شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعرة السورية رشا حبال
كل صباح كان ينتظرني الموت أمام الباب نشيطاً لم اقبل أن أعيش على مزاج الموت المتقلب فهو طوال الشتاء كان يجوب الشوارع د. إشراقة مصطفى حامد
نشر في الوطن يوم 27 - 05 - 2012

بل كيف تكتب المرأة عن الحب من جوف الركام؟ كان سؤالا منهكا كلما قرأت للشاعرة السورية رشا حبال نصا شعريا , رشا حبال التي تكتب عن الحب، عن الجمال ما يعنى إنها تكتب من الحياة وإلى الحياة. إذن هي الكتابة, هي عشق الكتابة, هي الطاقة الخلاقة الكامنة فى إمرأة تحول المدافع الى حب.
رشا حبال المولودة فى العام 1982 فى حماة سوريا وكل اهتماماتها كما قالت لىّ ( فتح ممر فى كل حيز وزرع شجرة على ناصيته).
حين سألتها ان تقول لىّ من هى, جاء ردها: (أنا لا أحد يا إمرأة... لا احد), جاء ردى لها حين عرفت بان رصاصة طائشة كانت تجوب حول بيتهم: انت كل شىء, انت الحب الذى سيمنح هذه الارض الجميلة السلام.تواصلت مع الشاعرة رشا حبال عبر الفيسبوك وبدأ بينى وبينها حوارا يتعمق كل يوم, تناقشنا حول الكثير من القضايا, عن كل شىء الاّ الحروب. أجريت معها حوارا للمجلة النمساوية التى اكتب فيها من حين لآخر, كان يهمنى ان اعرف كيف يمكن ان تكتب إمرأة بكل هذا الجمال عن الحب والحرب تقف امام باب مدينتها؟ اول مرة تواصلنا عبر الهاتف ضحكنا كثيرا وكأننا نعرف بعضنا او اننا التقينا على حي الطوافرة قبل قليل فى سوريا. فى لحظة صار صوتها بعيدا, قلت لها انا لا اسمعك الآن.. (دخيلك هادا بسبب الإشعاع). عذرا رشا لابدّ ان انسى ان هناك حربا لانك تتحدثين عن الحب, عن السلام. سيأتى يوم نتسكع فيه معا وسوف تحكينى كثيرا عن سوريا واحكيك كثيرا عن الكون, اظنك ايضا امرأة كونية. من كتابتها ولجت إلى اول نصوصها ثم التهمتها نصا نصا, هكذا تشدنى النساء الواعيات على (أجنحة الحلم).
حين تحول إمرأة المدافع إلى حب
ولان دواء الحروب هو الحب, المحبة فى اسمى معانيها جاءت نطفة سؤالى الاول, فاتحة شهية الكتابة, ان تحكينى عن الحرب والحب, فالفرق حرف واحد, الفرق مابين الموت والحياة, فجاء حديثها مطمئنا لقلبى ومانحا له بعض من طيوب الخاطر؟
ولأنني وقعت بالحب اختلط الأمر على الحياة فأضافت حرفاً إضافيا تربع بين الحاء والباء فكانت الحرب .
لسنوات طويلة افترضت أنني لن اغرق في تفاصيلها وأن كل البشاعة التي تحدث ، تحدث للآخرين فقط وأن هذا الموت لن يجرؤ على الاقتراب من قبيلة الأطفال التي تقفز في قلبي
اذكر أول مرة حين حوصرت تحت الرصاص وأول مرة هرعت للتبرع بالدم حين سقطت الحرية فريسة الخديعة، كانت المدينة غارقة بالدخان والخوف والموت، لم أتعرف على وجه المدينة حينها وكأنني أسير في متاهة جروح اندملت بشكل سيء على الحزن ، فاستعرت وجه حبيبي كإشارات تدلني على الطريق حتى لا تبتلعني المتاهة .
أخبرته مراراً أنني اكره تلك الأمنية الجاهزة التي تنادي «السلام للعالم «وكأنها لُقنت لنا دون أن ندري من هو العالم وكيف يكون شكله هذا السلام ،وأنا التي كنت اشتهي له خرابا طويلا من زلازل عشقي ولكن حين تكلمت البنادق تاهت الزلازل ونبقت أمنية السلام للعالم شجرة من رأسي
لم أكن اعرف قبل الحرب كيف يمكن أن نمضي شهورا طويلة غارقين في العتمة الباردة وكان الخوف من العتمة حاضراً ،كنت أطلق كل ليلة سربا من نساء ذاهلاتٍ به من تحت معطف الصمت الوحيد و أكتظ بالرجال الهاربين من معطف صمته ..وحين يضج الرصاص في الخارج كنت اغرق في الصهيل الذي يضج تحت معطفينا وننسى الحرب وكأنها للآخرين فقط .
