ليس السفر في بحر الكلمات متعة لمن يلج طرقه، لكنه سؤال محموم بأوجاع ذاكرة الأنسان، فعلاً حاضراً ومستقبلاً، على أن الماضي خلفية تاريخ خطى المبدع كلمات في سيرة إبداع جهاد أبو حشيش الشاعر والاديب والناشر الاردنى الكبير جهاد ابو حشيش وصاحب دار فضاءات، الذي أصدر ثلاثة دواوين شعرية هي «أعترافات إرهابي» و «جسد بلا نوافذ» و آخر ديوان له «امرأة في بلاد الحريم» وجاء الى السودان فى اول زيارة له لحضور حفل تدشين إصدارات الكاتب السودانى أسامة رقيعة إلتقته الزميلة أمانى بخيت البشير وخرجت بهذه الحصيلة لمزيد من التواصل. ٭ أستاد جهاد هذه أول زيارة لك للسودان ما رايك فى الشعب السودانى والعلاقات الانسانية الابداع والمبدعيين ورواد الادب ولغة التواصل الوجدانى مع الاخر؟ - في السودان تلتقي نصوص أغنية مبدعة شعرا وقصة ورواية ولكنك تحس بالاسى لانها غالبا ما تظل منحصرة داخل الاطار القطري. وعلى الصعيد الانساني من الطبيعي أن تحس بالحميمية والراحة لانك تتعامل مع اناس لا يمتلكون الا صدقهم وطيبتهم وتسامحهم في كل الاحوال، وهم يمتلكون شغفا في محاولة إيصال السودان إليك بكل روعته وبكل كبرياءة وبساطته وقدرته على حب الاخر، رغم كل ما يمر به، في الصباح صحوت وحاولت وانا احتسي قهوتي أن أكتب ما احسسته في اليوم الاول لي في السودان لكني لم استطع أن اكمل، فقد كنت احس أن المفردة ما زالت غير معبأة بالمكان وبعد أن إلتقيت الاصدقاء اسامة رقيعة والروائية السودانية أُميّمة وتجولنا في أم درمان وبحري والخرطوم وإلتقطت كل مفرداتهم وحركاتهم ووشوشات المكان وعبقه بالتاريخ المملوء بهمهمةالفرسان، احسستني أقول: في السودان: ثمة طرق تسرق منك الخطوة تعبأك بارتياد الطيبين لسرة وقتك وحينما سالوني لماذا الان، قلت الآن أحسست أن المفردة قد اصبحت معبأة بكل ما يقال. ٭ ومن ذاكرة الابداع السودانية قبل الوصول؟ أنحني امام هامة سودانية كالطيب صالح وامير تاج السر وامام الكثير من المبدعين السودانيين الذين عرفت والذين لم اعرف ممن تتعالى نصوصهم في قامتها الابداعية، لكن هذا لا يمنع ان نقول ان الادب والابداع لا بد له من حامل ومسوق خاصة في عصر الانترنت والفضائيات، وانشغال الماكنة الاعلامية بالخبر السياسي والاعلان التجاري للمواد، الاستهلاكية. ولا يمكن لادب لا ييغادر قطريته انتشارا ان يحقق ما يرجوه كاتبه منه، ان الكونية هي طموح الابداع وعلينا ان نعمل لتحقيقها. ٭ تلمست كتابات كثير من المبدعيين ما الذى حفزك فى كتابات الكاتب السودانى اسامة رقيعة وهل استطاع من خلال كتاباته أن يكون سفيرا لشباب السودان المبدع خارجيا وهل بعث فى نفسك حافز البحث عن مبدعيين جدد لتقديمهم للساحة الثقافية العربية من خلال دار فضاءات للنشر وهل فكرت بعد زيارتك للسودان المسير فى دات النسق مع مبدعيين سودانيين؟ ما حفزني في اسامة وخاصة قبيل نشر ذكريات «مدام س» هو تلك الملامح التي رسمها للسودان من خلال «مدام س» وذكرياتها ومن خلال تصويره لبساطة وطيبة السوداني وتسامحه واصراره على النجاح، أضف الى ذلك انني وجدت كل ما كتب عن السودان واهلها متمثلا به عندما التقيته في الشارقة. لقد حرضني اسامه من خلال كتاباته ومن خلال حواراتنا التي كنا نركز فيها على قدرة الادب والابداع على ان يحلق عاليا، واتفقنا حول رؤيتنا التي مفادها أن الكثير من الكتاب السودانيين يمتلكون نصا ابداعيا يوازي أكثر النصوص العربية إبداعيا، ويجب ان لا تنفصل التجربة السودانية عن التجربة