النشّار.. شاعر الاسكندرية الساخر، تصادف يوماً ان تقرر نقله إلى طنطا ليشغل الوظيفة التي شغرت بانتقال رفاعة الطهطاوى الى الخرطوم ليعمل في المدرسة الابتدائية التي احتلت مكانها الآن برج البركة. ذهب النشار الى طنطا كارهاً تركه الاسكندرية منشداً: أثالثة العواصم في بلادي؟ أحقاً أنت ثالثة الاثافي أرى البدوى محتلاً زراها وأنا هنا عريان حافي وما بلد تولاها ولى بصالحة لعشاق القوافي وفي رواية أخرى يقول: وما بلد تولاها ولي بصالحة لعشاف السلاف! لم يمكث النشار كثيراً في طنطا.. فرّ بجلده الى الاسكندرية فاعادوه مرة أخرى الى طنطا، وهو في طريقه إليها، مر بتمثال اسماعيل باشا الذى قضى نحبه في شندى منتصباً وسط القاهرة بيده الممدودة، ولمّأ كان النشار سكراناً ? طينة? حدّق في التمثال طويلاً وقال: تشير الى باب الحديد بأصبع؟! لك الحق يا مولاى أقفل راجعاً..! فولج الى محطة السكة الحديد وقفل عائداً الى الاسكندرية، فلم يكن أمام وزير المعارف المصرية سوى إلغاء نقله وبقائه في الاسكندرية. المؤكد ان شاعراً في سخرية النشار لو شاهد الباخرة ? ملك ? في ميناء الاسماعيلية العام 1897م يتم تفكيكها لتشحن عبر قطارات السكة الحديد في أجزاء لتصل الى محطة العبيدية شمال عطبرة لتلعب بعدها دوراً بارزاً في تغيير الخارطة الجغرافية والسياسية في السودان قبل ان تصبح مخزناً للنفايات حتي يسخر الله لها د.محمد البارودي وزير الثقافة والإعلام بولاية الخرطوم لينتشلها ويحولها لمزار يقصده طلبة السياحة والتراث والتاريخ. مطية كتشنر حين تقرر إرسال كتشنر الى السودان عوضاً عن الهالك غردون، جاء في معيته سرب من البواخر, لم يذكر المؤرخون من أسماء العشرة سوى أربعة: سلطانة - ملك - شيخ - الداخلة. بعد ان تم تجميع ? ملك ? وصويحباتها في العبيدية، ابحرن جنوباً صوب الخرطوم، واختار كتشنر ان يمتطى صهوة ? ملك ? ربما لتفردها عن الاخريات، لم لا, وهي المزودة برشاش وهاوزر ومدفع مكسيم. والمكسيم كان يومها من أسلحة الدمار الشامل حتى ان السودانيين اطلقوا عليه ? أب ثكلى ? لأنه سريع الطلقات، لا تفصل بين الطلقة والاخرى سوى ثوانٍ مما دفع بالمغنى ان يفخر: إخواتى البنات الجرى ده ما حقي حقى المشنقة والمدفع اب ثكلى زنقة السبلوقة حين علم الخليفة عبد الله ود تورشين بسرب البواخر التي تقل كتشنر وأعوانه، دعى القادة والامراء لتدارك الأمر, فأشار عليه الأمير عثمان دقنة بأن تتم مهاجمة الباخرة ? ملك ? في زنقة شلال السبلوقة، لكن الخليفة على غير عادته رجح رأى الأغلبية التي رأت ان خروج القوات من أم درمان سيترك ظهر المدينة عارياً من صحة الأمن… وليت الخليفة خضع لرأى عثمان دقنة.. ربما الحق كتشنر بغردون وربما.. وربما.. سارت الباخرة ?ملك? وسط النهر تجنباً للاحتكاك مع المواطنين والدخول في مناوشات تستدعى اطلاق النار.. وكتشنر الشحيح كان حريصاً ألاّ يهدر أية طلقة وادخارها لمعركة ام درمان المقبلة. طابيتا الحتانة والصبابي الباخرة ? ملك ? في طريقها الى الخرطوم، دمرت طابية الحتانة ثم طابية الصبابي حتى تناثر اشلاء الانصار، وحين وصلت الى الاسكلا، ضربت قبة الامام المهدى بسبع طلقات أحدثت بها فجوة قال فيها الخليفة عبد الله قولته الشهيرة: بنيناها من طين … وحنبنيها من طين! قبالة القصر الجمهوري، أطلقت الباخرة ملك عشرين طلقة تحية لروح الهالك غردون ثم أقيم داخلها قداساً أعقبه رفع العلمين المصرى والانجليزي. ملك في الرصيرص تحركت الباخرة ملك بصحبة الباخرة المتمة الى الرصيرص لتعطيل تحرك الامير احمد فضيل والحيلولة دون التحاق قواته بالخليفة عبد الله في ام دبيكرات حيث تم قتلهم ولم يبق منهم سوى ثلاثين رجلاً. ويقول الدكتور فتح العليم عبد الله في كتابه الوثيقة: ? عجائب الخرطوم السبعة ? ان الخليفة عبد الله حاول استخدام لغمين بحريين لتفجير الباخرة ملك، الاول انفجر في زارعيه من الانصار فيما لم يلحق الثانية اي ضرر بالباخرة. ثمنه 50 جنيهاً في العام 1909م تم تأجير الباخرة ملك لنادى الزوارق العتيد، شريطة الاّ يحدثوا فيها تعديلاً او تحويراً.. وفي العام 1924م تم استخدام ملك كمعتقل لثوار اللواء الابيض وكانت ترسو بالمعتقلين في منتصف النهر تحرسها ثلاثة مراكب قبل ان يكتمل بناء سجن كوبر. بيعت الباخرة ملك لنادى الزوارق في العام 1926م بمبلغ خمسين جنيهاً سدد بالشيك رقم 105486-B4. وفي العام 1939م استخدمت الباخرة ملك مستودعاً للوقود لنقله من الشمال الى الجنوب ابان الحرب العالمية الثانية. وفي العام 1988م جرفها الفيضان الى خارج مجرى النيل وحين انحساره تدريجياً بقيت على اليابسة حتى تولت وزارة الثقافة بولاية الخرطوم ترميمها ونقلها الي منطقة الطابية بامدرمان لتكون مزاراً اثرياً سياحياً ومفتوحاً للأجانب والمحليين والطلاب.