عندما يغادر المغترب ارض الوطن متوجها إلى المكان الذي ارتضاه أو الذي دُفع إليه دفعا، يبدأ المتتبع لمسيرة اغترابه في حساب الأيام والشهور والسنوات، وكلما طال الاغتراب ينبغي أن تكون قد ازدادت «الحصيلة»، فهم يحسبون الأيام والشهور والسنوات، ولكنهم لا يعرفون شيئا عن العثرات، والمطبات التي تجابه المغترب خلال سنوات الاغتراب، فأغلب المغتربين يحرصون على عدم تحميل أهاليهم أية أحزان تعتصرهم في أرض الاغتراب، بل في أوقات كثيرة يسمحون لأهاليهم بالتمدد في الآمال والأحلام دون الخوض في واقع الحال الذي ازداد بؤسا بعد الأزمة المالية العالمية، حتى أصبح معشر المغتربين لا يتفجأون كثيراً عندما يطلب صاحب العقار زيادة الإيجار بقفزات عالية، أو عند التسوق، وبهذه المناسبة دعوني اسرد بعض ملامح الأسعار في السعودية «نموذجا» لبقية دول الاغتراب .. فقبل تسع سنوات كانت الأسعار كالتالي، كيلو اللحم السوداني ب «14» ريالا الآن «35» ريالا ومشكوك فيه، باعتبار أن استيراد اللحوم موقوفة من السودان منذ ثلاث سنوات لعدم جاهزية «جماعتنا» للإيفاء بالاشتراطات المطلوبة، وقد يكون صوماليا أو سوريا، رغم ان الباعة يتحدثون عن انه ذبيح محلي.. وسعر جوال السكر زنة «10» كيلوجرامات ب «14» ريالا وهو الآن ب «34» ريالا، وطبق البيض ب «7» ريالات والآن ب «13» ريالا، وعلبة حليب النيدو الكبير ب «32» ريالا والآن ب «65» ريالا، وإيجار الشقة ذات الثلاث غرف كان يتراوح بين «7 10» آلاف ريال، اما حاليا فتتراوح بين «15 20» الف ريال، وكذلك تضاعفت عدة مرات أسعار الخضروات والفواكه الخ قائمة السلع الغذائية.. اما أسعار الذهب فقد كان سعر الجرام ب «25» ريالا أما الآن فهو قد قفز فوق ال «150»ريالا، وهو أمر حرم كثير من زوجات المغتربين من «التباهي» بكميات الذهب التي يتسربلن بها. رغم كل هذه الزيادات بقيت المرتبات دون زيادات تذكر، وبالتالي أضحت الالتزامات كبيرة ومتعددة، خاصة أن من بين المغتربين من يدرس أبناؤه في مدارس ذات مصاريف عالية. والأمر المؤسف أن اغلب المغتربين أصبح يعيش في هذه الدائرة، فهو ليس بقادر على اتخاذ قرار العودة الى الوطن، وهو أيضا لا يملك ان يتدبر مستقبلا واعدا يتحقق بعدد سنوات الاغتراب، كما ان هذا الوضع الضاغط الحق أمراضاً كثيرة بالمغتربين أبرزها ضغط الدم والسكري .. وحتى لا تكون صورة الاغتراب سوداوية، فمن بين الذين اثروا من الاغتراب من ينعم بوضع مادي جيد، حتى انه لا يشعر بتداعيات ارتفاع الأسعار، التي يعتقد البعض انها تحاصر اهل السودان دون غيرهم، فقط الفارق يكمن في الدخل الشهري، كما ان حديثي لا يمثل رسالة محبطة لمتطلع الى الاغتراب، فمهما تكن الظروف يبقى باب الرزق واسعا، وبين أيدينا نفر حقق خلال وقت وجيز ما عجز عنه الذين يحسبون سنوات اغترابهم بعدد رخص القيادة التي جددت «الرخصة تجدد كل خمس سنوات، وحاليا كل عشر سنوات» .. نتمنى للمغتربين ومحدثكم في مقدمتهم عودة طيبة الى ارض الوطن، واستقرارا حميدا بين الأهل والأحباب. آخر كلام: إذا جاءت الدنيا إليك فجد بها على الناس طراً إنها تتقلب فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب