ليس هنالك ثمة شك في ان الروح الغالبة على ثقافة أمتنا هي الروح الإسلامية التي صنعت تاريخ هذه الامة وقاعدتها الاخلاقية، وابقت عليها رغم كل موجات التغريب، ولذلك مثلت الصحوة الإسلامية استجابة مناسبة للنهج الثقافي الذي راح يتلمس خطوات النهضة الغربية في مقاومتها لهذا الدين، فقد ادى اغفال فعالية الدين في مجتمعاتنا المسلمة الى تحطيم السد الذي كان يقف حائلا في وجه الغزو الفكري وغيره من انواع الغزو التي ابتليت بها أمتنا الإسلامية. ليس الخطر الذي يهدد أمتنا ناشئاً عن الصراع بين الاصيل والدخيل لأنه من سنن الله في الكون ولكن في اعتقادي ان الخطر هو ان يزول هذا الصراع ويفقد الناس الاحساس بالفرق بين ما هو إسلامي وما هو مستجلب (شرقيا كان ام غربيا) لأنه يعني فقدان الاحساس بالذات، فالامة تدرك ذاتها عن طريق وحدتها التي تكونها الثقافة والمفاهيم والتقاليد المشتركة وعن طريق تميزها واستقلالها الحضاري، ايضا هنالك خطر الانقسام والانفصال الذي يفتتها والعالمية التي تميعها (انفتاحا على الثقافات الاخرى دون ضوابط). وقد انصبت محاولات الغرب في هدم الإسلام عن طريق اضعافه في نفوس المسلمين ليس فقط بمحاربته كعقيدة او الهجوم عليه كنظام، وانما ايضا عن طريق تغيير الاوضاع الاجتماعية وانماط العلاقات بين الناس في ديار المسلمين بطريقة تجعلها قائمة على تعارض مع تصورات الشريعة واحكامها وتغيير سلوك الناس واساليب العيش ، وعندما يظهر التعارض بين هذه العادات الدخيلة وفقه الشريعة يحاصر الإسلام بين بديلين : (إما الرضا بهذه الافكار او الاتهام بالجمود)!! وهنا مكمن الخطر الذي يهدد الامة، لذلك لابد من الاستقلال الحضاري والتمسك بالعقيدة والمبادئ والقيم والعمل على حماية الامة من الوقوع في التقليد والمحاكاة للحضارة الغربية. من المؤكد ان الحضارات تلتقى في مجالات العلوم والتقانة ولكنها تختلف وتتمايز بعقائدها ومبادئها واسلوب عيشها، ومن هنا لا نحبذ نبذ الحضارة الغربية برمتها لأن هنالك مكاسب علمية وتقنية مكتسبة، فليس هنالك ما يمنع الاستفادة من الواقع العالمي بكل مكوناته ، وتوظيف جميع مكاسب الحضارة الانسانية في تجديد بناء المجتمع الانساني، والانتقال من مرحلة الصحوة الى مرحلة النهضة توطئة لتقليد الدور الريادي في قيادة البشرية لاسيما في ظل افلاس الحضارة الغربية. * المركز العالمي للدراسات الافريقية