«السودانيون لا يستقيلون» مقولة قال بها الاستاذ محمود محمد طه في احد نقاشاته ولكنها مقولة تخطت مرحلة القول للفعل الحقيقي الذي يتجاوز السودانيين لكل اهل العالم الثالث والتي صارت عملية التمسك بالمقاعد هي احد الثوابت فيه وما تمسك الرؤساء بمقاعد الحكم الوثيرة وكنكشتنهم فيها في انتظار هبة الشعب الا دليلا علي ذلك وقليل هو من يتجاوز هذه القاعدة مما يجعل من عملية تقديم الاستقالة نفسها مشهدا يجب التوقف عنده وتسجيله في دفاتر الخلود، والتاريخ السوداني ما زال يحتفي بالذي فعله عبد الرحمن علي طه، باستقالته التي وجهها للحاكم العام البريطاني مخاطبا اياه «انه ليس في وسعكم قبول توصيتي بسودنة وظيفة مدير المعارف، بسبب دنو موعد تقاعد المدير الحالي. وأحب أن أخطر سعادتكم، ان كان قراركم هذا قراراً نهائياً، فانه ليس أمامي خيارٌ سوى أن أقدم استقالتي من منصب وزير المعارف. أنا أعي تماماً ثقل وجسامة هذه الخطوة، خاصة في الظرف الراهن» ، مؤكدا علي أنه لا يرى في الكرسي والوظيفة، سوى موقعٍ يتيح له فرصةَ خدمة الشأن العام بعد استقالة طه انتظر السودانيون كثيرا ليسجلوا اسما جديدة في دفتر الاستقالة الا ان جاء الدور علي القاضيين: بابكر عوض الله، وعبيد النقر، اللذين تقدما باستقالتهما ابان أزمة المحكمة الدستورية، حل الحزب الشيوعي السوداني، ليأتي امس وزير الصحة «المستقيل » عبدالله تية جمعة ليسجل اسمه في دفتر الاستقالة من وزارة الصحة التي لم يمكث فيها سوي اشهر معدودات قبل ان يغادرها امس ترافقه ورقة الاستقالة المكتوبة بخط اليد في حدث لم تشهده الساحة السودانية قريبا، رافضا فكرة ان يكون وزيرا صوريا ومهمشا وان يكون اخر من يعلم بالذي يحدث داخل اروقة وزارته، ومضيفا انه يشعر بعدم قدرته علي تقديم شئ جديد يستفيد منه المواطن لذا من الافضل له وللمواطن مغادرة كرسي الوزارة وفتح المجال امام اخر ليقدم ما عجز عنه، وحمل استقالته الي مجلس الوزراء للبت فيها ومقدما نسخة اخري للفريق سلفاكير رئيس حكومة الجنوب. استقالة تية تأتي علي خلفيات إقالات في نفس الوزارة وشتان بين ان تقال وان تستقيل وهي عملية لم تمر علي تعليقات الناس الذين وقفوا امام الحدث مشدوهين انتو جادين الزول ده استقال جد جد والبعض ربطها بالذي يحدث في المنطقة عموما من حركات احتجاجية ولكن ان يحتج الوزير نفسه ويعبر عن احتجاجه بمغادرة الكرسي وفتح الباب امام اخرين للعمل في مكانه من جانب وفتح البوابة امام اخرين للعبور من خلال نفق الاستقالة الضيق والصعب العبور من خلاله، ولكن وزير الصحة حفر كوة في الجدار فمن القادم الذي سيموت علي هذا السطح الساخن نصف قرن بين استقالة عبد الرحمن علي طه واستقالة عبد الله جمعة فهل ستمضي عملية الاستقالة بنفس المعدل الزمني ام ان ثقافة الكنكشة ستنتهي ؟؟؟