(1) أخت زوجتي تريد أن تتزوج وفي قبضتها أربعة ملايين ستدقُّ عنقها غداً في سوق ليبيا. «طيب فلتتزوج فمالي أنا..!»، وحتى لا أكون فظاً، وحتى لا يزن دمي رطل واحد في كفة نظرها المتدلي، كشحتُ في شراييني برميل موية بثلاث جنيهات، وقلت لها ممازحاً دون أن أنتظر إجابة: ومن هو فارس الأحلام يا خالة ابني الوحيد؟. (2) وكأن الأرض لفظت أمعائها، أزاحت المدام أختها وأشهرت أصبعاً كالصندل المحروق، مسحتُ رذاذها المتطاير واستمعتُ بأدبٍ جم: «إلى متى ستظل عبيطاً ومسطحاً لا تميز بين الأحلام والفارس، وبين الفارس والأحلام، فوجود الأول قطعاً سينفي وجود الثاني، ووجود الثاني ينفي الأول، وبعدين كويس أنها لقيت ليها راجل». (3) ضحكتُ وكأنني لست بساذجٍ، وما أنفردتُ بنفسي حتى أدرت رقم زميلتي التي اتهمتني بأني نائم في العسل، وما جايب خبر للدنيا، وكل همي متين يجي آخر الشهر والصق بطني المتورمة من أكل الأسواق في ضهر الشباك وعيني في وعين المحاسب، وما عارف أن هناك جريمة دموية وبشعة قد أرتكبت في العقد الأخير من القرن الماضي. (4) حسب فهمي المتواضع استنتجتُ من كلامها بأن الفارس هو الذي تجرأ وغافل الأحلام وطعنها في خصرها بخنجرٍ معقوف وسلم نفسه دون مقاومة، وزوجتي مُلحة بأن الأحلام هي التي قتلت الفارس وشربت من دمه، وشقت رأسه بفأسٍ رفيع في ليلٍ بهيم والناس نيام. (5) في الصباح تفهم مديري الظرف الذي أمر به، وصرفني حتى أقوم بواجب العزاء وأشيل الفاتحة مع أهل الأحلام في روح فقيدة الإنسانية جمعاء المدعو الأحلام. ولأني وصلت متأخراً لم أجد غير أثار الصيوان، وبضعة كراسي شوهت خيوط الشمس لونها الأصلي. (6) من درج مكتبها ناولتني زميلتي صفحة من صحيفة قديمة تحوي تفاصيل هذه الجريمة البشعة، موضعت عويناتي الطبية، ومن السطر الأول عرفتُ بأن الفارس لديه الحق في قتل الأحلام، فهي التي تقزمت وتآكلت وتلاشت بسبب واقع مزري لا يرحم إلا من كانت له صفة الثعابين التي تجيد التسلق في كل الجهات. (7) المُدعي العام قال بأن الفارس كان غبياً، ولا يؤمن بالمقولة الأكثر واقعية في هذا العالم (ما حك جلدك مثل ظفرك)، ولأنه غبي كما قلنا ترك تلك المهمة للأحلام التي أصبح الوضع لديها أقرب للتسلية ولزوم التغيير، وكسر الروتين الما بينكسر. (8) فشلت إذن الأحلام في حك جلد الفارس، بعدما أقتلع واقع لا يعترف بالفروسية أظافره من جذورها، فلم يجد صاحبنا الفارس مفراً سوى أن يتسلل خلسة على أمشاطه شاهراً شفرة خنجر يماني معقوف ويغرزه إلى منتصفه في خاصرة الأحلام وهي مسترخية في عقر دارها. (9) ترحمتُ على الأحلام كثيراً بعدما فشلتُ في إيجاد أهلها لتعزيتهم. اقتربتُ من أخت زوجتي وأعلنت لها استعدادي التام أن أمشط معها أزقة سوق ليبيا زقاق زقاق، وكتفي أيضاً على أهبة الاستعداد وجاهزاً لحمل جميع حقائبها، وألف مبروك مقدما، وربنا يعقل أهل الأحلام ويقبلوا بالدية، ويفك أسر الفارس. (10) آمين يا رب العالمين.