أضحت التناقضات هى السمة المميزة لتصريحات القيادات الاتحادية ازاء الحوار مع المؤتمر الوطني حول استحقاقات المرحلة، اي كانت مستويات هذا الحوار او آلياته، حتى اصبح اعلان شروع الحزب فى هذا الحوار من عدمه امرا يحتاج للاستجلاء، فى ظل صمت قياداته العليا عن ايضاح موقفها من الحوار ، اوحتى من تصريحات القيادات المتضاربة. وكان المؤتمر الوطني قد اعلن رسمياً عن التوصل لاتفاق مع الحزب الاتحادي الأصل، حمل في طياته موافقة الاتحادي المبدئية على طرح الرئيس عمر البشير الخاص بتشكيل الحكومة ذات القاعدة العريضة، وتوصل الحزبان للاتفاق عبر مفاوضات قادها مبعوث الرئيس البشير، القيادي في المؤتمر الوطني، إبراهيم أحمد عمر مع الميرغني في مكةالمكرمة بالمملكة العربية السعودية مطلع الأسبوع الجاري. ونص الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة لتوحيد الرؤى بين الحزبين حول الدستور وهياكل الدولة ومؤسساتها، والتداول حول سبل معالجة قضية دارفور. وأكد الطرفان، وفقاً للبيان الذي أدلى به رئيس وفد المؤتمر الوطني بمطار الخرطوم بعد عودته من السعودية، تعاونهما المشترك في خدمة الوطن والمواطنين. وحسب البيان الذي أدلى به إبراهيم أحمد عمر حول الاتفاق بين حزبه والاتحادي الأصل بمكةالمكرمة، فإنه اتفق على تكوين لجنة من خمسة أعضاء من كل حزب للنظر في تعديلات الدستور وهياكل الدولة ومؤسساتها بغرض توحيد الرؤى حولها. وأكد أنه على ضوء ما تتوصل إليه اللجنة سيقدم طرح الرئيس البشير للحكومة ذات القاعدة العريضة للقيادات العليا في الحزبين. وأقر الحزبان تشكيل لجنة من الطرفين خاصة بقضية دارفور، على أن يمثل كل حزب بثلاثة أعضاء. وبرغم ان البيان الصادر عن مكتب رئيس الحزب الاتحادي ،تجاهل الاشارة الى مسألة الحكومة العريضة، الا انه قد امن على فتح الباب لهذا الحوار باعلانه موافقة الحزب على تشكيل لجنة مشتركة لبحث ودراسة التعديلات الدستورية المطلوبة ، فضلا عن مناقشة القضايا التي تتعلق بمستقبل البلاد ، وذلك الى جانب لجنة اخرى تبحث بين الحزبين سبل حل قضية دارفور. وهو الامر الذى توقعت الاوساط السياسية من بعده ان يبدأ حوار الاتحادي والوطني بصورة متسارعة ،غير ان عاصفة من التصريحات قد انطلقت بين القيادات الاتحادية فى الخرطوم، وبخاصة بعد تصريحات د. مصطفى عثمان اسماعيل ،الاسبوع الماضى، التى كشف فيها عن تقدم قال انه قد وصل مرحلة التطابق فى الرؤى، مع الحزب الاتحادي حول الحكومة العريضة، وهو الامر الذى لم ينفه رئيس الحزب او ناطقه الرسمي ، وان علقت عليه قيادات يرى مراقبون انها لا تمثل الدوائر المتنفذة داخل الحزب العريق ، وانها تقف على مبعدة من مطبخ القرار فيه. وكان ابرز من رفضوا تلك التصريحات، وشككوا فى صحتها القيادي على السيد ،الذى نفى للصحافة حينها بشدة وجود أي حوار مع المؤتمر الوطني، وقال ان المناسبة الوحيدة التي تم فيها لقاء بين الاتحادي والوطني كانت فى (مكة)، وان كل ما خرج به هذا اللقاء هو الاتفاق على تكوين لجنة لمراجعة الدستور وهياكل الدولة، واخرى لبحث قضية دارفور، كما هو معلن، مشيرا الى ان هذه اللجنة لم يشرع الاتحادي في تكوينها وتخضع للدراسة من قبل مؤسساته، وذهب السيد فى تلك التصريحات الى ان ما دار في لقاء الميرغني وعمر في مكة «محل حوار بين قيادات الحزب، ولم يتم الاتفاق عليه أو اصدار قرار بشأنه»، لافتا الا ان الحزب لم يبت ايضاً في الدعوة التي قدمت من قبل مستشارية الامن الوطني والموجهة لكل الاحزاب، للمشاركة في حوار حول قضايا البلاد، موضحا « الاتجاه الغالب هو عدم المشاركة من قبلنا». ولم يكتف القيادي الاتحادي بذلك وهو يقطع بعدم وجود حوار او اتصالات بين الحزبين، بل مضى ليتهم المؤتمر الوطني بالسعي لاحداث انقسام جديد في صفوف الحزب الاتحادي الاصل، عبر اعلانه بأن الحوار معه ليس بحوار افراد وإنما مؤسسات، بينما الحقيقة الشاخصة بحسب السيد، ان الحزب الحاكم يدير حواراً مع افراد لا يمثلون الحزب ومؤسساته. وليخرج من بعده أمين الاتصال بالحزب د. ابو الحسن فرح، ليؤكد، فى بيان صحفي،إنّ الاتحادي لن يشارك إلا في حكومة برنامج وطني يضعه الجميع، ويشدد على أهمية إتاحة الحريات العامة ومعالجة الأزمة الاقتصادية التي وصفها بالطاحنة وحل قضية دارفور، وضمان التحول الديمقراطي، مبيناً أن الهيئة القيادية والمكتب السياسي للحزب قد أجازا ذلك الأمر، واللافت فى بيان ابو الحسن فرح اشارته الى ان هذه المواقف تتطابق مع( رغبة جماهير الحزب ، ومواقف رئيس الحزب محمد عثمان الميرغني) .