كل صباح كان ينتظرني الموت أمام الباب نشيطاً ممشط الشعر ومضمخاً بالكافور، يتربص بأحلامي التي كنت اختارها للحب .. ولأن الحرب خدعة كنت اهرب من الشباك وأرتمي في بحيرة صباح الحب كمنديل ورقي شره، أمتصه حتى الامتلاء فلا يعود هذا الموت راغباً بي مع وعد صارم بأنني لن افلت منه في المرة القادمة
حتى الآن وفيت بوعدي له بأنني لن اتبع نشيد الموت مخدرة كسرب الفئران الذي تبع نشيد الفناء ، كنت أطير أسراب الفراشات التي زَرَعها يوماً على تنورتي وخاف أن تصاب بالطيران إن صرخ بألم الجمر على أصابع الانتظار أركض وراء فراشاته وأدع الآخرين يمشون حفاة إلى حتفهم ، في الحب قطعت وعوداً كثيرة لم أفي بها ولكن الحماقة التي تسمى الذهاب وحدي وبلا عودة تخيفني فأحتمي بالوعود التي قطعها لي ( حتى الرماد معاً ) .
لم اقبل أن أعيش على مزاج الموت المتقلب فهو طوال الشتاء كان يجوب الشوارع ليلاً يغتسل بالمطر ويغني لمجده ، ويشتكي صباحاً من جفاف عروقه وضياع صوته بين المنادين على بضائعهم المهربة ، مارست العيش وفق تفاصيل الحب الصغيرة بأقصى حالات التأهب لاستقبال مولود اللحظة الهارب إليّ والتي ربما لا يتكرر إن وقعت كفة الميزان في غرام الموت.
وكنت حين تنهكني المسافة الملغمة بالموت بيننا ، أمد يدي لهز أرجوحة ابنتنا التي تنتظرنا ،أتمدد على شاطئ ضحكتها وتغمرني النوارس بالأمان ، تنقر ما فاض من حزني المشوب بطعم البارود والقهر فأستيقظ طازجة إلى الحب وكأنه المرة الأولى والأخيرة
إنهم هناك على الجانب الآخر من المحرقة يسقطون
تعال لنكمل ما لم نبدأه بعد
لن تسع المحرقة كل مشاريعنا المؤجلة
أنفقها ببذخ قبل أن تؤول سراباً بمنتصف رأسه رصاصة
جاء ردها بهارا لحوارنا الذى افترعته عن الحب والحرب ثم شهتنى المعانى حين جاء ردها اعمق عن كيف يمكن الكتابة وهناك مدافعا تقرع ونزع الفرح؟ فجاءت اجابتها شافية لكل ماسببته الحروب من جراحات منذ الحرب لاعالمية الأولى والثانية.
رشا: الكتابة في زمن الحرب هي كالكتابة في كل وقت ولكن الفارق الوحيد أن زخم الأحداث والتأثر يكون شاهقا دائما يكون حجم الألم الذي يلحظه او يعيشه الكاتب أكبر و أكثر تفصيلا من الإنسان العادي الذي يعيش الألم دون تفصيلات
أيضا الكتابة في زمن الحروب تكون مصحوبة بمحفزات مختلفة عن زمن السلم الحب في زمن الحرب مختلف والفقر في زمن الحرب لاذع والدم طاغ على كل هذا
نحن نكتب لنتخلص من كل ما نعيشه في تلك المرحلة ولنؤرخه بشكل ما
لذلك الكتابة هي المخرج الوحيد للكاتب الذي يحاول أن يفض بكارة وجع الحروب بقلم
كل ما يعيشه الكاتب يحتمل التاويل والقولبة بأكثر من حالة وطريقة وبذلك تكون مرحلة الكتابة غنية بالتفاصيل الدقيقة التي لا يمكن للكاتب ان يصورها حتى لو إمتلك أكبر مساحة من الخيال التوصيفي
ما يروى ويعاش بتلك المرحلة هو مفترق الطرق الذي يسير فيه الكاتب دون ارادة منه ...مفترق يحمل الألم والجوع والنكبات والموت والدهشة وتلك التفاصيل تلازمه وتكون حاضرة في كل ما سيكتبه لاحقا
الكاتب عموماً يجيد العيش مع خيالاته التي تصبح مع الوقت عالماً متكاملاً يحرك فيه موازين القوى كما يرتأي أو كما يجب أن تكون في الحقيقة الخالية من ألعاب السياسة
يعني بمعنى أخر لا ترضخ لقوة الجوانب في عالمه اللا محدود
والفعل الثوري هو فعل متمرد على المألوف ويجذب الكاتب لأنه ليس له حدود كعالمه
فيؤلفان معاً عالما متحررا وخارج إطار اللوحة العامة وقادرا على قلب الطاولة التي تتربع عليها كل القيود. الكتابة في زمن الثورات يشبه قرار تنظيف خزانتك من كل ماهو ضيق على الممكن ...الممكن يصبح كل شيء في تلك المرحلة لذلك لا يعد من الممكن إختصاره بل على العكس يكون فضفاضا ويحتمل كل المقاسات الجديدة .
