودان وليس جنوبه وإنما أبناء الجنوب هم جزء من طلابها وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي كان أبناء الشمال لم يتم منع أبناء الجنوب من الإلتحاق بها، لأن المؤسسة تضم من ضمن طلابها الأجانب. وإذا ما وقع انفصال لن يتأثر الكمبوني بعودة الجنوبيين وأبنائهم لأن نسبتهم لا تتعدى «25%» من جملة طلاب كمبوني الخرطوم وحتى إذا ما اختاروا العودة للجنوب ورحلوا جميعاً فلن يؤثر ذلك على الكمبوني بشئ لأن نسبة ال«75%» الباقية تحوى أبناء الشمال والأجانب من دول الجوار وحتى الآن هناك ست طلاب فقط سحبوا أوراقهم من الكلية. وعما إذا كان لديهم رغبة في إنشاء فروع بالجنوب قال البابا إن هذا الأمر يظل خاص بإدارات التعليم بالجنوب في مدينة جوبا ومدينة واو إذا أرادت أن تنشئ مدارس كمبوني لأبنائها العائدين هناك وليس هناك ما يقيد بأن تكون تحت مسمى كمبوني والأمر برمته تابع لمجلس الكنائس وبعيداً عن دوائر اختصاصنا. وفي اتصال هاتفي مع القيادي الجنوبي وعضو المؤتمر الوطني ورئيس قطاع الجنوب قبريال روروج والذي قال إذا ما نظرنا إلى الجانب السلبي من نتائج الاستفتاء بأن النتيجة هي انفصال الجنوب فالحكومة ورئيس الجمهورية وكل الولاة بالولايات الشمالية بما فيهم والي الخرطوم قد تبنوا حماية أبناء الجنوب على كافة مستويات الخدمات بما فيها التعليم وتوفير كل حقوق المواطنة لهم مثلهم مثل مواطني الشمال إلا إذا ما طالب أحد وأراد أن يتحرك من مكان إلى آخر فهذا واحد من حقوقه. وفي مجمل حديثه لنا قال إن مبادئ الاستفتاء أقرت بأنه إذا ما حدث فأى فرد له كامل الحرية في البقاء في شمالاً أو العودة للجنوب بحسب اتفاق حكومة المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية وأكد في ختام حديثه إلى عدم الاقدام على إغلاق أي مدرسة أو منع أي طالب من الإلتحاق بالمدرس التي يرغب في الالتحاق بها طالما استوفى شروط القبول بها.