كنا طلاباً بالمدرسة الوسطى كآخر طلاب بهذا المسمى وذلك قبيل عام 1983 أي قبل ان تغلق البارات ابوابها وتسكب زجاجات الخمر في نهر النيل ويودعها كثير من معاقريها ويرى الناس وجوه بعضهم الحقيقة لاول مرة اذ انها كانت تختبئ تحت ورم الخمر، كأنهم في حفل تنكري!!!! ، ونزول المسيح من السماء ليسقي الحليب ويكسر الصليب !!! ويلبس النميري عمامة أمير المؤمنين ويتبختر الخروف بجوار الذئب !!!. بكى زميلنا (.....) وهذا هو لقبه بكاء حارا رغم كبر سنه الا انه صار كالطفل الرضيع حاول مؤانسوه ونادموه ونادلوه اسكاته ولكنه كلما قالوا له اسكت..... اشتد بكاؤه وانتحب، ولما كان منزلنا يجاور المدرسة بتالودي و كنا نحن في عطلة شم النسيم احضروه الينا ، ثار بكاؤه فضولي فسألته ما السبب ؟!!! رد بان سالت الدموع من عينيه مجددا وقال لي وهو مازال تحت رحمة الخمر) انه علم اليوم فقط ان المسيح( عليه السلام قد مات وانه لفراقه لمحزون ومكلوم!!!!!!!. عندما افاق من نشوة السكر Euphoria في اليوم التالي وقصصنا له قصته مع المسيح ذهب و طلب من مدير المدرسة نقله بالحاح الى مدرسة اخرى بعد ان قص له قصته بشفافية ايضا وكيف انه لايستطيع البقاء في المدرسة من فرط الفضيحة فنقل الى مدرسة أبي جبيهة الوسطى التي تخرج فيها كما خرجت الخمر من نفسه ورغبته وتاب . أخاله وهويقرأ هذه القصة الآن فيقذف بالصحيفة بعيدا بغير وجه ويستغرق في الضحك (اها اها اها ) ويقول في حقي عباراته القديمة، التي اجزم انها لم تفارق لسانه بعد، ( شوف ود الكلب ده ما بنسى اصلو!!!!!!). قال الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر معلقا على استفتاء الجنوب في يومه الاول ( ان الجنوبيين سيواجهون بخيبة امل عندما تتبدد نشوة الاستقلال وتظهر الحقائق الصعبة لبناء دولة من الصفر) When the euphoria dissipates قلنا في مقال سابق ان ممارسة حق تقرير المصير لاهل الجنوب حق عاطفي قبل ان يندرج تحت ابط الاعلان العالمي لحقوق الانسان او يمهروه المهارون!! في صحيفة اتفاقية السلام الشاملة. ونعلم علم اليقين ان الاتحاد الافريقي الذي( بالليل مع القتاليين وبالنهار مع لاقطين الدروب) كان يعجبه الانفصال ولكنه في لحظة السكر والنشوة هذه لن يفيق منها حتى تأتي له الفكرة ، فقد اندهش حينما نظر الى مقعد دولة كالمملكة المغربية بات خاليا اثر انسحابها من عضوية الاتحاد الافريقي احتجاجا عليهم باعترافهم بثوار الصحراء المغربية او ما يعرف بثورة البلوساريو عجبتهم لغتهم الامازغية وقبيلة الطوارق الملثمة !!!!! دعني أيها القارئ اقول لك ماذا يجري الآن صمتا في احشاء افريقيا ذاتها ، نجيريا تتململ الآن وهي تراقب هذا الاستفتاء بحذر شديد ولكن لماذا كانت ابوجا!!! واهل الشمال يضغطون للانفصال ومورتانيا رغم انها جاءت ناصحة ، الآن في الطريق والكنغو الحلم القديم وجنوب الكميرون الذي يتحدث الانجليزية وكل الكيانات العرقية الآن تتململ ليصبح انفصال الجنوب ( (malignan Act حريق يلتهم كل الكيانات التي اطلق عليها الاستعمار دويلات افريقيا التي هي مجرد تجمعات اثنية مقطعة الاوصال بين حدود سياسية وهمية صنعها الاستعمار الاوربي لنفسه و لخدمة اغراضه ولم تنضج كأمم بعد)تأمل دول الجوار)!. الجنوب هو القومية الوحيدة في السودان ليس لها قبلية مشتركة في الشمال الجغرافي بين السودان وتشاد تسعةعشر قبيلة،، بين السودان وافريقيا الوسطى اربعة قبائل السودان ويوغندا ثلاثة قبائل مشتركة، بين السودان والكنغو قبيلتان وكينيا ثلاثة قبائل، بين السودان واثيوبيا اربع قبائل كبيرة ، بين السودان وارتريا خمس قبائل السودان والسعودية قبيلتان.