تحدثنا عن التطرف, التطرف بمعناه الواسع, عن تأثير الكتابة على القارىء والقارئة فى سوريا, فكانت اجابتها المنفتحة عللى المزيد من الأسئلة:
(هذا زمن التطرف...تطرف الجميع...أفراداً وجماعات ودول...وفي هكذا زمن هناك حرب خفية تدور بين اصحاب الفكر المتطرف وبين اصحاب الفكر المعتدل
والتطرف لم يعد حكراً على التطرف الديني او التشدد رغم أن البلاد تشهد ردة دينية خلال العقد الماضي والحالي أدت الى انقسامات وحروب طائفية وانهيار دول وما يحدث الأن في البلاد يكرس هذا الإتجاه (اتجاه العودة إلى الجماعة لأنها تشعره بأنه ليس الوحيد الذي يعاني وتشعره أيضا بالأمان وبأن الله والدين هو الخلاص الوحيد من كل الأوجاع ) ولكن الأخطر من ذلك هو المثقف المتطرف القادر على امساك نقاط ضعف المتلقى والتسلل من خلالها ولو أن القارئ أو المتلقى لم يعد بسيطاً لكنه أيضا لا يملك شكوكاً لرفض ما يحاكي واقعه
لا يمكن أن نجزم في هذه المرحلة مدى تأثير الكتاب أو الكاتبات على القارئ في سوريا مثلا خلال هذه الأحداث انخفض الرصيد الشعبي لكبار المفكرين المعروفين بعلمانيتهم واعتدالهم وظهر على وجه موجة الثورات كتاب مغمورين ولا رصيد جماهيري لديهم
لكنهم كانوا الرابحين في هذه المرحلة لركوبهم موجة ما يريده القارئ وما يؤكد له أنه على حق
الكاتب المتطرف رصاصة في عظم البلاد لأنه يوجد دائما من يصدق ويتبنى الرؤية الخاصة بالكاتب.
هكذا يتسق فهمها وفهمى للكتابة ودروها, فالكتابة لا تكن كتابة ان لم تنحاز للحياة ولدروب الناس.
--
الكتابة في زمن الحرب
الكاتب مغلوب على جمره
لقد حظي الأسد بحصّة الأسد من التاريخ، وأثبتت الإحصائيات والاستبيانات أنه أكثر الزعماء شعبيةً في الوطن العربي، ومن أكثرهم عالمياً»!!! هذا الكلام لم يكتبه عضو في مجلس الشعب السوري، أو رئيس أحد الفروع البعثية... بل كتبه أحد «نجوم» الثورة السورية الصحافي إياد شربجي في مجلته «شبابلك» قبل بدء الثورة السورية بأيام في مقال عنوانه «قوّة أي رئيس... شعبه»!!
بالطبع ما كنّا لنفكّر بنقل مثل هذا الاقتباس لولا ظهور حالة استفزازية شكَّلها تحديداً أولئك «المثقفون» و«الصحافيون» الذين كانوا حتى البارحة في مركب السلطة قبل أن يقفزوا إلى مركب الثورة... حيث بلمح البصر شكَّل هؤلاء - تماماً كعهدهم السابق - شبكةً إعلامية في المعارضة لتظهير «بطولاتهم»، وأسَّسوا أيضاً صفحات على «فيس بوك» خاصة بدعمهم! وأخرى عن «لوائح الشرف» وأسماؤهم في مقدّمة تلك اللوائح طبعاً! ومثلما كانوا حلقةً مقفلة في الإعلام الرسمي الذي استخدموه كرافعة لأسمائهم ولنفي الأسماء الأخرى، ها هم اليوم يُشكِّلون الحلقة المقفلة نفسها في المعارضة، فيمتدحون بعضهم، ويُروِّجون لبعضهم، ليس لتبييض صفحاتهم فقط - فهذا أمر يمكن التغاضي عنه – لكن للمزايدة على من سبقهم بسنوات طويلة إلى معارضة النظام الاستبدادي... بل واتهامه بالتخاذل!! والسبب طبعاً أن مثل هذا المثقف يُدينهم ويُحرجهم، لذلك لا بدّ من إبعاده وتحقيره بأي وسيلة كانت.
