** نعم ، رسالة الدكتوراة التي أعدها عبد العزيز نور عشر - الأخ غير الشقيق للدكتور خليل ابراهيم - بسجن كوبر لم تجد المساحة التي تناسب عظمتها في صحفنا .. أو هكذا اعترفت لأصدقاء جمعتني بهم مناسبة اجتماعية مساء الخميس الفائت ، وذلك عندما عاتبوا صحفنا على تجاهلها لحدث هكذا ، الا من أخبار صغيرة وخجولة .. لقد صدقوا ، أصدقائي الكرام ، فما كان يجب أن يكون الحدث السعيد خبرا و « خلاص » .. فالرسالة - غير أنها علمية تناقش وتفحص علاقات السودان الدولية ، مع الصين نموذجا - الا أنها عكست للرأي العام ملامح رسائل أخرى ومهمة.. أي ، هي رسالة دكتوراة ، ولكنها مغلفة برسائل آخرى .. وتلك الرسائل الأخرى هي التي لم تنشر في صحفنا كما يجب ، أو هذا ما اتفقنا عليه .. !! ** أقوى الرسائل التي تغلف رسالة دكتوراة عبد العزيز نور عشر ، هي : الثقة في الله ثم النفس بعزيمة نادرة .. ولك أن تتخيل - صديقي القارئ - ما حدث لرفاق نور عشر عند وبعد الاشتباك الدامي بأمدرمان .. وبما أن نور عشر كان قائدا، بالتأكيد كان شاهدا على كل مآسي المعركة بكل تفاصيلها الدامية .. وبعد الانتهاء ، ظل مطاردا حتى تم القبض عليه بشرق السودان ليواجه مرحلة التحقيق الأمني - وما أدراك ما التحقيق الأمني - والشرطي ، ثم واجه حكما بالاعدام عليه .. لقد نجح عقل وقلب نور عشر - بامتياز - في أن يدعا ويضعا كل هذا وراء ظهرهما، لينظرا الي الأمام فقط .. أي ، رسالة الدكتوراة كشفت بأن نور عشر لم يكن ينتظر فقط « تنفيذ الحكم عليه » .. لو كان ينتظر ذاك الحكم فقط لما فكر في تلك الدكتوراة .. وعدم اختزال التفكير في لحظة تنفيذ الحكم فقط هو المسمى ب « الثقة في الله ثم النفس بعزيمة راسخة » .. فالرجل لايستحق أن يهنأ على شهادة الدكتوراة فقط ، بل على تلك العزيمة أيضا .. !! ** والرسالة الثانية هي التي بعثتها ادارة سجن كوبر لكل من يهمهم أمر : حقوق الانسان .. أيا كان هذا الانسان ، أي حتى ولو كان مدانا ومحكوما عليه بالاعدام .. نعم ، القوانين واللوائح تحفظ حقوقا للسجين ، متهما منتظرا للحكم كان أو محكوما عليه بالاعدام أو بالمؤبد ، هذا معلوم بنص الدستور .. ولكن مع تلك القوانين واللوائح - التي حفظت لنور عشر حق مواصلة رحلة تعليمه - ساهمت أيضا ادارة السجن ، بوعيها ، في توفير المناخ الذي جعل نور عشر يفكر ثم يقرر تحويل حالته من سجين مدان - ينتظر تنفيذ الحكم عليه - الي « طالب علم » .. لو لم يجد المناخ ملائما ، لما فكر في أمر الدكتوراة ولما نفذ فكرته .. وليس من العقل أن يذهب سوء الظن بالبعض بحيث يظن بأن هذا المناخ الملائم لم يتوفر لغير نور العشر ، أو هكذا كتب البعض ، وهذا ظن غير منطقي ، لسبب بسيط جدا ، فحواه : نور عشر هو العدو اللدود لدولة تتبع لها ادارة السجن ، بيد أن الآخرين الذين معه في الزنازين المجاورة - ويعدون بالمئات تقريبا - ما هم الا بأعداء لخصومهم وهم : شخوص من عامة الناس ، في قضايا مختلفة .. فان كانت الادارة - التابعة لاحدى مؤسسات الدولة - ترفعت عن الغبائن التي بين نور عشر والدولة ، ثم وفرت له مناخ التعليم ، فليس من المنطق بأن تتهم بأنها لم توفر ذاك المناخ للسجناء الآخرين الذين لا علاقة لهم - أو لقضاياهم - مع الدولة.. أي ، نور عشر كان أولى بالمناخ العكر والردئ أكثر من غيره ، أوهكذا نهج الغبائن ، ولكن ادارة كوبر لم تنتهج ذاك النهج المعوج .. ولذلك ، يجب أن نقابل نهجها الواعي بالتقدير ، لتواصل في هذا النهج .. شجعوها - ياجماعة الخير - في توفير المزيد من المناخ النقي للسجين ، حتى لايصبح حال الحاكمين والمعارضين - لاقدر الله - كما حال سياسي ذهب به القدر ذات يوم من سدة السلطة الي كوبر حبيسا ، فقال لرفيقه باستياء ..« انتو ليه ماركبتو مكيفات للزنازين دى ..؟» ..!! ** ثم الرسالة الثالثة ، بعثتها ادارة جامعة النيلين ..عميد كلية الدراسات العليا بجامعة النيلين ، أ. د حسن علي الساعوري، سيظل معلما بارزا ، لا في حياة نور عشر فحسب ، ولكن في « خارطة العلم والعلماء » التي يجب أن لاتتأثر بمؤثرات الخرائط الأخرى ، سياسية كانت أو غيرها .. فالرجل العالم يستحق التقدير .. وكل الحدث يستحق التحديق فيه بأكثر من زاوية ، ولكن - للأسف - نحن صحافة لاتحدق في الأحداث الا بزاوية تعكس للناس ..« النصف الفارغ » ..!!