قال الأمين السياسي لحركة تحرير السودان قيادة الوحدة عثمان البشرى، انه يجرى مفاوضات سلام فى الخرطوم مع الحكومة، بخصوص حل مشكلة دارفور ، الا انه لم يكشف للصحافيين في الخرطوم محاور هذه المفاوضات وبنودها ، تاركا الباب مفتوحا لخيارات قال انه يملكها، حال عدم الوصول الى اتفاق مع مفاوضيه. وكان البشرى قد وصل الى الخرطوم منتصف الاسبوع الماضي، عبر صالة كبار الزوار ،مفوضا من قبل حركته وحركات مجموعة خارطة الطريق، التى انسحبت من منبر الدوحة بعد رفض المساواة وجود حركات غيرها فى المنبر. وتطرح هذه الخطوة التى اقدمت عليها الحركة الدارفورية استفهامات عديدة ، تنطلق بداية من الاجواء التى تسم علاقة الحركات الدارفورية بالحكومة، والتى اصبح الشك وفقدان الثقة طابعها المميز ، وهو ما ادى ،بحسب المراقبين، الى رفض الحركات لاستراتيجية الحكومة المطروحة لسلام دارفور جملة وتفصيلا ، وهى التى تضع الحوار فى الداخل فى مقدمة ادواتها. لا سيما وان البشرى بذاته قد عبر فى اكثر من مناسبة عن ذلك، وعن رفضه لاسلوب معالجة الحكومة للمشكلات، منها تصريحاته الصحفية ومقالاته التى مهرها، وكان آخرها المنشورة فى المواقع الالكترونية بمناسبة حلول ذكرى الاستقلال المجيد ، ، والتى رأى فيها» ان الافكار التي نحتاجها لعلاج المشكلات يجب ان تختلف عن تلك التي اوجدت تلك المشكلات، واوصلت البلاد الى مرحلة الانقسام . فالواقع الآن يتطلب افكاراص جديدة تتجه بالسودان وجهة اخرى، مغايرة تماما لما ساد من فكر الازمات الذي جلب كل هذه الكوارث، والانقاذ بكل اسف ماضية في غيها لم تهتد بعد الى سبيل الرشاد». اتهامات بالخيانة ولم يخفِ البشرى فى حوار اجرته معه صحيفة « النهار « المصرية ، تشككه فى ايفاء الحكومة بالتزاماتها تجاه تنفيذ هذه الاستراتيجية وبالاخص عملية الحوار والسلام من الداخل. وربما كانت هذه المواقف المعلنة من استراتيجية الحكومة هو ما يغذى حملات الهجوم التى يتعرض لها الآن، فقد اتهم من قبل قيادات دارفورية بانه يعمل على شراء القيادات الميدانية للحركات باموال الخرطوم. وجاء رد الرجل ، فى المؤتمر الصحفي للمركز السوداني للخدمات الصحفية ، بقوله «أنا مفلس فكيف أشترى احدا ؟، ان هذه الاتهامات لا اساس لها من الصحة، اني اساهم مع الآخرين فى بناء السلام فى دارفور واعادة النازحين واللاجئين الى مناطقهم». ولكن ما الذى دفع حركة تحرير السودان الى مفاوضة الحكومة فى قلب الخرطوم، بعد ان كانت ترفض ان تحاورها او تجلس معها فى عواصم مجاورة ، الا بشروط محددة؟ وهل يحمل السيد عثمان البشرى تفويضا من مجموعة خارطة الطريق التى تتزعمها حركته ، وتضم 5 حركات دارفورية اخرى؟ المعلومات المتوافرة تشير الى ان حركة تحرير السودان جناح الوحدة ، رفضت مؤخرا الانضمام الى الجبهة العريضة التى يتزعمها حسنين ، كما رفضت من قبل الانضواء تحت التحالف الذى اعلنته العدل والمساواة فى لندن ، رغم انها دخلت فى حوار موسع مع كافة الحركات حول اهدافه وآليات تنفيذها. وهو ما يعنى ، بحسب مراقبين ، ان الحركة التى بعثت بعقلها المفكر الى الخرطوم ، اعادت رسم استراتيجيتها فى سبيل الوصول الى اهدافها بعيدا عن العمل المسلح. والشاهد هنا تصريحات البشرى لصحيفة « الاخبار « السودانية بعد لقاء جمعه بخليل ابراهيم فى طرابلس، حين قال» ان الحوار مع الحكومة يمكن ان يتم فى اي مكان حتى لوكان فى دارفور، طالما كان سيفضى الى انهاء معاناة الناس والوصول الى سلام فى الاقليم « ويمضي ليقول» نحن لا نعير المكان اهتماما بالقدر الذي نوليه للتوجه الصحيح لحل القضية ، ولكن ايضا للمكان اعتباراته، و منذا البداية ،عندما طرحت الدوحة كمنبر ، كان لنا فيها رأي واضح ، لاننا كنا نفضل ان تحل القضية داخل السودان ، لان به قيادات لها رؤية و