تقريباً، هم ينظرون إلى الثورة كوليمة أو كمَنْسَف مثلما كانوا ينظرون إلى السلطة بالضبط. وعلى ذكر المنسف، ثمة قصة طريفة وحقيقية تُمثِّل حال هؤلاء سنرويها لكم(*):
فقد اجتمع ذات يوم أربعة من كبار البطون على منسف عامر بلحم الضأن، فأكل كلٌّ منهم اللحم الذي أمامه، لكن الحياء وطول قطْر المنسف منعاهم من مدّ أجسامهم بشكل ظاهر لتناول اللحم الموجود في المنتصف. فما كان من أحدهم إلا أن ابتكر حيلة مضحكة وذكية لفعل ذلك. فقد مدَّ هذا الشخص نفسه بشكل فاضح وتناول اللحم من منتصف المنسف، لكنه بدل أن يأكله، أعطاه للذي بجانبه حالفاً عليه أن يأكله! فما كان من هذا الأخير إلا أن ردّ «المعروف» بأحسن منه، فمدّ يده هو الآخر إلى منتصف المنسف وتناول قطعة لحم أخرى وحلف على صاحبه بأن يأكلها! وهكذا فعل الأربعة حتى أتوا على اللحم كلّه!!
أمثال هؤلاء نحبُّهم في الحياة والقرية، ثم إنهم أصحاب طرفة وخفّة دم، وحتى في السياسة لا يُثقلون على نفوسنا كثيراً لأن السياسة - للأسف - ديدنها الانتهازية والشطارة. لكن في الثقافة الأمر مختلف. فإذا كنّا على استعداد للتصفيق لأي سياسي أو مسؤول ينشقّ عن النظام الاستبدادي الآن، رغم علمنا بدوافعه الحقيقية، وعلى استعداد أن لا ننتقد مزايداته و«بطولاته» الكرتونية وكل ذلك في سبيل إنجاح الثورة... فإننا غير مستعدّين لفعل ذلك مع المثقف الذي كان ماسح أحذية لرموز النظام، أو على الأقل المثقف الذي لم تجف قشوة الحليب على فمه جرّاء مصّ ضرع النظام، فمن حقنا أن نطالبه ببعض التواضع والقليل من النقد الذاتي (حتى ولو بينه وبين نفسه)... لأن المثقف ضمير، لأن المثقف موقف، لأن المثقف حالة أخلاقية (بالمعنى الرفيع للكلمة بعيداً عن ابتذالاتها الدينية).
الأرشيف الذي بين يدينا لبعض هؤلاء مخجل. بل ومخجل للغاية. وبالطبع لن نبدأ بنشره إلا بعد انتصار الثورة تماماً كي لا يقوم النظام باستثماره. أما الآن فسنُشيح بوجهنا عنه، تماماً كما ستُشيح سوريا الغد بوجهها عن كل مثقف صاحب ضميرٍ نؤوم الضحي
هذا ماكتبه ماهرالشريف رئيس تحرير الغاوون في وصفه لحالة بعض الكتاب والمثقفين السورين الموالين لنظام الاسد, وفي جانب اجرت الوطن حوارا مع الشاعرة السورية رشا حبال عن الحب والكتابة في زمن الحرب, حتى يدرك القارئي مدى الفجائع التى يعيشها انسان سوريا وكاتبه.
