في الوقت الذي سترتفع فيه المياه، نحو ربع سكان ولاية النيل الأزرق سيكون قد تم ترحيلهم. تعلية خزان الروصيرص تمضي بصورة جيدة و مدن جديدة يتم بناؤها للقرويين. ربما ليس عليهم أن يغادروا حتى نهاية العام ولكن بالفعل هناك شعور بالصدمة. التغيير غير المرغوب فيه والخارج عن سيطرتك دائماً ما يكون مقلقاً. وهذا شخصي جداً: التخلي عن قبور الأجداد و إستبدال الكوخ المبني من الطين والقش بمنزل من الطوب مع الكهرباء والمياه الجارية تحدى بما فيه الكفاية ، ولكن ما هو أكثر تحدياً دمج ما هي الآن قرى منفصلة في مدينة واحدة جديدة . الموسيقى والرقص في لامارا أوضحا هذا لي بشكل جلي. زائراً ولاية النيل الأزرق يوم الخميس، ذهبت إلى إحدى القرى التي سيتم نقلها في وقت قريب. حتى في هذه القرية واحدة ، ثلاث ثقافات مختلفة جعلت من نفسها مسموعة ومرئية. رسالة المنظمين كانت واضحة - حتى و أنتم تعيشون معاً في تنوع الآن ،ستفعلون ذلك أيضاً في مدنكم الجديدة. ثقافتكم ستبقى و ستحترم طالما إحترمتم ثقافات الآخرين. رسالة يتردد صداها أبعد من لامارا إلى السودان ككل. لكن السبب الحقيقي لزيارة القرية هو أن أشهد على تغيير آخر أكثر عمقاً. قضيت فترة ما بعد الظهيرة مع اللواء موسى من الشرطة السودانية في مناقشة الثورة التي تمولها بريطانيا. ربما يجب علي أن أشرح. النيل الأزرق هي واحدة من ثلاث ولايات محورية في الشمال إختارتها المملكة المتحدة لتنفيذ برنامج السلامة و الوصول إلى العدالة. البرنامج الذي تقوم بتمويله إدارة التنمية الدولية البريطانية DFID لمدة أربع سنوات، يهدف إلى دعم التحول في الشرطة السودانية : من كونها قوة الشرطة إلى كونها خدمة الشرطة. الشرطة المجتمعية يتم إحتضانها بحرارة في ولاية النيل الأزرق حيث تم تدريب قيادة الشرطة على كيفية توفير الأمن والوصول إلى العدالة عن طريق الحوار ومناهج المؤسسات المتعددة بدلاً من القوة. العقيد آدم ، المسؤول عن شرطة مشروع السد ، يمثل تحولاً. قبل ستة أشهر لم يستطع دخول لامارا بدون فرقة من الرجال المدججين بالسلاح ، وهذا بسبب غضب القرويين حول خطة لطردهم من مسقط رأسهم. مع التدريب في مجال القيادة والشرطة المجتمعية من قبل خبراء من المملكة المتحدة من مؤسسة أتوس للإستشارات ، قرر العقيد آدم في يوم ما أن يترك سلاحه خلفه ويسير وحده إلى القرية للاستماع إلى مخاوف الأهالي. لقد كانت نقطة تحول وتم إستقباله بضيافة سودانية حقيقية. حواره مع الأهالي حدد المشاكل التي لم يعالجها أحد من قبل. على سبيل المثال الموقع الجديد بحاجة إلى أكثر من مصدر مياه واحد حتى يمكن سقى الماشية دون تلويث إمدادات المياه للآخرين. كانت هناك قضايا أخرى أيضاً لا يمكن حلها جميعاً بواسطة الشرطة ولكن ما كان بإمكان العقيد آدم، وقد قام بذلك بالفعل، ضمان وجود المؤسسات الملائمة لمعالجة هذه القضايا .النتيجة النهائية كانت شيئا رأيته وإستفدت منه بنفسي : حفل كبير تحت شمس الظهيرة ، روح دعابة جميلة، والموسيقى الجيدة و العقيد آدم يرقص على إيقاع جديد. تعلمت من النجاحات الأخرى لهذا النهج ما لا يتسع المجال لذكره هنا. سمعت أيضاً عن التحديات المتبقية على سبيل المثال الحاجة الآن لتدريب كوادر وضباط الصف و أيضاً لمركز تدريب. أنا واثق أن إلتزام وحماسة اللواء موسى والإستشاريين من أتوس ، بقيادة ديبورا ويلوغبي التي لا تعرف الكلل ، ستضمن تلبية بعض الاحتياجات. زميلي من إدارة التنمية الدولية DFID الذي سافر معي غادر النيل الأزرق وفى جعبته لائحة طويلة. لدي مساحة صغيرة لأذكر مهامي السياسية البحتة في عاصمة الولاية ، الدمازين. لكن يكفي أن أقول إنني إستمتعت بلقاء الوالي مالك عقار مرة أخرى والإستماع إلى مفوضية المشورة الشعبية. لقد خرجت بإنطباعين :الإدارة الناجحة للتنوع العرقي والديني والسياسي في ولاية النيل الأزرق لا تعتمد كثيراً على ما يحدث في الولاية بقدر ما تعتمد على ما يحدث في الخرطوم حيث سيتم وضع دستور جديد، وثانياً أن ماضي وحاضر ولاية النيل الأزرق يبين أن الناس مستعدون للقتال من أجل ما يعتبرونه حقوقهم. دعونا نأمل أن السياسة يمكن أن تشهد تحولاً ناجحاً مثلما حدث مع الشرطة. إن لم يحدث هذا ، فإن إرتفاع مستوى المياه سيكون أقل مخاوف الناس. سفير صاحبة الجلالة بالسودان٭