نظرة وحكمة،وكنا نريد ان يقوم اهل السودان بهذا الحل ، وتشكل من اجله هيئة تتكون من حكماء السودان من شرقه وغربه وجنوبه وشماله حتى نحتكم لها لحل المشكلة» . ويضيف «عندما ابتعدت القضية وذهبت الى الخارج طالبنا بان يتم حلها فى اطار المحيط». الا ان البشرى عاد ليحذر الحكومة من مغبة الحصار والتضييق الذى يتعرض له قادة الحركات» لان ذلك لن يدفعهم الى التخلي عن اهدافهم ولن يكسر شوكة الحركات». فيما اصدرت قيادات من مجموعة خارطة الطريق بيانا تبرأت فيه من عودة البشرى وقالت انه لا يمثل الا نفسه ، متهمة اياه بالمتاجرة بقضية دارفور. اتصالات مبكرة بيد ان رصيد البشرى فى العمل المسلح ضد الحكومة ، لا يمكن تجاوزه ببساطة حسب مراقبين ، فقد كان من ابرز القيادات السياسية التى انضمت الى حركة نور، واستطاع بحنكة مكتسبة ان يساهم فى تكوين الجناح الجديد للحركة بعد زلزال الانشقاقات ، ويختط له طريقا منفصلا مبقيا خطوط الاتصال مفتوحة مع دول الجوار المؤثرة مثل ليبيا وتشاد ومصر، فضلا عن جميع الحركات بما فيها الحركة الام. ويرجع مراقبون التوقيت الذى وصل فيه عثمان البشرى الى الخرطوم ، لسقوط النظام المصري الذى كان يوفر لقادة الحركات اجواء مواتية للحركة والعمل ، بعد ان سدت امامهم المنافذ لدارفور عبر ليبيا وتشاد ،وخاصة بعد قرارات المجلس العسكري الاعلى الذى يحكم مصر بطردهم من البلاد ، الا ان مصادر» الصحافة « علمت بان الرجل وحركته انخرطا فى حوار سري مع اجهزة الدولة، فى مطلع العام الجديد بهدف « انجاز اختراق يعيد القضية واطرافها الى المكان الصحيح»، كما اسر الامين العام للحركة لمقربين، وهو ما يدحض ذلك ويؤكد ان هذه الخطوة تعبر عن قناعة بامكانية تحقيق السلام فى الاقليم، عبر ادارة حوار وطني مسؤول يتخطى المصالح الشخصية والتكتيكات الحزبية. غير انها فى كل الاحوال تضع استراتيجية سلام دارفور الحكومية فى المحك وربما الاختبار الصعب ، وان كان القادم الى الخرطوم ، ليس بثقل عبد الواحد نور او خليل ابراهيم. رجل سلام ويصف الاستاذ عبد الله آدم خاطر عثمان البشرى بانه رجل سلام ، ويوضح انه لم يخرج من السودان الا بعد تزايد المضايقات الامنية التى يرى انها غير ضرورية ، ويبين ان البشرى كان فى العام 2004 عضواً فى المجموعة الوطنية لسلام دارفور، المكونة من كافة القوى السياسية. وقال ان خروجه من البلاد وانضمامه لحركة تحرير السودان كان بهدف» رفع قدر الحوار بين الحركات المسلحة والقوى الديمقراطية فى الداخل» ، وذلك تمهيدا لوضع الحكومة فى اتجاه الحل. وتوقع خاطر ان تكون عودة البشرى للبلاد، فى اطار استكمال المشوار الذى بدأه فى وقت مبكر،من اجل السلام فى دارفور. مناشدا الحكومة واجهزتها المختلفة ان تستمع له بأذن صاغية ونية حسنة ، وهذا لان الوصول معه الى اتفاق قد ينجح فى تشجيع الاطراف الاخرى على ان تكون جزء من العملية السلمية، ان كان ذلك فى الدوحة او اي مكان آخر، بالاسلوب الذى اتخذه عثمان البشرى. ولكن رئيس حركة تحرير السودان « قيادة الوحدة « عبد الله يحيى وصف انضمام « عثمان البشرى» للحكومة بأنه يأتي تمثيلا من البشرى لنفسه ، وليس تمثيلا للحركة في تفاوضه مع الحكومة. وأضاف «يحيى» في تصريحات لموقع « أفريقيا اليوم» أن « البشرى» كان أمينا سياسيا للحركة، ولم يكن رئيسها كما يدعي، وأنه تم فصله من الحركة منذ شهرين، وقال ليس لدي تعليق على فعلة البشرى سوى أن أقول له : «مبروك عليه سلام الحكومة «، مؤكدا أن الجميع في دارفور يحتاج إلى سلام، وأن حركته تؤيد مفاوضات الدوحة إذا أفضت إلى سلام حقيقي. وقال ليس لدينا إتصال مع الوساطة في الزمن القريب، ولكننا على تواصل مستمر مع حركات دارفور، ولدينا تنسيق مع حركة مني أركو مناوي، ونسعى لتوحيد الصف على مستوى الحركات المسلحة.