--
القاهرة تحتفي بالفيتوري رداً على إشاعة وفاته
سلوى عبدالحليم
نظَّمت لجنة الشعر في المجلس الأعلى المصري للثقافة ندوة للاحتفاء بالشاعر محمد الفيتوري (1936) الذي يقيم في الرباط منذ خمس سنوات، رداً على ما تناقلته بعض الصحف حول وفاته. وقال مقرر اللجنة الشاعر ماجد يوسف إن الندوة هي «أنشودة محبة ووفاء من الشعراء المصريين لمحمد الفيتوري بوصفه قيمة شعرية ستظل متجددة ومتوهجة في ذاكرتنا الشعرية». وفي كلمته المعنونة «أنشودة إفريقية... في محبة الفيتوري»، قال الشاعر جمال القصاص: «كنت صغيراً أحبو فوق شطوط الشعر واللغة، وكان الفيتوري يعلمني أنا وكثيرون من رفاقي معنى الثورة والحرية والأمل. كانت دواوينه المبكرة بمثابة الرحم لتشكل طفولتنا الشعرية والثورية». ورأى القصاص أن الفيتوري «أضاف إلى لغة الشعر الكثير من المفردات الطازجة الخاصة، كان أبرزها مفردات الأبيض والأسود، أو الأبيض والزنجي، وما يرشح تحتهما من تدرجات باعتبارهما إحدى الثنائيات الضدية، ليفضح التمييز العنصري».
وقال القصاص: «إن الفيتوري سبق محمود درويش، عندما أطلق عبر شعره صرخة احتجاج ضد الإزاحة والتهميش». واختتم بالقول: «لست أبالغ حين أقول إن الساحة الشعرية العربية ظلمت الفيتوري، فمنجزه الشعري لم يلق الاهتمام النقدي اللائق، سواء في موطن مولده، السودان، أو في ليبيا التي شكلت المدار الطويل لرحلته في العمل على الصعيدين الثقافي والسياسي، أو في مصر التي تشكل فيها جزء حميم من وعيه الثقافي والمعرفي والتعليمي». الشاعر أحمد عنتر مصطفى ركَّز في كلمته على فكرة القومية العربية عند الفيتوري... «كانت من القضايا المهمة والجوهرية التي يؤمن بها إذا ما هو خرج من دائرة شعر الزنوجة والقارة السوداء. من هنا جاء ارتباطه ببعض الأنظمة العربية التي تنتمي راديكالياً إلى كل ما يتعلق بقضية القومية العربية لدرجة أنه – يقصد الفيتوري - كان لا يخجل أبداً من كتابة قصائد شعرية من هذا المنطلق». وقال الناقد عايدي علي جمعة: «إن النظر إلى قضية الموضوع في شعر الفيتوري يأتي عبر ثلاثة محاور رئيسة: التصوف، والالتزام، والثورية، إذ أشاع في التصوف اغتراباً حزيناً وحباً بائساً وهو يمزجه بقضايا العصر، وهذه النقطة الأخيرة شكلت محوراً مشتركاً بين الفيتوري وعدد ملحوظ من شعراء جيله». وأضاف: رأينا الفيتوري شاعراً ملتزماً، بل من أكثر شعراء جيله التزاماً، لا ينكر دوره في إسهامه في قضايا الواقع العربي عموماً، لكن مع ضرورة تأكيد الفارق بين الالتزام والإلزام. فالفيتوري على رغم التزامه لم يهبط شعره إلى مستوى الدعاية التي ينحدر إليها الشعر الملتزم عادة.
وذهب جمعة إلى أن الفيتوري هو «أصدق وأشهر من تناول كفاح القارة السمراء ضد المستعمر الغربي في الشعر العربي الحديث». وقال إنه لاحظ تنوع نماذج المرأة في شعر الفيتوري، فهناك المرأة محبوبة، والمرأة مناضلة، والمرأة رمز، لكننا لا نظفر في الغالب برؤية ذهنية للمرأة تتحول فيها إلى سر من أسرار الحياة ومنبع للطاقة الحيوية في الكون. وفي تناوله قضية الصياغة الجمالية عند الفيتوري، رأى جمعة أن لغته تقترب من لغة الحديث أو الواقع اليومي على رغم فصاحتها وعدم فقدانها لأهم ما يميز لغة الشعر من بكارة وإشعاع، وهو في هذا يتفق مع كثير من شعراء جيله، مثل بدر شاكر السياب وصلاح عبدالصبور
--
فى حضرة القاص والروائى عبدالمنعم حسن محمود
يتنحى الرمز مفسحا المكان للغة متغيرة ومتعدية تكيف الواقع وترفض التنميط المسبق
محمد حسن رابح المجمر
عبدالمنعم حسن محمود ، قاص من جيل الشباب الذين حملوا القلم بقوة وكذلك هو من مبدعى السرد الواعى بمسؤولية الكاتب تجاه مجتمعه بواقعية جراح يسابق الزمن نحو الوصول إعلى ذروات الإفتضاح فى الحالة الإجتماعية أو النفسية الفردية التى لاتخلو منها أيا من قصصه القصيرة والأخرى القصيرة جدا وكذلك الرواية التى فاز بواحدة من أقيم جوائزها فى السودان (جائزة الطيب صالح للإبداع الروائى للعام 2011م ) عن روايته (زجاجتان وعنق واحد ) ، وكان قد صدر عن (أروقة للثقافة والعلوم ) مجموعته القصصية (متسع أخر ) ، وتتميز كتاباته السردية بذلك التدفق الإنسيابى الناضج مفردة ومضمون ، وواضحا جدا من العناوين التى يخطها كوسم لأقصوصاته بأنه صاحب رؤية نقدية إجتماعية لها مقابلها الموضوعى فى القراءات النقدية والمراجعات المختلفة بتعدد أصواتها وذلك لأنها تبنى بحرفية قاص أصبحت له بصمته الخاصة فى عالم السرد ، فى هذا المقال نتعرض لبعض هذه القصص فى محاولة للمقاربة ، وسنبقى على نصوصها كماهى لتعم الفائدة .
