عندما سافرت أول مرة لبريطانيا فى عام 1980 لم أشعر بتلك الغربة التى شعرت بها فى دول أوربية أخرى فقد شعرت بالإلفة وأنا أخطو خطواتى الأولى فى تلك البلاد، وكنت احس ان انجلترا تشبه عندى مناطق فى السودان وكان يطوف بذهنى حى السودنة بعطبرة والذى شيده الانجليز وكنا نروح عن انفسنا بالتجوال فى هذا الحى فنحس بالراحة فهو حى تكسوه الخضرة وقلما تخترق اشجاره الكثيفة الشمس وكانت هناك حديقته التى على النيل والتى تتمدد فى طرفها جزع شجرة معمرة مستلقية وقد اصابها التحجر ... والسودنة هو الاسم الذى اطلقه السودانيون على هذا الحى بعد خروج المستعمر والذى جعل منه الانجليز قطعة من الريف البريطانى وللاسف مثله مثل الخدمة المدنية المثالية التى تفادى فيها الانجليز اخطاء خدمتهم المدنية فقد فقدنا الخدمة المدنيه وفقدنا معها هذا الحى الجميل ومثل حى السودنة فى عطبره انشأ الانجليز الحى البريطانى فى مدنى والذى يحمل هذا الاسم حتى الآن . ولايحمل السودانيون ذكرياتٍ سيئة عن عهد الانجليز فالاستعمار الإنجليزى لم يكن استعماراً استيطانياً ولا فظاً كالاستعمار الفرنسى أو الإسبانى اللذين غيرا كثيرا فى الدول التى استعمراها ومازالت بصماتهم واضحة فى الجزائر وتونس والمغرب ودول امريكا اللاتينية ........ وكان الانجليز رقيقين مع الشعب السودانى واكثر فهما لطبيعته وكانوا اكثر قربا منه واذكر ان والدتى كانت تحتفظ بالكثير من الاوانى من انجلترا قالت ان زوجة حكمدار الشرطه كانت تهديها لاطفال رجال الشرطة فى المناسبات .........والكبار الذين عملوا مع الانجليز دائما مايتذكرونهم بالخير ويصفونهم بالعدل والنزاهة واللتين للاسف فقدناهما فى العهد الوطنى والبعض الآن يفتقد عهد الانجليز ......... كنت استرجع كل ذلك وانا ادخل لمنزل السفيره البريطانية والتى كانت تقيم حفلا لتوزيع الجوائز للفائزين فى مسابقة اجرتها السفارة البريطانية للطلاب فى كل انحاء السودان وكان موضوع البحث رؤى السلام وقد اشترك طلاب من جامعات مختلفة ولاحظت ان الحفل اقيم فى منزل السفيرة وهذا نوع من الحميمية مع الشعب السودانى والسفارات دائما ماتقيم حفلاتها فى السفارة وهذا يجعل الحفل يغلب عليه الطابع الرسمى اما حفل السفيرة فكان كانه بين اهل كانت الاجراءات عند الدخول خفيفة لدرجة انك لاتشعر انك داخل بيت دبلوماسيه فلم يكن هناك تفتيش ولا اجهزة او حجز موبيلات كما يحدث مثلا فى السفارة الامريكية (مع ان عدد الشباب كان كبيرا وهم ماتخشاهم الحكومات الغربية) وهذا فهم متقدم لطبيعة الشعب السودانى المسالم وغير المتورط فى الارهاب. منزل السفيرة كان بسيطا وكان الحفل فى حديقة المنزل المنسقة ... السفيره ترتدى ملابس بسيطة وتتحرك بين الضيوف مبتسمة ومرحبة لم يكن هناك حرس حولها ولم تجلس طوال الحفل الذى استمر لما يزيد عن ساعتين وكان يساعدها فى استقبال الضيوف مجموعة من الشباب انجليز وسودانيين يتحركون فى نشاط وحيوية ملبين لطلبات الضيوف واستفساراتهم ومنهم الاستاذة ايمان التيجانى ولم تسعدنى الظروف بمعرفة اسماء الآخرين .. طلب عدد من الاسر صوراً مع السفيرة فتقبلت ذلك بحبور ........ كان من ضمن الحضور وزير الدولة للتعليم العالى ومولانا خلف الله الرشيد ورئيسة لجنة الفرز دكتوره بلقيس بدرى ومن الحضور ايضا دكتورة آمنة بدرى وقد فاز بالجائزة الاولى للمقال باللغة لانجليزية سوزان بجامعة الاحفاد ادارة اعمال وفاز بجائزة اللغة العربية مرتضى بهاقيل ومن الواضح ان جامعة الخرطوم بعد التعريب قد تراجع مستواها فى اللغة الانجليزية لتحتل مكانتها الاحفاد فما كان هناك منافس لجامعة الخرطوم فى اللغة الانجليزية بين الجامعات .......... كانت الجائزة جهاز لاب توب حديث للفائزين وقد تحدثت السفيرة مشيرة الى ان هذه المسابقة هى جزء من فعاليات موسم المملكة المتحدة فى السودان وان السفارة بهذه المنافسة تدفع الشباب للتفكير والحوار من اجل السلام ....هذاوقد بدأ موسم المملكه الذى من ضمن فعاليته الملتقى الادارى وتحقيق الوحده عبر الرياضه والرابطه المهنيه العالميه والذى يقدم من خلاله تدريب القاده الواعدين وهناك برنامج المنح الدراسية ..... ونحن موعودون بموسم حافل مع السفاره البريطانيه يزيد الترابط بين الشعبين السودانى والبريطانى. بعد تقسيم الجوائز غمرتنا السفيرة بكرم فياض فكان العشاء الفاخر واعقبه حفل احياه المطرب نادر خضر فابدع وطرب الجميع انجليز وسودانيون وشاركت السفيرة الحضور الرقص طربا ....... وكان ختامها مسكاً فالتحيه للسفيرة د.روزاليندا ولمجموعة السفارة البريطانية بالسودان ومزيدا من مثل هذه البرامج الايجابية التى تزيد التلاحم بين الشعبين. * قاضى سابق [email protected]