٭٭ رغم حالة الحزن العميق التي انتابت السواد الاعظم من جماهير الشعب السوداني في الشمال والجنوب والشرق والغرب بسبب انفصال الجنوب، بعد اجراء الاستفتاء الذي نصت عليه اتفاقية نيفاشا المشؤومة والهزيمة والانكسار والاستسلام لمؤامرات قوى البغي والطغيان وتفتيت وحدة الشعوب، ورغم فقدان السودان لمساحة واسعة وشاسعة من اراضيه وعدد كبير من أمله وسكانه وابنائه، وضياع هويته باعتباره بلدا آفروعربي كان ملء السمع والبصر والفؤاد، فإن هذه الجماهير الحزينة المكلومة لم تقدم من قيادات أهل المشروع الحضاري وقيادات البرلمان من يطالب المجتمع الدولي بأن يكون عادلا ويمنح رئيس الجمهورية المشير عمر البشير ونائبه الأول سلفا كير ميارديت جائزة نوبل للسلام لتحقيقهما الاستفتاء...!! ٭٭ واحرقتاه؟؟؟؟ من موقف من شاء الله تعالى لهم ان يكونوا (نوابا للشعب) ويكون رأيهم (ان عملية الانفصال انجاز عظيم يجب ان يكافأ عليه السودان من قبل المجتمع الدولي ليقوم بسحب اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب ورفع العقوبات عنه)..! ٭٭ ويا له من أمر مؤسف مؤلم أن ينهض احد نواب الشعب ليقول بالصوت العالي: (ان الانفصال لا أسف ولا ندم عليه)...! وان الحديث عن الانفصال في رأي ذلك العضو المحترم (لا يعدو ان يكون غير لعب ولهو وماضٍ فات اوانه)..! ٭٭ ومن نكد الدنيا على السودان وأهله، أن يزعم احد قيادات المشروع الحضاري والمؤتمر الوطني، ان حزبه (وقف وقفة قوية لتحقيق الوحدة لا يطعن فيه الا مكابر او مزايد)..!! ٭٭ ولو صمت اهل المشروع الحضاري وقيادات المؤتمر الوطني وبعض الجالسين تحت قبة البرلمان الكائن بجوار (الطوابي المقابلة النيل والعافية البتشد الحيل)، عن الحديث عن هذه الكارثة التاريخية التي ستلاحقهم ابد الدهر، لكان ذلك خيرا لهم وارحم بالمخلصين من ابناء هذا الشعب العملاق الذي ضحى بالغالي والنفيس والمهج والارواح والدم من أجل صيانة تراب السودان والحفاظ على وحدته، حتى يظل الى ان يرث الله الارض ومن عليها، وطنا كبيرا شاسعا واسعا يتمدد من الصحراء شمالا وحتى مشارف خط الاستواء جنوبا، ومن البحر شرقاً حتى حدود تشاد غربا.. يميزه عن سائر شعوب افريقيا تعدد دياناته وثقافاته وحضاراته ولهجاته وشيوخه و«أناطينه» وكجوره وأسوده ونموره وطيوره، ودماء ابن الجنوب الطاهرة الزكية البطل علي عبد اللطيف التي عطرت تراب الخرطوم دفاعاً عن حرية السودان ووحدته وعزته أمام جحافل جيوش الاستعمار البريطاني..!! ٭٭ لقد ضحى الشرفاء الاطهار الاخيار من ابناء السودان بأرواحهم ودمائهم الطاهرة الزكية وارواحهم الغالية العزيزة، حتى يضحى السودان العظيم وطنا ونموذجا انسانيا رائعا للتنوع الحضاري والثقافي والديني، وجسرا للتواصل تعبر منه العروبة والاسلام الى ادغال واحراش افريقيا، ليسهم بالجهد والفكر في اخراج شعوب القارة الافريقية السمراء من الظلمات الى النور، وتعبر منه ثقافات وحضارات شعوب افريقيا لتتمازج مع ثقافات أهل شمال القارة، فيحدث التلاقح المنشود ما بين أهل افريقيا من العرب والمسلمين، واهل افريقيا من الزنج في اواسط وجنوب افريقيا...!! ٭٭ تلك هي الرسالة السامية الخالدة والفكرة البديعة الرائعة الراقية للسودان التي غابت عن اهل المشروع الحضاري، وجعلتهم لا ينظرون لأبعد من مواطئ اقدامهم، ولو غاصوا في تاريخ الفتوحات الإسلامية التي امتدت من الهند والصين شرقا واوربا شمالا وافريقيا غربا، لادركوا اننا لا نبكي على فقدان حفنة من تراب، رغم ما بداخل هذا التراب وفي باطنه من خيرات وثروات أسالت لعاب دول الاستعمار والاستكبار، وجعلتها تبذل قصارى ما عندها من اجل فصل الجنوب.. ولكننا نبكي على رسالة خالدة ضاعت من بين أيدينا وفرطنا فيها بأنفسنا، حتى أضحى أهل المشروع الحضاري مثل (أبو زيد الذي لا غزا ولا شاف الغزو)! ٭٭ وموقف أهل المؤتمر الوطني وأصحاب المشروع الحضاري الذين قبلوا بالتقوقع داخل الشمال المسلم (الذي لا يحتاج أهله إلى من يدلهم ويدعوهم الى الاسلام) من قضية فصل الجنوب والاحتفال بهذا الانفصال والاجتهاج به، اضحى