نص قصة (رحلة الريموت ) :
كان التواصل مابين آليات الإعلام الحديثة (خصوصا الفضائيات ) من الموضوعات الكبيرة التى شغلت عدد من كتابنا فى الآونة الأخيرة بإعتبار أنها ظاهرة خطيرة على المستوى المعرفى لأزمات الفرد فى عالم متغير بسرعة صاروخية من حيث القدرة على المواكبة وتوفر إمكانات (التفهم المتبادل للإشارات المرسلة ) ، فبات الأمر ملتبسا ، القاص عبدالمنعم حسن محمود يدخل بسخريته اللاذعة إلى هذا العمق :-
( الرحلة الشاقة التي يقطعها (الريموت) أمام شاشتنا
تعاني من نقاط التفتيش ورسوم العبور ..
- وبنسأل ضيفنا : لمن تهدي هذه الأغنية ؟
- لأبي في أسمرا، ولأمي في القاهرة
لأخي في لندن، ولأختي في برلين
ولنفسي في اسبانيا.
- وفي السودان لمن ؟
- لك.
- ألديك علاقة بكرة القدم ؟
- اطلاقا .. لا أحبها .. ولا أشاهدها.
- إذن أعزائي المشاهدين سنشاهد استراحة كروية ونعود...).
والحوارية الظاهرة فى السرد تأخذ بطريقة الكشف المباشر للخطابات من غير توريات ، ولذلك تفسيره الذى تظهره هذه القصص لاحقا فى أن (الرمز قد تهاوى وسقط ) فى صيرورة الوقائع (التى تجاوزت الفرد صانع الرمز لأنه يرتبط بخصوصية ما فيه ) ، وهنا يمكن للناقد الحصيف أن يرى الإختلاف فى كتابات القاص عبدالمنعم محمود من خلال إثارة هذا السؤال : متى يتهاوى الرمز وتقع النصوص فى المباشرة – غير السوقية المبتذلة – مثلما حدث فى هذا النص ؟ ..حينما يكون الواقع أغرب من الذى تحفظه الذاكرة الداخلية لهذا الفرد ، هى حالة التكيف والبحث عن موقع للرؤية ، يتراجع الرمز لصالح العلامة وتصبح الكتابة معنية بتفجير دلالاتها فى مرحلة أخرى فى داخل وعى المتلقى ، يبدأ التحريض حينما تدخل المباشرة .
نص قصة (عناية)
ويستمر مشتغلا على نفس التيمة فى محاولة لترويض خيال جامح يقوى على قراءة ذلك الصمت المبهم والذى (يستنطق يكون شيئا أخر يقارب وصف اللامعقول ) ، جاءت المقارنة هذه المرة من أقاصى الوعى الإجتماعى بالتطور التكنولوجى فى عالم هو بالضرورة يجرى تقسيمه ( أول وثالث ) فى إشارة واضحة لتلك الهوة التى تفصل بينهما من هذه الزاوية (المعرفة ) من غير هتاف هنا وإنما بشفافية جارحة فى واحد من وجوهها المقروءة فى السياق بأن (يقفز السؤال فى نهاية القصة ومن تلقاءه : كيف يكون ذلك ؟ ) ، ومن الملاحظات التى تدون عن كتابات القاص عبدالمنعم حسن محمود هى أنه لايغفل أبدا عن كون أنه منتم لهذا (العالم الثالث ) بقصدية (تحريضية بشكل ما على مايبدو ) :-
(.. الصاورخ الذي داهم أمي من الفضاء
وأندس في طستها وسط الثياب المبتلة بالماء لم يفزعها
رفعت ماعون الصابون الساخن وصبته في مقدمته
وبحجرٍ سنين كانت تستعمله في حك كعب الرجل
حكت به جلد الصاروخ
وبمشابك قديمة علقته في حبل الغسيل
وعندما أنزوت الشمس جانبا
مررت علي جسده مكواة الفحم
فجت له مكانا في دولابها
ووضعته بعناية وسط قنابلها الذرية..).