الابداعية العربية بل من الضروري أن يتم العمل على نشر وترويج الاعمال الابداعية السودانية وطرحها عربيا وعالميا. وللعلم فحفلات تدشين الكتب بالنسبة لدار فضاءات هي امر ضروري تعمل عليه بعد أن تقوم بحملتها الاعلامية للترويج للكتاب وللكاتب لكي تعرف القارئ به وبنصه، وبالتأكيد لم أكن لاتي لو لم يكن لدى الدار الايمان بانها ستنجح في ان تجسر للكثير من الكتاب السودانيين ليحققوا ما يستحقون من انتشار عربي. ٭ أستاذ جهاد سعيدان تسعد الاخرين وتتبنى افكارهم من أجل أن ترى النور وانت تراهن على الجمال والابداع اينما كان وفى اى زمان ومكان فى زمن راى الكثير ان الابداع تجارة خاسرة هل ارتضى جهاد لنفسه خدمة المبدعيين ام أن الابداع تجسر فى ذاته فراهن على ميلاده وخدمته ليستشعره الاخرين؟ حينما يصبح الابداع نافذتك للكون وحينما تعاني كمبدع من جشع كثير من الوراقين الذي لايهمهم في الكتاب سوى انه ورق جاد البرودة ولا يعدو كونه مجرد رقم في حساباتهم، يكون لزاما عليك أن تحلم وتؤمن بانك قادر على تحقيق احلامك، من هنا انطلقت دار فضاءات واستطاعت ان تؤثث لعلاقة ناجحة مع الكتاب، علاقة اثثت لمصداقية واسست أرضية ثرية من خلال ما نشرت من النصوص إبداعية لكتاب كبار كلطفية الدليمي وعلي جعفر العلاق والروائي قاسم توفيق والشاعر محمد حلمي الريشة والشاعر المغربي حسن نجمي والرواي هاشم غرايبة ومحمود الريماوي شيخ القصة في فلسطين والاردن، والكثير الكثير من الكتاب الجدد الذين أمنت الدار بنصوصهم وابداعهم فاستطاعت أن تنقل هذا الايمان الى القارئ العربي، واستطاعت ان تساهم في انتشارهم عربيا وبعضهم الان من الاسماء المهمة ابداعيا واعلاميا أمثال القاص والناقد إياد نصار وايناس عبدالله صاحبة رواية «لا ملائكة في رام الله» والشاعرة صونيا خضر والاعلامي ايمن عبوشي والقاص والاعلامي مهند صلاحات واخرون كثر. من هنا نستطيع القول أن الابداع يوفر ارضية حقيقية لتجدد روحك ومنحك حيوانات قابلة للحياة والابداع. ٭ أستاد جهاد الشاعر متى تاتى لحظة ميلاد القصيدة وماهى اكثر ضروب الشعر حضورا فى كتاباتك ولمن تقرا من الشعراء؟ النص لا يستأذنك فقد يتسلل إليك مع ضحكة طفل او دفء ام او جموح إمرأة او ريح قهر قد تتعثر بها في الطريق إليك اذا كنت تقصدين بالضروب التي اكتب من حيث الشكل فقد كتبت القصيدة العامودية والتفعيلة وقصيدة النثر، فالشعر هو الشعر اما الشكل فهو يولد مع النص ولا ينفصل عنه اما الايقاع فهو وحدة نَفَس يتولد في حينه ولا انسى انني قد كتبت الشعر المحكي ايضا واصدرت ديوان مدي الارض باللهجة الشعبية عام «9291م» اما ما نشر لي بالفصحى فكان بداية اغنيات للحلم، و جسد بلا نوافذ وامرأة في بلاد الحريم، واعترافات ارهابي. ٭ هل ستتكرر زيارتك للسودان قريبا؟ بالتأكيد اتمنى أن تتكرر هذه الزيارة بل لا بد أن تتكرر فنحن جميعا معنيون بتطوير قدراتنا الاعلامية التي تساهم في تفعيل الحراك الثقافي المحلي والعربي نزوعا الى العالمية، واشكر مؤسسة اروقة للثقافة والعلوم التي بادرت وعملت على تبني هذا النشاط ووزارة الثقافة السودانية التي رعت الفعالية وتحيتى الى الوزير السمؤال خلف الله واتمنى ان يكون هناك تفعيل دائم وحقيقي لدور الوزارة والمؤسسات العامة والخاصة في دعم الحراك الثقافي السوداني على المستوى المحلي والعربي. وقد دفعتني هذه الزيارة الى البدء في التفكير الجدي على ايجاد شكل قد يرقى كما نبتغي الى ايجاد فرع لدار فضاءات فى السودان .