وحول الحوار مع الحكومة أوضح أبو الحسن أنهم يتمسكون بضرورة الإجابة عن عدة أسئلة، من بينها أسباب الحوار وأهدافه وآليات تنفيذ نتائجه، وزاد ( لا يمكن أن ندخل لحوار عبارة عن تمرين في الهواء)، وردد ( لا يمكن أن يدخل الاتحادي بكل تاريخه في حوار بلا هدف ولا توجد آلية لتنفيذ نتائجه ،وتابع أمين الاتصال بالاتحادي (الأصل) أن أي عضو من الحزب يشارك في حوار مع الحكومة لا يمثل إلا نفسه. واوقع هذا البيان لدى المراقبين ان قيادة الحزب هى التى دفعت لاصداره، وذلك حسما للجدل حول موقف الحزب الحقيقي من قضية الحوار مع المؤتمر الوطني ، وتبيان لموقفها من التصريحات المتناقضة لقياداتها حول الامر، ولوضع النقاط حول الحروف التى تركتها تأكيدات د. مصطفى عثمان على استمرار الحوار وايجابياته، عارية اكثر من مرة. الا ان هذا البيان،كما اثار الرأى العام ، اثار القيادي بالاتحادي تاج السر محمد صالح، الذى نفى صلة الاتحادي به، وباعلان ابو الحسن فرح الخاص برفض دعوة الحوار الوطني التي دعت اليها مستشارية الأمن القومي،كما اعتبر تاج السر أن بيان فرح «تجاوز الأعراف الحزبية والنظم ويقع باطلاً» واصفا البيان بأنه «غير ذي قيمة»، معللاً ذلك بأنه صادر عن أمين الاتصال، والهيكل التنظيمي للحزب، لا يعرف وظيفة بهذا الاسم، وليست لدينا أمانة اتصال والجهة المختصة هي أمانة الإعلام ولديها ناطق رسمي معروف. واضاف تاج السر ان بيان ابوالحسن فرح تجاوز النظم الحزبية والأعراف، لان من غير اللائق( أن تخاطب عضوية الحزب من خلال الصحف). ورغم مساعي «الصحافة» للوصول الى الناطق الرسمي باسم الحزب الاتحادي، حاتم السر، لوضع النقاط على الحروف قد فشلت، فان المقرر الاعلامي للاتحادي صلاح الباشا، قد اوضح ان المرجعية الأساسية فى موقف الاتحادي من قضية الحوار المطروحة حاليا،هى البيان الذى سبق وان اصدره رئيس الحزب بعد لقائه مبعوث البشير،حيث ورد فيه ان الحزب لا مانع لديه من منطلق مسؤولياته الوطنية، الدخول فى مفاوضات تفضي الى تشكيل لجان عمل من الجانبين، تهتم اولا باجراء الاصلاحات الدستورية المطلوبة، ذلك لان الدستور الانتقالي قد انقضت مهمته بانتهاء اجل اتفاقية السلام، فضلا عن لجان اخرى لاعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وحل مشكلة دارفور.واشار الباشا الى ان تلك النقاط هى اساسيات موقف الحزب الاتحادي من قضية الحوار،مطالبا المؤتمر الوطني بالشروع فورا فى تفعيل عمل تلك اللجان، التى رأى انها ستقود الى محطة سياسية جيدة فى الواقع السياسي السوداني، وقال ، فى اشارة الى تصريحات قيادات حزبه ، ( بالتالي ستصبح كل التحركات خارج هذه الاطر المتفق عليها لا معنى لها). مؤكدا ان مشاركة حزبه فى السلطة فى المرحلة ما بعد الانتقالية تتوقف على نجاح تلك اللجان، فى اقرار الاصلاحات الى ينتظرها كل الشعب ، بمختلف تياراته السياسية. وبرر مقرر الاعلام بالاتحادي ،حدة تصريحات القيادات الرافضة للمشاركة مع الوطني، بالخوف الموروث من عدم التزامه بما يتفق عليه، محملا الوطني مسؤولية اشاعته ذلك.واوضح ان الاتحادي من جانبه يجري مشاورات لتشكيل لجان الحوار، وان قيادة الحزب ستعلن عنها فور الفراغ من تشكيلها. ورغم ان الموقف الرسمي المعلن للحزب الاتحادي الأصل، من قضية الحوار مع المؤتمر الوطني ،قد صدر فى بيان رئيس الحزب مولانا الميرغني ،قبل اسابيع ، فان التصريحات المتأرجحة لقياداته بين الرفض والقبول لا زالت هى سيدة الساحة السياسية ، وشغلها الدائم ..بخاصة وان موقف الحزب من اعلان المؤتمر الوطني مشاركته فى الحكومة العريضة، لم يتضح حتى الآن، فيما يرجع مراقبون صمت قيادة الحزب عن توضيح موقفها من الفرقعات الاعلامية ،التى تحدثها تصريحات الوطني بشأن تقدم الحوار وقبول المشاركة ،وتجاهله لما يصدر كردة فعل من القيادات الاتحادية، يرجعوها الى تعمد قادة الحزب ،عدم الاعلان عن موقفها صراحة من هذه القضية لاعتبارات مختلفة، يتصل بعضها بتكتيك اجادت استخدامه، فى مواجهة مواقف سياسية مختلفة.