يأخذ الحقائق ببساطة متناهية حتى تصبح عملية مقاربتها أشبه (بالواجب المنزلى ) لطالب فى الأساس يتحسس طريقه بين الكلمات الجديدة التى لم يعتد ذهنه عليها بعد ، هذا المزج الغريب مابين (الصاروخ : رمزية التقدم التكنولوجى فى مجالات الدمار الشامل والتسليح ) وحبل الغسيل ، ينوجد بكل هذه التلقائية فى فناء بيت بلدى فى حى شعبى (بين كومة الملابس فى دولاب عتيق ) ، هى نفسها النقدية الباردة والداحضة لفرية التمدين الظاهرى ، شك قاتل فى مدى معرفتنا بمدى التقدم فى عالم خارجى يفغر فاهه كفك مفترس لإبتلاعنا فى أى زمن ، كتابة تثير التفكير الداخلى من زاوية التوجس والريبة فى هذا الأخر الذى يغير حياتنا بإستمرار ولانستطيع أن نوقف زحف تأثيراته الكبيرة داخل وعينا .
نص قصة (مفار قة)
ومن عنوان هذا النص تظهر فادحة أن يموت الرمز ويصبح كل شىء مبعثرا على طاولة مسطحة ، الإستهلاك من زاوية البحث واللهاث خلف حداثة ومدنية (قشرية ظاهرية ) لاتلامس عصب الإحتياجات الحقيقية للإنسان فى سرد (كافكوى ) يشبه (رسوم التكعبيين ) لكأنما كان المكان (إحدى حارات مدينة مدريد ) فى واحدة من لوحات سلفادور دالى :
(الأعمى الذي يريد أن يشتري قدرا من الكهرباء، ليضئ بها غرفته، ويحتفي بسهرة رأس السنة، لم يلتزم بمسار الصف، الحوار الذي أجراه مع الأطرش، الذي يريد أن يسدد فاتورة هاتفه، ويهنئ حبيبته بالعام الجديد، لم يكن مهذبا، أنتهزه موظف الشباك الأعرج فرصة، وأغلق نافذته، وهرول ليسجل اسمه في سباق المئة متر رجال، وأكتفيت أنا في ذلك اليوم بتسديد رسوم المغادرة..وبقيت..).
فى رصف اللامعقول كطريقة للتفكير يصبح معقولا هنا موت الرمز ، وفى هذه القصة يبدو أن وتيرة إنكشاف الحاجة الملحة لإعادة (تعريف الذات وأولوياتها ) فى الحياة كانت أسرع ، لكنها المفارقة حينما يصبح كل شىء طارىء ومستبعد وغير ضرورى مثل حياة هذا الفرد الذى (دُجن ، أو تم تدجينه ليكون سوقا حرة للأخرين بتنمية عادات الإستهلاك لديه وهو مستلبا فى وعى مخدر بنهايات ونتائج لن تتحقق أبدا : أن بيصر الأعمى !!.
