تقول آخر نكتة.. إذا إستمرّينا في خلع حاكم عربي كلّ شهر، فستكون القمة العربية القادمة فرصة (للتعارف) بين الرؤساء الجدد.. وعلى كل.. هل نتحدث عن حالة تونسية وأخرى مصرية، أم عن تيار عام جارف يجتاح العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه مثلما كان الحال أواخر السعبينيات من القرن الماضي عندما هبت رياح الثورة الايرانية لتغمر العالم الإسلامي؟ ففي أعقاب الثورة التونسية صرح الكثيرون من قادة الدول العربية، أن ما حدث هناك هو شأن تونسي، وأن الأمر يتعلق بظروف موضوعية داخلية.. لكن استشراء الموجة حتى إلى اليمن في جنوب الجزيرة العربية مرورا بمصر والأردن دلل على أن المسألة تتعلق بتيار عام، وأن انتفاضة الياسمين في تونس كانت الشرارة التي اشعلت كامل المنطقة، وحتى وإن بدا أن بعض دول المنطقة لا تظهر فيها بوادر على الململة، فإن هناك وميض نار تحت الرماد على كامل الخارطة العربية.. ولعل ذلك ما يجعل الكثيرين يتحسسون مواقعهم وأجندتهم وحصيلة انجازاتهم وقوائم اخفاقاتهم الطويلة، ووعودهم التي لم ينفذوها لشعوبهم، ومراجعة جداول الأداء الاقتصادي، وربما أصاب الذهول البعض فجأة من الهوة الكبيرة بين وعودهم وما حققوه بالفعل على أرض الواقع، ومن ثم فقد انطلقت موجة من النشاط غير العادي، ووجدت وعودا قديمة طريقها إلى التنفيذ، وكذلك بعض المطالب التي اعتلاها غبار السنين، ولم يجد رجل مثل الرئيس اليمني بدا في اعلان عدم نيته الترشيح لفترة رئاسية ثانية وقال: لا تمديد ولا توريث لابنه، وذلك ضمن استجابة لمطالب عديدة وقديمة للمعارضة.. ومصر التي هي في مركز العالم وفي منطقة استراتيجية سياسيا وجغرافيا وبشريا واقتصاديا اجتذبت الاهتمام على مدار الساعة من قبل كبار وصغار العالم، وخصوصا من أقرانها في المنطقة الذين تابعوا كل حركات وسكنات المتظاهرين في ميدان التحرير، ونظر الجميع إلى ما يحدث كل من منظور مصلحته، وهكذا تواترت الرسائل العلنية والضمنية من الولاياتالمتحدة ومن روسيا والصين ومن دول الاتحاد الأوروبي، وفي كل منها نصائح تتفق ونوع المصلحة التي تتوخاها هذه العاصمة أو تلك، وكانت من الرسائل الواضحة تلك التي جاءت من اسرائيل برفض التغيير جملة وتفصيلا، مع التحذير أن ما يحدث في مصر ستكون له تداعيات سلبية على الاستقرار في العقود المقبلة، وكأننا الآن ننعم بالاستقرار.. وهناك الكثير الذي يضاعف قلق اسرائيل، حيث أن النظرة العامة لخارطة المنطقة تفيد أن حركات الإسلام السياسي، وبعض القوى الموالية لايران باتت تتمدد في شريط يبدأ من ايران، بل من افغانستان وباكستان، مرورا بالعراق وسوريا وصولا إلى الضفاف الشرقية للبحر المتوسط حيث ترأس الحكومة اللبنانية مؤخرا شخص موالٍ لحزب الله، فضلا عن وجود حماس في الطرف الجنوبي للهلال الخصيب.. ولهذا ولغيره فإن لاسرائيل مصلحة قوية في الحؤول دون استشراء هذا التيار، خصوصا مع تردد الكلام عن وجود فاعل للأخوان المسلمين في الانتفاضة المصرية، ومن هنا تثور مخاوف اسرائيل وهواجسها القديمة حول امكانية ابتلاعها من قبل كل هذه القوى التي تناصبها العداء الشديد.. وهناك تأثير قوي للرسائل القادمة إلى مصر ومن يوجهونها يعرفون العنوان الذي يتلقاها في النظام أو في هذه الجماعة أو تلك،لكن التيار العام للمتظاهرين تمسك بهدف ازالة النظام وبقى طوال أكثر من الأسبوع دون أن تؤثر عليه التصريحات الحكومية، أو الرسائل القادمة من الخارج.. ومع ذلك فالجميع خصوصا في الداخل باتوا يخطبون ود الشباب الذي يقود هذه التظاهرة التي وصفها المفكر المصري محمد حسنين هيكل بالمتفردة في التاريخ المصري.. ** ونحن الآن أمام جيل جديد كان المسنون قد فقدوا الأمل في أن يفعل شيئا لتغيير الأوضاع المتردية في معظم أنحاء العالم العربي، وهي أوضاع فاسدة وراكدة، حيث تحاول الأنظمة تغييب الشباب بطريقة منظمة بعيدا عن الواجبات الوطنية وعن هموم الأمة بوسائل شتى ، ومع ذلك فقد انقلب السحر على الساحر، حيث قاد الشباب ومن خلال ذات هذه الوسائل التقنية هبة أذهلت ليس كبار السن في المنطقة بل في العالم أجمع، فقد اعتقد الكثيرون أن الحاسبات الآلية وما تعج به من ايميلات ومن انترنت وفيس بوك وتويتر لاتترك فرصة للشباب للانتباه إلى هموم الناس، لكنها بدلا من ذلك ألهمت وألهبت الشباب وساعدت على انتشار انتفاضتهم، فكما فيها الغث، ففيها الكثير من السمين، فقد وضعت العالم بما يعج فيه من حركة أمام أعينهم، ورأوا كيف يعيش أقرانهم في أنحاء العالم ، وكيف يتمتعون بأجواء الديموقراطية التي تدخل إلى صلب حياتهم وتنظمها بطريقة تحترم قيمة الانسان، وكيف هم جادون في أداء واجباتهم ودراساتهم وأبحاثهم دون الحجر على حرياتهم، ودون عرقلة طموحاتهم طالما أنها تصب في خير الانسانية وفي صالح الشعوب، وكيف يجدون التشجيع من قبل المؤسسات الرسمية وغيرها التي ترى فيهم طاقات ينبغي استثمارها من أجل تحسين الحياة في مختلف المجالات، وكيف يتم الاحتفاء بالمتميزين دون محاباة، ودون النظر لاعتبارات الولاء أو القرب من السلطة والحكام.. وهم في كل ذلك يقارنون بين أوضاعهم المتردية وطموحاتهم المكبوتة وما يحدث هناك في الدول التي تحترم الإنسان وتفتح المجال امام ابداعاته.. [email protected]