مثل موقف اهل وأصحاب (البصيرة ام حمد)..!! ٭٭ وحكاية (البصيرة أم حمد) التي اضحت مثلا يضرب في الغفلة، تتلخص في ان عجلا ادخل رأسه في جرة ولم يتمكن هذا العجل من اخراج رأسه منها وقد بذل اهل العجل جهدا كبيرا لاخراج رأس العجل من الجرة، ففشلوا ايضا...!! ٭٭ وقد رأى القوم أن يستعينوا (بالبصيرة أم حمد) لإنقاذ الموقف وتخليص رأس العجل وضمان سلامة الجرة، فجاءت البصيرة وبعد أن عاينت الموقف وباءت محاولاتها بالفشل، طلبت احضار سكين وأمرت بقطع (رأس العجل)..!! ٭٭ وبعد أن تمت عملية فصل رأس العجل عن جسده، امرت باخراج الرأس من الجرة، ولكن فشلت المحاولة ايضا. وبعدها امرت باحضار فأس وكسر الجرة، ففعل القوم ما امرت به (البصيرة ام حمد)..!! ٭٭ وكانت النتيجة فقدان العجل والجرة معا...! ٭٭ ومن أسف فإن هذا المثل ينطبق بحذافيره على اهل المؤتمر الوطني والمشروع الحضاري، بدليل انهم قاموا بتجييش الجيوش وتدريب المجاهدين واعداد السلاح من طائرات ودبابات، ومن ثم الدخول في حرب ضروس مع اخواننا واهلنا في الجنوب اهلكت الزرع والضرع، واراقت الدماء وازهقت ارواح الآلاف المؤلفة من شبابنا، ثم بعد ذلك رفعوا الراية البيضاء، وقبلوا باتفاقية نيفاشا المشؤومة التي فرضتها عليهم امريكا وايطاليا ودول الايقاد، دون أدنى رفض أو مقاومة، رغم أنها اتفاقية هدفت في المقام الاول لتفتيت وحدة السودان التي قاتل من أجلها شعب السودان..!! ٭٭ وكما ضاع العجل والجرة ضاعت دماء وأرواح وتضحيات شهدائنا، وضاعت الوحدة ايضا، لنفقد في خاتمة المطاف ارواح هؤلاء الشهداء ووحدة السودان ترابا وشعبا، رغم بشريات الوحدة الجاذبة التي تحدثت عنها نيفاشا، فاكتشف الشعب انها وحدة كاذبة..!! ٭٭ وقبل ان يجف الحبر الذي بصم به اهل الجنوب على بطاقات التصويت، وقبل ان يتم الاعلان عن الانفصال وانتهاء الفترة الانتقالية المنصوص عليها في الاتفاقية..!! ٭٭ وقبل أن يتم حسم مشكلة أبيي وما يمكن ان تسفر عنه، والانتهاء من ترسيم الحدود وما يتوقع ان يفجره من خلافات، وقبل ان تتم معالجة قضايا الدين الخارجي، وقبل ان يتم نزع كل القنابل الموقوتة التي لا نستبعد انفجارها في اي وقت من الاوقات قبل كل ذلك.. يسعى رئيس البرلمان واعضاؤه الى قطف ثمار (شجرة الزقوم) او شجرة الانفصال المشؤوم، فيطالبون بمنح رئيس الجمهورية الذي هو بالطبع رئيس المؤتمر الوطني ونائبه سلفا كير جائزة نوبل للسلام، لأنهما نجحا في اجراء الاستفتاء الذي قاد في النهاية في نظر السواد الأعظم من أهل السودان إلى الاستسلام..!! ٭٭ ويطالبون برفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للارهاب، وكأنما المعارضة السودانية هي المسؤولة عن حشر اسم السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب، وليس المؤتمر الوطني وسياساته التي بدأ يتبرأ منها اهله، ويسعون الى التخلص منها ورميها في قاع البحر..!! ٭٭ قد نتفق معهم في مطالبتهم المجتمع الدولي بمنح جائزة نوبل للسلام للبشير وسلفا كير، طالما ان (الاستسلام) قد تحقق فعلاً.. ولكننا فقط نعيب عليهم الشفقة والاستعجال، خاصة أن الحكمة تقول: (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة)..!! ٭٭ ونعيب عليهم الاستعجال، لأنه لا بد لنا من الانتظار حتى يتحقق انفصال دارفور ومطالبة اهل جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق باقامة دولتين منفصلتين، ومطالبة اهلي في الكلاكلة بالحصول على حكم ذاتي، وبعد ذلك نطالب بمنح كل ابطال (تقطيع جسد السودان إربا إربا) جائزة نوبل للسلام..!! ٭٭ وإن كان من حق أهل المؤتمر الوطني مطالبة المجتمع الدولي بجائزة نوبل للسلام، فماذا يمنعنا من مطالبة المجتمع الدولي بمنح معارضي المؤتمر الوطني وسام (كارتر) للاستسلام..؟!! ٭٭ وأمام هذه المهازل والتلاعب بمشاعر الناس، فإننا لا نملك إلا أن نقول لا «حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» و «إنا لله وإنا إليه راجعون».. ٭٭ اللهم نشكو إليك ضعفنا وقلة حيلتنا على الناس.. وإن لم يكن بك غضب علينا فإننا لا نبالي..!!