نص قصة (ذهول) :
أن تجعل بيض السرد فى سلة الرسم تلك طريقة آمنة لكى تصل رؤيتك السوداوية (لنهارات متشابهة ) مثل الليل فى الحجيم بطريقة (رامبو فى ليل عدن البارد عندما تأتى النوارس عابرة فى طريقها إلى الفراغ ماوراء حدود الرؤية ) دون أن تتهشم عند إرتطامها بواقع أنها وقائع يومية لاجديد فيها ليكون ذلك أدعى للتأمل والرثاء فى الوقت نفسه ، فقط المفارقة فى نهاية القصة تصنع الإختلاف هنا :
( هذا الصباح الذي يبعثر أشعته الصفراء في أنحاء الغرفة لم يرق لي..جفني المحمر بسبب غباء البارحة ينم عن سوداوية النهار المقبل بسياطه..لملمت أوجاع المفاصل ونهضت فزعا..مشطت أقدامي في مرآة المجهول، وأدخلت رأسي في الحذاء..واتجهت صوب قدري. ). الإتجاه صوب القدر ، هل كان مبعثه الإيمان بحقيقة ما هنا ، تركت هذه الجزئية مفتوحة وهى تتجذر فى الثقافة الشعبية فى أوسع نطاقات التعبير الجمعى عن وضعية الفرد فى حياة شديدة القسوة (السعى وراء اللقمة ) مع توفر يقين صادق وقوى بإمكان الحصول عليها بطريقة تفكير مختلفة عن الإختلاق الداخلى الذى تنتجه المخاوف من الغد ، قدرية مواجهة الواقع ، وماذا تبقى للرمز ليستر سواءاته فى هذا النهار القائظ ؟ .. فى أن يكون ثمة خلل فى هكذا حياة (وصف عملى جاء مجهريا لواقع حياة فى عزلة فرد أنهكته دوامة الأشياء المتشابهة ) التى يتعاطاها بشكل يومى (بلا إرادة ) فى إيماءة بعيدة (لأن هناك سخرة ) من نوع خفى تمارس عليه : إفتقاد الإرادة والحياة بآلية عرض من أعراض الإنهيار الإجتماعى الكلى حتى وإن بدا فرديا ، وهنا تتدارك الكتابة (قسوة هذا المصير : بأن تم قبوله كقدر ) .
نص قصة (حوار)
تأتى هذه القصة من نفس العمق الظلامى فى مخيلة ذلك (الفرد المعزول والأعزل ربما ) فى مغالطة طريفة للحكاية الشعبية (الفارس والأميرة ) التى تحيل على (عنوسة آبدية ) لإستحالتها فى عالم لايوجد فيه أصلا فارس وأميرة كما فى الأحلام ، فمثلما كانت كتابات القاص عبدالمنعم حسن محمود (تبيد الرمز وتلغيه فى أحايين كثيرة ) فهى تقوم بنفس هذا – الإجراء التعسفى – لإلغاء تأثير الحلم فى تحريك الذاكرة نحو التلاؤم مع قسوة ظروفها :
( بلطف حاولت أن أقنعها
بأن الفارس هو الذي تجرأ
وغافل الأحلام وطعنها في خصرها بخنجرٍ معقوف
وسلم نفسه دون مقاومة
استعانت بتخشبها وصرخت في وجهي :
بل الأحلام هي التي قتلت الفارس
وشقت رأسه بفأسٍ رفيع في ليلٍ بهيم والناس نيام.
تحسست رأسي وأكتفيت بدفنه في ثنايا الوسادة..) .
ويظل البطل عنده أشبه (بحنظلة ) عند الرسام الفلسطينى الشهيد ناجى العلى شاهدا على كل شىء فى سلبية تحسده عليها صغار العصافير حينما تقع فى أيدى الأطفال ، وعندما يكون الواقع أوسع وأكبر من طاقة إحتمال هذا الفرد (يلاحظ دائما أن قصصه تأتى بضمير المتكلم ) ، فإن اللامعقول يكون هو المسرح التى تدور فيه هذه الوقائع المتراصة مثل (عرضحال كتبه رجل كثير الشكوى والتبرم من قدره ) ، قلق من ذلك النوع الذى يبادر بتغيير ذاكرة القاص فارضا كل ذلك التغيير على القارىء فى رفض عنيد لدخول الناقد بالتأويل والتفسير ، إلا من زاوية القراءة الدارجة بالتفاعل والذهاب بعيدا بإتجاه (المفردات نفسها ) لأن المضمون يكون (عاريا ومنذ الوهلة الأولى ) ، بمعنى أن الكاتب عبدالمنعم حسن محمود يمارس سلطته النقدية على الواقع من زاويته الخاصة دون ان يتورط فى أحابيل التأويل ، لكن لايتخلى عن فكرته الممتدة بصيرورة الوقائع فى إستثارة ذاكرة القارىء (بالتحريض ) على التلاؤم والتكيف مع واقع إنقلابى زحافى داخل المفردة نفسها ، والواقع هنا تشكله مفردات تتشابك لتزيح الرمز لصالح (وجودها الخاص ) ، هل إنتهت الكتابة من خلال الرمز ؟ ..أم أن أفكارا تقدمية كبيرة على صعيد التفكير السردى تتشكل الأن بعيدا عن (سلطة التراثيين والحداثيين معا ؟) ، أم أنتهت فعلا فكرة (المدرسة النقدية ) برمتها ؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.