، بين السودان ومصر، بين السودان وليبيا انفصال الجنوب هو جزء من ظاهرة إعادة الرسم للجغرافية السياسية كما بشر به Joel kotkin في مجلة النيوز ويك ( هكذا تمضي مجلة النيوز ويكNewsweek في اصدارتها لشهر اكتوبر 2010 في ان العالم يوم يتمرد على الحدود السياسية ويتجه الى التخلي عن الفكرة القديمة التي تنظم بها البشرية نفسها حيث قامت روابط قبلية جديدة بفعل العولمة مما جعل الدبلوماسية لا تعرف الحدود ولكن التاريخ المشترك والجنس والعرق والدين والثقافة)1. نعم هنالك فرق بين اهالي دارفور واهل الجنوب وجبال النوبة والنيل الازرق وشرق السودان لغياب الوحدة الثقافية ولوجود الثنائية الثقافية فيهما وتنعدم في الجنوب وامتدادهم في العمق الشمالي والوسط. فانفصال الجنوب ليس بالضرورة يعني امتداد حريقه الى هذه المناطق ، فالجنوب يتخذ منها درعاً يدرع به نفسه من خروج الشمال عليه وهذا ما ذكرناه في سلسلة مقالاتنا ( اثر انفصال الجنوب على المناطق الثلاث، في سبع حلقات متتالية الورقة شاركت بها في ندوة تقرير المصير بين الحق والواجب التي نظمها مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتجية بالتعاون مع جامعة افريقيا العالمية تحت عنوان ( تقرير المصير الحق والواجب) بتاريخ الثلاثاء 15 يونيو 2010 بقاعة الصداقة باشراف السيد وزير الخارجية علي كرتي . فانا اهنئ شعب الجنوب بميلاد دولته الجديدة ولا اجد عيباً في ذلك ولا حرج ولكني اجد حزنا عميقا في قلبي على الاحبة والاخوة والاخوات نعم الاخوات!!! الذين روت دماؤهم الطاهرة ارضه دفاعا عن وحدة تراب هذا الوطن من الطرفين!!! فما من اسرة الا ولها حبيب يرقد هنالك ينتظر يوم البعث ، يوم القيامة ليدلي بشهادته امام الله وما سمي الشهيد الا لانه يشهد بما قتل عليه!!!!. ولكن حسناً فعل الاخ عبد الوهاب عثمان وزير الطرق والجسور الاتحادي حينما اصر على المضي في تشييد الطرق التي تربط الشمال والجنوب في خاصرة السودان حيث الليري_ تنجه، اويل_ المجلد ، انه عمل يشبه ( لو كان بيد احد فسيلة وقامت القيامة فيغرسها) انها رؤية متقدمة و لان صيرورة التغيير ماضية فقد تغير العالم من حولنا حتى في طريقة التفكير فالجار الآمن هو جزء من امنك، هي الاستراتيجية في اصغر صورها فلا نشمت ونتفرج على اهل الجنوب وهم يقتتلون ويتناحرون فان دولة مثل ليبريا اقامتها American Colonization Society -1821 1822، (جمعية المستعمرات الامريكية )لتأوي الرقيق المزعج في اوساطها ،شهدت زهاء الخمسة وعشرين محاولة انقلاب ولم تنعم بالاستقرار الا مؤخرا وهي من الدول التي لم تشهد استعمارا أوربيا قط مثل اثيوبيا. يبقي علينا ان نبحث عن المصالح المشتركة interdependences بيننا ودولة الجنوب الوليدة ونراجع الكثير من المسلمات ،فان الذي يجري بيننا ليس بالحميد ، ندعو لمشروع نبذ العنصرية والجهوية التي ما فتئت تجرنا كلنا الى هاوية الفشل، هذه المراجعة تستلزم اول ما تستلزم مراجعة المناهج التعليمية كلها فقد كنا ندرس الجمل والنخيل الذي لم ينبت ولم يرتع في الجنوب ، حتى نعقد عقداً اجتماعياً جديداً يقوم على ما قامت به مجتمعاتنا،فلنفق من هذه الصدمة ونتعامل مع الحدث بعقلية وموضوعية وننظر كيف يكون الحال في المآل . فلتعلم أمريكا ان الجنوب ليس دارفور، فدارفور لمشكلتها طعم ومذاق مختلف فكلهم مسلمون يربط قلوبهم القرآن الكريم الذي اراد احد ناخبيك يا أيها الرئيس الامريكي حرقه امام البيت الابيض انتقاما و(غشامة)، انه لاختلاف حول قضايا الحكم والسياسة مقدور عليها في الاطار الداخلي فقد يحتاج الامر الى تغيير اللغة السياسية ومحدثيها حتى لا يغدو كله شمال ضد غرب مثل الشمال ضد الجنوب وليس بالضرورة تكرار تجربة الجنوب فهو ليس بنموذج مصّغر south is not pilot project لبقية السودان. صحيح الآن اقبل كثير من النخب السياسية يلومون بعضهم البعض على فقد الجنوب واصبحت صورة خريطة السودان الجديدة تبدو حزينة اكثر مما نتصور فبدلا من نصب خيام الافراح من قبل الشامتين او سرادق الحزن من قبل النادمين ، علينا ان نراجع ونعتبر وحتى لانظل في حالة Euphoria التي اصابت زميلنا بطل القصة ،فانه حصاد غرس غرسناه منذ عشية الاستقلال لا ينجو منه احد وٍإن كسا السواد منزله او توعد بالاطاحة بالحكم الحالي او التظاهر ضده. 1 انظر مقالي تحت عنوان ( الجفلن خلوهن أقرعوا الواقفات ) بصحيفة الصحافة بتاريخ 12 أكتوبر 2010