حملت الينا الاخبار هذا الاسبوع ان المعارك التي حدثت بين الدينكا واخوانهم المسيرية في ابيي اودت بحياة ما لا يقل عن مائة شخص ومثلهم من المجرحين.. والسبب هو ان الحركة الشعبية ارسلت كتيبة من شرطتها على خمس سيارات لاندكروز لتنشئ محطة مراقبة شمال أبيي - شمال حدود 1956 - لتهاجم رعاة المسيرية العزل وتمنعهم من رحلتهم السنوية التي يقومون بها لأكثر من مائة عام اي منذ 1905م، متعايشين في سلام مع اخوانهم الدينكا ومحققين مصالحهم المشتركة في العيش بسلام، وعندما هجمت قوات الشرطة على الرعاة تنادت قبائل المسيرية وردت الهجوم.. وحدث ما حدث..! منذ 1905م، وحتى 1983م، قتل من المسيرية واخوانهم الدينكا حوالي مائة شخص بسبب الصراع القبلي على المرعى والمياه ودفعت كل قبيلة الدية للقبيلة الاخرى كما يقتضي العرف بين الاخوة وتم قفل ملف القتلى في كل مرة. ولكن منذ 1983م، عندما جاءت الحركة الشعبية وحتى اليوم قتل من القبيلتين ما لا يقل عن ثلاثة آلاف ولم يتم حتى الآن حتى اكمال دفع الديات كما يقضي العرف القبلي.. نظرت لعدد القتلى في ثمانين عاما قبل الحركة وعشرين عاما بعد الحركة فذهلت .. وقلت لنفسي لو ا ن الحركة فكرت بعقلية تنموية ورفضت العقلية الامنية.. أليس منهم رجل رشيد..؟! تحتاج الحركات المسلحة الى حوالي مائة الف دولار لتشتري اللاندكروزر وتجهيزاته من الاسلحة والذخائر.. وقلت في نفسي لو ان الحركة ارسلت بنفس تكلفة الاندكروزرات الخمسة... خمس حفارات حفرت كل واحدة منها عشرين بئرا .. بدل ان يتسبب كل لاندكروزر مسلح في قتل عشرين شخصا من المسيرية واخوانهم الدينكا ماذا سيكون الفرق..؟!! كان من الممكن ان تسهل المياه المتوفرة من الآبار من حوض البقارة الجوفي المياه للري الدائم وتخضر الارض وتكثر المراعي وتتناسل المواشي ويصبح الدينكا واخوانهم المسيرية اغنياء ويبنوا بدخل مواشيهم السكن المستقر والمستشفيات ويدخل ابناؤهم وبناتهم المدارس ويعيشون جميعا في ثبات ونبات. ولكن لأن الحركة الشعبية - مثل اصدقائهم المؤتمر الوطني - لا يجيدون التفكير الا بالعقلية الامنية ولا يعرفون إلا لغة الحرب ولا يؤمنون بالحوار لحل قضاياهم وانما الحل من فوهة البندقية .. حدث ما حدث وقتل من قتل.. من ينصح الحركة الشعبية لتعرف ان التنمية افضل لها مائة مرة من الحرب في ابيي.. أليس منهم رجل رشيد..؟! بحر العرب والرفية الزرقاء مسألة حياة او موت بالنسبة للمسيرية لهم ولمواشيهم وليس لهم خيار آخر - اليوم - اذا منعوا من بحر العرب الا القتال فهو اقل تكلفة بالنسبة للمسيرية.. لأنهم اذا لم يصلوا اليه ماتت مواشيهم بالآلاف ويموتون هم بالعشرات حسرة وفقرا واذا قاتلوا تخلو لهم المنطقة ويموت من مواشيهم عدد اقل ولكن المسيرية ومنذ عام 1905م، يحتاجون اخوانهم الدينكا كما يحتاج الدينكا اخوانهم المسيرية وعاشوا سويا لأكثر من مائة عام في سلام قبلي حتى جاءت الحركة الشعبية فادخلت العداوة والبغضاء بين الاخوة وهيأت لهم الاسباب وشجعتهم ليقتلوا بعضهم بعضا.. ماذا لو اوقفت الحركة الشعبية وحكومة جنوب السودان الحرب لمدة خمسة اعوام ودفعت تكلفتها تنمية لمدة خمس سنوات ولننظر المكسب الذي سيتحقق لها من الارواح والاموال والسلام المستدام.. بدلا من تهيئة اسباب القتال ومعداته وضرب طبول الحرب فلتعمل الحركة الشعبية في تهيئة اسباب التنمية ومعداتها ومشاريعها.. وهي ستصبح الحكومة بعد شهور في دولة السودن الجنوبي وتأتيها الاموال من دخل البترول ومن المانحين.. أليس منهم رجل رشيد..؟! الحركة حتى الآن لم تحاور المسيرية مباشرة وانما بوساطة الامريكان وتمنع التواصل والحوار القبلي بين المسيرية والدينكا وتعمل من غير كلل ولا ملل لتتبع ابيي للجنوب بقوة السلاح ودعم الامريكان.. وهذا المسعى جلب الضرر وأوصل المنطقة الى هذا الطريق المسدود واذا اردنا ان نصل الى نتيجة مختلفة من السلام المستدام فلابد ان نجرب طرقاً اخرى هي طرق التنمية .. أليس منهم رجل رشيد..؟!! [email protected]