رحل في منتصف يناير الماضي «تحديداً في السابع عشر منه» اللورد مارتن دورييه Lord Marten Duriewi الفيزيائي الهولندي الشهير، عن عمر يناهز الثمانين عاماً، بعد حياة حافلة بالاسهامات العلمية والدبلوماسية والاكاديمية، والترحال والمغامرات. والدكتور مارتن دورييه هو استاذ الفيزياء سابقاً بجامعة لايدن Leiden University الهولندية ذات الصيت العالمي العالي حيث كان قد درس بكلية العلوم فيها وتخرج من قسم الكيمياء في العام 7491م قبل ان يتجه باهتمامه الى مجال الفيزياء الحرارية Thermal Physicsحيث حصل على درجة الدكتوراة، وعمل فيما بعد استاذاً بذات الجامعة في القسم الذي يقع في منطقة نيلز بوهر Neuls Bohrweg على مقربة من مركز المدينة الهادئة الصغيرة. طيلة سني عمله يستخدم اللورد مارتن دورييه دراجته كسائر اهل هولندا في مشواره اليومي من منزله في ضاحية كاتقايك Katwijk المطلة على بحر الشمال الى مكتبه في الجامعة، وهو لا يشاهد التلفزيون اطلاقاً ولا يستخدم الغسالة الاوتوماتيكية. كانت اول زيارة للراحل دورييه الى السودان عام 6791م، بدعوة من اول طالب سوداني حصل على درجة الدكتوراة من جامعة لايدن تحت اشرافه، هو المرحوم الدكتور زكريا الحاج، استاذ الفيزياء وعميد كلية العلوم سابقاً بجامعة الخرطوم. يقول الراحل دورييه في تلك المرة زرت منطقة الهلالية بالجزيرة حيث اسرة زكريا الحاج، ثم قمت بزيارة الى منطقة جبل مرة في دارفور مستقلا اللواري في السفر. ويستطرد لفت نظري خلال تلك الرحلة نقاء السودانيين وترحابهم البشوش بالغريب، فقد كانوا يفسحون لي مكاناً مريحاً على ظهر اللوري، ويضعون حقيبتي في مكان آمن ويعاملونني بود زائد. ويقول كلما توقفت في محطة من المحطات لتناول كوب من الشاي او وجبة غذائية اتفاجأ بان اناساً لا اعرفهم قد سبقوني لدفع الحساب. هذا شعب فريد لا يوجد مثله في كل العالم على حد تعبيره. وزاد من يومها قررت ان ازور هذه البلاد كل عام لقضاء اجازتي السنوية. صمم الراحل مارتن دورييه برنامجاً للتبادل الاكاديمي بين جامعته وجامعة الخرطوم يقوم على ان يصطحب معه كل مرة فريقا يضم بعض التقنيين لصيانة الاجهزة المتعطلة، وبعض الطلاب من باب التعرف على أقرانهم من السودان، بالاضافة الى بعض الاجهزة المعملية لتزويد معامل جامعة الخرطوم بها. بينما يقوم هو بالمشاركة في تدريس طلاب الماجستير وتقويم المناهج والامتحانات في بعض الاحيان. بالمقابل يتيح هذا البرنامج الفرصة لزيارات طلابية من قسم الفيزياء بالخرطوم لجامعة لايدن، كما يهيئ فرص الدراسات العليا لبعض اعضاء هيئة التدريس وفرص التدريب للكادر الفني من السودانيين. هكذا ظل الراحل دورييه يزور السودان بانتظام منذ العام 6791م وحتى العام 9002م. وفي كل مرة كان يزور منطقة مختلفة من جوبا والابيض وشندي وبورتسودان والدلنج وكادقلي وكسلا والدمازين ودنقلا وملكال ونيالا والفاشر وغيرها. وبين الفينة والاخرى ومع كل زيارة يوسع اللورد دورييه من نطاق خدمته للمؤسسات الاكاديمية السودانية، بما يستطيع سواء بعلاقاته او بالدعم المباشر، او بتوفير فرص تأهيل وتدريب وهكذا، حتى شمل ذلك عدداً من الجامعات السودانية مثل جامعة النيلين وكردفان والنيل الازرق والبحر الاحمر وكردفان..الخ. كما حصل عدد كبير من السودانيين على درجات عليا عن طريق دبلوماسية دورييه الاكاديمية، منهم بروفيسور محمد المسلمي بالبرازيل، د. حسن حاج الحسين بجامعة الخرطوم، د. طارق مختار، ود. سامي موسى عباس، ود. عمر ابو بكرآدم بهولندا، ود. عبد المنعم ارتولي ود. كارلو ابويل ود. هالة ارتولي ود. عبد المحسن طمبل وشخصي وآخرون. وقد منحت ملكة هولندا وسام الملكة للراحل دورييه نظير عطائه الغزير المتواصل، وهو تقدير عن جدارة واستحقاق. وسوف يترك رحيله فجوة لا تسد في التواصل العلمي الخارجي للسودان خاصة في مجال الفيزياء. ولا نملك الا ان نقدم تعازينا لاسرة السفارة الهولندية بالخرطوم، ولاسرة جامعة لايدن ولاسرته.