في هذه الجزئية من حديث د. عائشة عن شعر الهايكو الياباني، تحدثت عن أهم قواعد هذا الشعر تتلخص في الآتي: الاختصار وهي صفة تجعل الهايكو ابلغ تصويراً باستخدام الكلمات الدلالية المعبرة، يقول الشاعر مياكي: لمحة الشمس تظهر اخيرا اجازة الفصل المطير وتشير د. عائشة الى ان د. محمد عبد الحي ربما اخذ في كتاباته بعض سمات الهايكو على وجه الخصوص في معلقة الاشارات، وفي قصيدة الليل حتما سيقضي في امر.. فهذه القصائد تزخر بما في قصيدة الهايكو من رموز وطلاسم واشياء وراء الكلمات التي يقولها شاعر الهايكو او عبد الحي وغيره والشعراء الذين يستخدمون الاسلوب الرمزي، وتضيف قائلة: انا لا اعرف اللغة اليابانية، ولكن من الواضح ان الهايكو ملئ بالموسيقى والايقاع المقطعي، وهو ايقاع قصير وسريع، وهذا يجعل التلحين والغناء سهلا وشائعا في اوساط الشباب.. اذا ابعدنا شعر الرنجة سيكون هذا الشعر جيد الكلمات، كما أن الكلمات منتقاة بشكل جيد، وقد استخدم الهايكو في كتابات ولغات اخرى اعتمدت على بعض خصائصه، ومن الجماعات التي استخدمته الجماعات المعروفة بالتصويريين من شعراء الانجليز 9091-7991، الذين رفضوا الصور المبتذلة في شعر القرن التاسع عشر، وقد تأثروا بالشعر الكلاسيكي والشعر الصيني والياباني، والفكر عندهم أن الشعر يكون بالصورة المجردة ليس بوصفها وشرحها والتعليق عليها، لذلك ينبغي أن يمثل الشاعر او يشخص الصورة التي تعبر عن مشاعره وأحاسيسه، كما فعل ايسو مع الحلزون فقد قال: ايها الحلزون تسلق جبل فوجى لكن بطيئا بطيئا ويمثل الشاعر الاميركي عزرا باوند القيادة لهذه المجموعة، وقد يكون وصف النقاد لشعره بالغموض ناتجاً عن هذا الجنوح الى التصويرية المجردة، وقد اصدر كتابا يحتوي على مقتطفات أدبية سمَّاه التصويرية. كما أشارت د. عائشة الى بعض مشكلات الترجمة قائلة: إذا توفرت للمترجم الادبي او العلمي الادوات لا تشكل المفردات اية مشكلة، ولكن تصبح المشكلة تكمن في مدى فهمه للموضوع واختيار المفردة المناسبة.. ومفردات الهايكو في منتهى الوضوح، لكنها اتعبتني لاسباب كثيرة، منها ان هذه المفردات البسيطة التي استخدمها الشاعر نفسه لا بد للمترجم ان يستخدمها بذكاء كبير جداً لتحمل المعاني الضمنية التي اراد الشاعر ان يراها، ويجب الاحتفاظ بها على ما تدل عليه.. والمشكلة الاخرى هي بعد الترجمة، فتبدو الترجمة بسيطة جدا بعد ترجمتها للغة العربية، وتبدو في غاية السذاجة للقارئ ان لم تكن لديه خلفية عن الهايكو: وراء كتفي ضاع أصدقائي الذين تبعوني وسط سحب الزهور أيضا من المشكلات صعوبة الحفاظ على المقاطع باللغة العربية التي قد ضاعت في الترجمة للانجليزية، اما الترجمة الابداعية للشعر كما ذكرت، فلا مجال لذلك كما نراها في الشعر العربي، وهذه القصيدة مثال لذلك: حبيبات الثلج والماء خلافات قديمة امتزجت تقطر معا هذه ترجمة للغة العربية إذا اردنا ان نجعلها ابداعية كما ينبغي ان تكون: وتبلور حزني حبيبات ثلجية تقطر سما في جرحي سمة الابدية او وتبلورت احزاني القديمة ثم ذابت مطراً أزرق وأثرت هذه الامسية مداخلات عدة بدأها الشاعر عبد الله شابو قائلا: د. عائشة تتمتع بقدرة ابداعية كبيرة، وهذه الامسية من امتع الامسيات التي كنت حضورا فيها، فقد قدمت خلالها معلومات كبيرة وجديدة.. ويبدو حسب تقديري ان قصر قصيدة الهايكو يعود الى البعد الثقافي لليابانيين، فهم أقل عاطفة منا، وهذا يجعل الشعر عندهم اكثر عقلانية وواقعية، وهي ليست فروقا في الجينات ولكن في الثقافة. ٭ التشكيلي صلاح ابراهيم: استمتعت بهذه الامسية، وانا من المهتمين بالتجربة اليابانية.. وهذه اللغة حسب معلوماتي مأخوذة من اللغة الصينية القديمة، وبها آلاف المقاطع، والمقطع عبارة عن صورة، فهي اقرب للهيلوغروفية ولكن باشكال هندسية مغايرة، ويبدو أن هذا الاسلوب هو الذي اتى بقصيدة الهايكو. وقد تساءل حول اختلاف الترجمة بين اللغة الام واللغة المترجم عنها. ٭ د. عمر عبد الماجد: د. عائشة- افادها الله- لاول مرة من خلالها نقف على معرفة لصيقة بهذا النوع من الشعر، لكن اللغة اي لغة هي عقلية، لكن الفرق بين الشعر العربي والشعر الياباني شيء طبيعي، وذلك يعود لاختلاف عقلية الشعبين، وفي رأيي هذا التكثيف للصورة وهذا القصر في القصيدة لا ينعزل باية حال من الاحوال من العقلية اليابانية.. وما يطرأ من سؤال هل هذا الضرب من الشعر يعود لقرون بعيدة ام هو شعر حديث؟ وترجمة الشعر ضرب من الجنون، والشعر رؤية وترجمة، والرؤية من أصعب الاشياء، وترجمة النثر سهلة.. وما قدمته د. عائشة عمل كبير لأن ترجمة الشعر ترجمة صعبة، وانا ترجمت «84» قصيدة لبودلير، لكني اعتقد أن ما بذلته من جهد في الترجمة لا يرقى الى كعب النص الاصلي للقصيدة. وعبد المنعم اضاف قائلاً ان هذه الثقافات الثلاث متشابهة، فالحضارة اليابانية مثل الحضارة الاسلامية، والمسألة كلها ربط بين الحياة البشرية والحياة الطبيعية، وعلمياً وكونياً وفلسفياً الحياة متغيرة باستمرار، لذلك المسائل الانسانية تحدث عن الطبيعة، والشعر الياباني يستطيع الإنسان السوداني فهمه بسهولة، فهو يتميز بنوع من الرواقية، واليابانيون يفهمون تماماً جماليات الأدب العربي.. ود. عائشة نجحت في ابراز صورة الهايكو. ٭ محمود محمد الحسن: الحديث يثير شجوناً كثيرة واسئلة، والارتكاز الذي يقوم عليه هذا الشعر من الاختصار والغموض، هل يبنى على ما يُسمى بالمترادف اللفظي، وهو أن يكون في اللغة اليابانية للفظ الواحد دلالته المعجمية التي تدل على معانٍ متعددة؟ ام انه يقوم على المجاز، وهناك احتمالان، فاذا كان يقوم على تعدد المعاني المعجمية للمفردة الواحدة فذلك ضرب من التورية البسيطة جدا التي مورست في آداب كثيرة جدا من مستويات مختلفة، واذا كان يقوم على المجاز فذلك ادعى للشعرية فيه، لأن الشعر اكثر الفنون دوراناً على المجاز وعلى خلق معان جديدة ومتجددة للفظه بحسب السياق، وايضا في ما يتعلق بما تفضل به من تحدث عن الفرق بين ترجمة الشعر وترجمة صنوف الادب الاخرى من قصة ورواية، فأنا لست مع التعميم، ولا اعتقد ان دستوفسكي او هوجو لا يستطيع ترجمتهم الا المهرة جدا، لأن اللغة التي كتبت بها لغة فيها كثير جدا من الشعرية، هكذا يقول من ترجموها، وهكذا ينعكس في نفوسنا من الترجمات وان كانت رديئة، فهؤلاء استخدموا كثيرا من الصور العاطفية، وهذا يتطلب الغوص في مجالات هي فنون المجاز وفنون الاستعارات والتصوير والتخيل. والسؤال كما افترضت الدكتورة وقبلها المترجم الاول حيث افترضا معا وهما من ثقافتين متغايرتين، ان ما ينقلانه شعر باعتبار المنقول اليه وليست باعتبار المنقول منه، لأنه إذا كان هذا شعراً بحسب المفهوم العربي فأنت تمارسين ترجمة شعرية، ولكن ليس بالضرورة ان يكون ذلك شعرا، باعتبار انه كلام موجز يقوم على التوريات، وهذا يندرج وفق ثقافتنا تحت ما يسمى بالإشارات. وارى أن يتم تجنيس هذا الامر، وارى ان نتعامل معه باعتباره نثراً، وتقنية النقل والتعامل مع هذا الصنف باعتباره نثرا قد يجاوب على بعض التساؤلات. ٭ عز الدين ميرغني: الحضارة اليابانية حضارة عميقة جداً، وبها شعر جميل جداً، على وجه الخصوص شعر الصعلكة اليابانية فهو شعر رائع، قد ترجمت شعرا يابانيا عن الفرنسية موجود في المركز الثقافي الفرنسي، والفرنسيون ترجموا شعر الصعلكة اليابانية، ونأمل ان تفرد أمسية لهذا الأدب. ٭ د. أحمد الصادق: وختام الأمسية كان مداخلة د. أحمد التي ذكر فيها ان المحيط العربي معرفته بتراث اليابان جاءت متأخرة.. وبدأنا ننفتح على الثقافة اليابانية من خلال الرواية والسينما، وبعد ذلك عاد الناس لمسرح الشعر والهايكو.. والعالم كله اهتم بشعر الهايكو، وهذا الامر ليس شيئاً عادياً، فللنظر إلى شكل مقطع الهايكو: الفراشة التي حطت على الجرس تنام، الآن في هدوء أيضا من خواص الهايكو الاختزال، ففكرة ضخمة تختزل في بضع كلمات، فهي بساطة مذهلة، وقد أثر الهايكو في أجناس الإبداع الأخرى خاصة السرد: قصص بحجم راحة اليد، كذلك دخلت بعض مقاطع الهايكو في السينما كيرا كيرا ساوا. ومقاطع من الهايكو دخلت في الفيلم (Blizzard) دفء الجليد حرارة الثلج